الوفاق فی البیت (١)
موقع راسخون
منذ 10 سنواتلا یمکن أن یکون الوفاق الذی یجب أن یسود بین أفراد الأسرة الواحدة مئة بالمئة، ولا بُد لنا من القول
بأن التوافق الأخلاقی بین أفراد الأسرة الواحدة یمکن ان یکون بشکل کامل واتم اذا وصل الی درجة تقترب من التسعین فی المئة ..
فالزوجة لا تتوافق مع زوجها 100%، ولا الأم مع عروسها، ولا البنت مع أمها، ولا الغلام مع ابنه، بسبب وجود الاختلاف فی الأذواق مما یبعث على بروز اختلاف ـ ولو بسیطاً ـ بین الجمیع، أرادوا ذلک أم أبوا.
یقول علماء النفس: إن الاختلاف المشاهد فی البیت بین أفراد الأسرة الواحدة أمر طبیعی، وإن عدم الوفاق 100% یرجع سببه ـ على حدّ قول أحد الفلاسفة ـ إلى أن الإنسان هو أحد المخلوقات المستقلة، ولا نعلم مدى صحة هذه العبارة، ولکن الذی نعلمه وندرکه هو أن بین أفراد البشر اختلافاً أخلاقیاً وذوقیاً ملموساً ومحسوساً.
فما الذی نفعله إذن، لبلوغ توافقٍ أخلاقی نسبته عالیة؟.
إذا کان التوافق بین الزوجین یصل إلى 70% فالأمر حسن وجید، وینبغی لهما أن یشکرا الله تعالى على تلک النعمة العظمى، وإذا کان لا یتعدى نسبة 50% یجب أن نقول هذه النسبة جیدةٌ هی الأخرى أیضاً، ولو بلغت نسبة الوفاق بین أم الزوج والزوجة هذه النسبة، فستعمر الأرض بساکنیها، وکذا الأمر بالنسبة للوالد الولد.
إن الشیء الذی نغفل عنه دائماً هو عدم وجود توافق أخلاقی 100%، ولذا ترى الغالبیة العظمى من البشر یرومون توافقاً أخلاقیاً 100% وهذا لا یمکن أن یصل إلیه البشر، لاختلاف أذواقهم ورغباتهم کما ذکرنا سلفاً.
إذن، فما الذی نفعله کی نتمکن من بلوغ أعلى النسب فی التوافق الأخلاقی.
یوجد عاملان مهمان وأساسیان یمکن أن یتدخلا لرفع تلک النسبة وهما.
1 ـ المحبة
إذا سادت المحبة والود والوئام بین الزوج وزوجته، وبین الأب وابنه، وبین البنت وأمها، وبین الزوجة وأم زوجها، فسوف نشاهد 30% أو 50% من الاختلافات التی یمکن أن تقوم فیما لو لم تکن تلک المحبة، وبناءً على ذلک قال رسول الله صلى الله علیه وآله:
(حبّک للشیء یُعمی ویُصمّ)(1).
فالمحبّ على ما یبدو لا یرى أخطاء حبیبه، ولا یتأتى له أن یرسلها على لسانه، بل ویبرر أخطاء حبیبه إلى درجةٍ غیر معقولة، وأکثر من ذلک دفاعه عن ذلک الحبیب حینما یخبره الناس بما یفعل ویعمل.
عین الرضا عن کل عیبٍ کلیدَةٌ ** وعین السخط تُبدی المساویا
نقل البعض لنا حکایة عن قیس ولیلى ـ ولا أعلم إذا کانت حقیقة أم خیالیة ولا أدری هل توجد هکذا حقائق فی کیان البشر أم لا؟.
یقال إن لیلى کانت طبخت طبیخاً بسبب نذر نذرته، وما إن سمع قیس بأنها فعلت ذلک، وأن الناس کانوا یتسابقون إلى دارها حتى بعث إناءً له من فخار بید صدیق له، لیجلب به شیئاً من ذلک الطبیخ.
