أهمية النظرة الشرعية قبل الزواج
الشيخ مالك المصلاب
منذ 7 سنواتالأحكام الشرعية شُرّعت من أجل تنظيم حياة الإنسان، إذ هي منظومة متكاملة، أي مـجموعة أحكام مرتبطـة ومنظمة، والغـاية منها إيجاد المصالح والمنافع، ودفـع المفاسد والمضار.
الحديث يقع حول حكم شرعي يعدّ من الأحكام المهمة جدًا، بل لا نبالغ، إن قلنا إنه من الضروريات، ألا وهو "النظرة الشرعية قبل الزواج
"
الحديث يقع في نقطتين:
النقطة الأولى: السَكينة هي الغاية من الزواج
قال تعالى: ﴿وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَـلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَـعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون﴾ (الروم:21)
جُعِلَت الغـايةُ مـن الزواج هي إيجاد السكينة؛ وذلك لـوجود النقـص والحـاجـة والافتقار في كل من الطرفين للبعض الآخر، فهما قد جهزا بجهاز تناسلي، لا تتم فاعليته إلا بقرنه واتصاله بالآخر.
وجـميل ما قاله العلامة الطباطبائي (رحمه الله) أنه بسبب هذا النقص والافتقار، يتـحـرك الواحد مـنهما إلى الآخر، حتى إذا اتصل به سكن إليه؛ لأن كل ناقص مـشتاق إلى كماله، وكل مفتقر مائل إلى ما يزيل فقره. (1)
والسؤال هاهنا كيف ستحصل السكينة عندما لا يجد أحد القرينين ما يتمم نقصه؟
هل سيشعر أنه قد تكامل بسد حاجته ودفع افتقاره؟
أمّا أنه سيعاني من الحاجة والفقر، محتاجًا إلى من يسد حاجته ويدفع عنه فـقره؟
من الأسباب التي تؤدي إلى عدم حصول السكينة بين القرينين، هو أن لا يأخذ، أو لا يسمح للزوج بالنظرة الشرعية قبل الزواج، إذ يتفاجأ الزوج بمَن ارتبط بها، أنها ليست هـي ما كان يريدها من قبل، فلا يرى فيها سد حاجته ودفع فقره، ويبقى محتاجًا مفتقرًا إلى من تكمله، إلى من بها يكون في حالة من السكينة والهدوء والاطمئنان.
إذ من طبع الإنسان أن يميل إلى ما يعجبه، إلى ما يهويه، ويجذبه، فـلا يكـفي أن يوصف للزوج صفات مَـن يرغب بالارتباط بها، إذ مـن المعلوم أن السـامع ليس كالمشاهد، فمهما بلغ الوصف ما بلغ، لا يوصل تمام الحقيقة، على أنه لا يخفى أنـه يحدث في بعض الأحيان تعارض وتناقض في الوصف، فـواحدة تقول: إنها جميلة بيضاء... الـخ، وأخرى تقول: لا إنها حنطية اللون ذات أنف كبير... الـخ
على أن الجمال يختـلف مـن فرد إلى فـرد، إذ قد يـكون شيء ما في نظر فـرد ما جميلاً، وفي نظر فرد آخـر ليس بجميل، فلا يكتفى بآراء الأهل في المسألة، بـل من أجل ضمان قبول الزوج للفتاة التي يرغب أن يرتبط بها، أن يطلب النظرة الشرعية من أجل ضمان حياة سعيدة لكلا الطرفين.
وفي الحقيقة أن الزوج يُظلم هاهنا كثيرًا، إذ بالعادة الفتاة تطلب صورة لمن سيكون شريك حياته، أو جرت العادة أن يـعطوا أهـل المتقدم صورة لابنهم، فإذا تقـبلت الفتاة شكله، أعلنت قبولها، وإلا فلا، وماذا عن الزوج؟ أليس مـن حـقـه أيضا بـأن يرتبط بزوجة يتقبل شكلها؟
على أنـه قد ترفض الفتاةُ المتقدمَ لها بسبب شكله، إلا أن العائلة لا تصرح بهذا للمتقدم، فقط تستكفي بالقول لا يوجد نـصيب، أمّا المتقدم إذا لم تنال إعـجابه الفتاة لا مناص له إلا بالتصريح بهذا.
وهـنا على الفتاة أن تعلم أنه إذا لم تنال إعجاب مَـن تقدم لها، لـيس هذا أنها ليست بجميلة، بل لما قلنا أن مفهوم الجمال يختلف من فرد إلى فرد.
وإذا افترضنا أن الفتاة بالرغم من علمها بذلك، إلا أنها قد تأثرت من هذا الموقف، وأصابها بعض التعـب، أليـس هذا أفضل من أن تكون طيـلة حياتها متعبة مـع زوج لا يتقبلها؟
وعليه، ينبغي ألا نتحجّر في هذه المسألة، ونراعي المصلحة التي ستجلبها لنا عند تحققها.
إذ أن الشارع المقدس نفسه الذي حرّم النظر إلى غير المحارم من أجل مصلحة ما، قد شرّعه لـنا في هـذا الجـانب مـن أجل مـصلـحة مـا، فـلا نقـبل بشيء، ونرفض بشيء آخر.
فعلينا أن نتقبّل، ونسعى لكل شيء شرّعه لنا الشارع المقدس، من أجل إيجاد قِرانٍ يحفه السكون والأنس والطمأنينة.
النقطة الثانية: أحكام النظرة الشرعية
أولاً شروطها:
• الرغبة الجادة من الزواج بها خاصة، لا من أجل الاستطلاع والتكشف عنها، بأن يكون مثلاً يبحث عمَن تعجبه من ضمن مجموعة من الفتيات، فهاهنا لا يجوز لـه.
• حصول التوافق المبدئي، الذي يكون بزوال الموانع من تحقق الزواج، أمّا إذا كانت هناك موانع من تحقق الزواج فليس له أخذ النظرة الشرعية.
• أن يكون النظر لغرض الاستعلام، لا لغـرض التلذذ الشهوي، وإن عـلم أنـه سيحصل بالنظر إليها قهرًا، فلا إشكال، نعم عليه أن لا يخاف الوقوع في الحرام بسببه.
• ألا يكون مسبوقا بحالها، بأن قد رآها سابقاً.
ثانيًا حدودها:
بعد تحصيل وتحقق ما تقدم من شروط، يجوز لمن يريد ان يتزوج امـرأة أن ينـظر إلى محاسنها والتي تتمثل في: وجهها، وشعرها، ونحو ذلك.
على أنه لا يشترط أن يكون ذلك بإذنها ورضاها، نعم يكون بـعد تحقق مـا تقدم من شروط كما تقدم.
سؤال هل يجوز له بتكرر النظرة إليها؟
نعم يجوز له بتكرر النظر إليها، إذا لم يحصل الاطلاع الكافي عليها بالنظرة الأولى، بأن مثلا قد خُفِي عنه شعرها، فيطلب النظر إليها مرة أخرى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. السيد محمدحسين الطباطبايي، الميزان ج 16 ص 143، بتصرف.
التعلیقات