الحياة الزوجية وتاريخ الصلاحية
موقع رسالة الأمرة
منذ 10 سنواتإن الله الخالق سبحانه خلق الناس من نفس واحدة وخلق منها زوجها ليسكن إليها، وأرشدنا أن من عظيم
آياته لمن يريد التفكر تلك المودة والرحمة التي جعلها بين الزوجين لتظلل تلك الرابطة والميثاق الغليظ الذي جمع بينهما، لتكون النواة السليمة للمجتمع الطاهر النظيف، فتثمر الأرحام والأنساب، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً}الفرقان: 54.
هذه الحياة الزوجية التي أرادها الله ووصى بها عندما تتعرض لهزات تبعا لما يصيب المجتمعات من تغيرات وتفكك وتصدع في قيمه الأصيلة التي يرتضيها الشرع، بلا شك تفقد هذه الحياة مقومات وجودها، وغالبا ما تبتعد عن غايتها، وتنسلخ من مضمونها، وإذا وُجدت واستمرت فتكون بصورة مشوهة تتحطم عند أوهن الابتلاءات.
والمتتبع لنظام الزواج الذي أراده الله أن ينشأ على أسس متينة وسليمة يفزع لما وصل إليه وتأخذه الحيرة لما أصبح عليه، حتى إن إحدى الأخوات قد ألقت سؤالا: "هل الأفضل للفتاة ألا تتزوج ويطلق عليها اللفظ الشائع بأنها عانس؟ أم تتقبل أي فرصة زواج ولا يهم إن طلقت حتى قبل أن تبدأ رحلة الحياة الزوجية؟".. وهذا وإن دل على شيء فإنه يدل على عزوف الكثيرين عن الزواج، وأيضا على إهدار قيمة الحياة الزوجية وأنها صارت أوهن حياة، وكأن البشر قد توافقت رغباتهم مع عدو الله الذي يشحذ كل جنوده لإنهاء صلاحية الحياة الزوجية، فيبدأ بإفسادها وتزيين الطعم لاصطياد الأسر وتمزيقها.
وحتى نستطيع أن نتدارك السقوط في تلك الحفرة والتي نقف على حافتها علينا أن نعي أن البعد عن أوامر الله وهجر تعاليم الدين الحنيف في كامل منظومة الحياة الزوجية التي صوبت إليها سهام متلاحقة متباينة، هذا البعد تبرز معالمه في نقط كثيرة من أهمها:
1ـ في غالب الأحوال إلا مارحم الله أصبح تكوين أسرة في مجتمعاتنا الإسلامية يكتنفه تعقيدات من جانب أسرة الزوجين، وازدادت درجات المعاصي والبعد عن السهولة والتيسير وتعلقت النظار بتقليد كل ما هو مخالف حتى للقيم والأعراف السوية، فالكل يعاني ويتكلف ويتباهى ويتنافس في إعداد حوائط وأرضيات بيت الزوجية، وكيف ستكون صورة انطلاق أول ليلة في ليالي الحياة الزوجية وكفى، وقد كنا إلى عهد قريب يبذل هذا الجهد الضائع لتحقيق مدة أطول فيما يسمى(شهر عسل).
2ـ تنطفئ شموع الليالي الأولى، فإذا بنا أمام شخصين غالبا لا يدركان كيف يتعاملان مع تلك الحياة الجديدة، ويبدأ البحث من جانب كلا الطرفين على كيفية جذب الطرف الأخر ليسير كما يرسم له، أو على الأقل يبقى كل واحد منهما في صراع حتى لا يندمج في الآخر معلنا بكل الصرخات (لا لقيود الحياة الزوجية).
3ـ عند غياب مفهوم الشراكة في الحياة الزوجية وما تقتضيه من حقوق وواجبات ومع استمرار حالات ذلك الصراع فإنها تثمر كثير من الشروخ والتصدعات، وبدلا من أن تعتاد قلوب الأزواج على التآلف فيما بينها تزداد فترات التنافر،وتغدو المساكن بلا سكن وتتحول إلى حوائط تقيم فيها كائنات منفردة لا يجمعها مودة ولامحبة أجسام تتحرك وقد مات فيها طعم سعادة الحياة الزوجية.
4ـ تختلف مدة صلاحية الحياة الزوجية من حالة لأخرى وتتداخل عوامل كثيرة في التأثير فى هذه الصلاحية، فالبعض لا يبالي ويفر سريعا، والبعض يجاهد لإبقائها أطول مدة ممكنة، وهناك من لا يبالي بها فهي موجودة ولكنها لا تعنيه، وهناك من يحرص على رعاية مقومات تلك الحياة، ويرى أنها رحلة حياة عمر وقد من الله عليه برفيق درب ويجِد في الإخلاص واقتلاع الأشواك وغرس الأزهار لينعم ويجني السكينة والمودة والرحمة.
5ـ يجب ألا يغيب عن الحسبان أن الحفاظ على صلاحية الحياة الزوجية، واستمرار نجاحها بمعونة الله وحوله هو الحصن الواقي من عصف أمواج الدنيا وأمراضها وخداعها ليس فقط للزوجين بل للذرية الصغيرة التي تترعرع في أحضان الدفء الأسري وهي أيضا باب سعادة للأهل وللأمة بأسرها.
التعلیقات