ذهب صاحبه إلى منزل لیلى فناولها الإناء وقال لها: إن هذا الإناء هو لقیس ولا بأس علیک لو ملأتیه له، وما إن سمعت باسم قیس حتى رمت بالإناء جانباً لینکسر، فوصل الخبر لقیس فقال:
لو کانت تمیل لغیری لما کسرت اناءی لیلى
أی لو کانت لیلى تحبّ فرداً آخراً غیری، لکسرت إناءه مثلما کسرت إنائی، وما کسرها للإناء إلاّ من شدة حبها لی، حیث کانت ترید أن ترانی حاملاً إنائی، ولم ترغب فی رؤیة غیری یحمله لی.فالسیدة التی تعشق زوجها، لا یتأتى لها أن ترى سیئاته، بل حتى سیئاته تراها حسنات، ولذا نشاهدها تدافع عنه بقوة، وتدافع عن کل ما یمکن أن یکون له مساس بزوجها، من قریب أو من نسیب أو ما شابه ذلک، وهذا ما لاحظته عند بعض السیدات اللواتی یعشقن أزواجهن حیث تراهن یتبسّمن ویلتزمن بالطاعة، ویشکرن الباری تعالى کثیراً على نعمة وجود الزوج بالرغم من شدته وخشونته وتعسفه، ویبررن تلک الشدة والخشونة بأنها حبّ شدید لهنّ من أزاجهن، ویقلن: إن الدلیل على حبه المفرط هو عدم بروزه لهذه الشدة مع الأخریات، وما شدته إلا لرغبة فیه للعیش فی بیت الزوجیة الجمیل.
إن إحدى المسائل المهمة التی ینبغی للجمیع أن یلتفتوا علیها، وأن یأخذوها بعین الاعتبار هی مسألة التودد والتلطف بالکلام، واستخدام العبارات الرقیقة والجمیلة، حیث یمکن أن تفعل تلک العبارات أشیاءً لا یمکن أن یتصورها إلاَّ من عمل بها، حیث ترى الزوجة زوجها جمیلاً وهو فی واقعة قبیح، وتراه أعلم الناس، فی الوقت الذی لا یختلف عنهم کثیراً.
ویمکن القول إن الکلام الجمیل والعبارات الرقیقة یکون مثلها کمثل الفلفل والمخللات فی الطعام حیث تضفی على مجمل الحدیث رونقاً خاصاً، وتکسبه طعماً یذوق لذته الطیِّبة من یسمعه، فینعکس أثره فی القلب لتنمو زهرة یانعة یفوح عطرها لیشمل حتى المتحدث.
وعلى العکس من ذلک نشاهد کلمة خبیثة أو تجریحاً قد لا یعنیه قائله، یفعل فعله فی القلب کالسهم المنطلق من قوس عدو، حینها على المحبة التی لن ترجع إلى ذلک القلب ثانیة إلا بصعوبة.
قال رسول الله صلى الله علیه وآله:
(ما اصطحب اثنان إلاّ کان أعظمهما أجراً عند الله تعالى وأحبّهما إلیه أرفقهما بصاحبه)(2).
لقد أولى الإسلام العظیم أهمیة بالغة لمسألة طاعة الزوجة لزوجها، وحسن معاملة الزوج حیث لم یستطع الشارع المقدس أن یجد عملاً أکثر أجراً وثواباً من حسن تبعل المرأة، وحسن خلق الزوج مع زوجته.قال الإمام الکاظم موسى بن جعفر علیه السلام:
(ما مِن امرأة تسقی زوجها شربة من ماء إلا کان خیراً لها من عبادة سنة..)(3).
وقال أیضاً علیه السلام:
(أیّما امرأة خدمت زوجها سبعة أیام أغلق الله عنها سبعة أبواب النار، وفتح لها ثمانیة ابواب الجنة تدخل من أیّها شاءت)(4).
قال رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم:
(جلوس المرء عند عیاله أحبّ إلى الله تعالى من اعتکاف فی مسجدی هذا"(5).
وجاء فی الخبر أن الرسول الأکرم(صلی الله علیه وآله وسلم) کان قد بشّر الرجال والنساء المتزوجین بفتح الله أبواب الجنة لهم، وإلحاقهم بمقام الأنبیاء والأوصیاء والصالحین إذا التزموا بخدمة بعضهم البعض وفق ما جاء فی شرعته سلام الله تعالى علیه:
(ومنْ یُطِعِ الله والرسول فأولئک مع الذین أنعم الله علیهم من النبیِّین والصّدیقین والشهداءِ والصالحین، وحسُنَ أولئک رفیقاً) (6).
قال رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم:
(من کان له امرأة تؤذیه لم یقبل الله صلاتها ولا حسنة من عملها حتى تعینه وترضیه، وإن صامت الدهر.. وعلى الرجل مثل ذلک الوزر إذا کان لها مؤذیاَ ظالماً)(7).
وقال أیضاً صلوات الله وسلامه علیه:
(من صبر على سوء خلق امرأته واحتسبه، وأعطاه الله بکل مرة یصبر علیها من الثواب ما أعطى أیوب علیه السلام على بلائه، وکان علیها من الوزر فی کل یوم ولیلة مثل رمح عالج..(8).
وقال کذلک صلى الله علیه وآله:
(من صبرت على سوء خلق زوجها أعطاها مثل [ثواب] آسیة بنت مزاحم)(9).
ادامه دارد
التعلیقات