أحكام النشوز والشقاق
مسألة 350 : النشوز قد يكون من الزوجة، وقد يكون من الزوج: اما نشوز الزوجة فيتحقق بخروجها عن طاعة الزوج الواجبة عليها، وذلك بعدم تمكينه مما يستحقه من الاِستمتاع بها، ويدخل في ذلك عدم ازالة المنفرات المضادة للتمتع والاِلتذاذ منها، بل وترك التنظيف والتزيين مع اقتضاء الزوج لها، وكذا بخروجها من بيتها من دون اذنه، ولا يتحقق بترك طاعته فيما ليس واجباً عليها كخدمة البيت
ونحوها مما مر. واما نشوز الزوج فيتحقق بمنع الزوجة من حقوقها الواجبة عليه، كترك الانفاق عليها، أو ترك المبيت عندها في ليلتها، أو هجرها بالمرة، أو ايذائها ومشاكستها من دون مبرر شرعي.
مسألة 351 : إذا امتنعت الزوجة من تمكين الزوج من نفسها مطلقاً لم تستحق النفقة عليه، سواء خرجت من عنده أم لا على الاَظهر، واما إذا امتنعت من التمكين في بعض الاَحيان لا لعذر مقبول شرعاً، أو خرجت من بيتها بغير اذنه كذلك فالمشهور انها لا تستحق النفقة ايضاً، ولكن الاَحوط وجوباً عدم سقوطها بذلك، واما المهر فلا يسقط بالنشوز بلا اشكال.
مسألة 352 : كما يسقط بالنشوز حق الزوجة في النفقة يسقط به حقها في القسم والمواقعة كل أربعة اشهر أيضاً، ويستمر الحال كذلك مادامت ناشزة فاذا رجعت وتابت رجع الاِستحقاق.
مسألة 353 : إذا نشزت الزوجة جاز للزوج ان يتصدى لاِرجاعها الى طاعته، وذلك بأن يعظها أوّلاً فان لم ينفع الوعظ هجرها في المضجع إذا احتمل نفعه، كأن يحوّل إليها ظهره في الفراش، أو يعتزل فراشها إذا كان يشاركها فيه من قبل، فان لم يؤثر ذلك ايضاً جاز له ضربها إذا كان يؤمِّل معه رجوعها الى الطاعة وترك النشوز، ويقتصر منه على اقل مقدار يحتمل معه التأثير، فلا يجوزالزيادة عليه مع حصول الغرض به، وإلاّ تدرج الى الاقوى فالاقوى ما لم يكن مدمياً ولا شديداً مؤثراً في اسوداد بدنها أو احمراره، واللازم ان يكون ذلك بقصد الاِصلاح لا التشفي والاِنتقام، ولو حصل بالضرب جناية وجب الغُرم. وإذا لم تنفع معها الاجراءات المتقدّمة واصرّت على نشوزها فليس للزوج ان يتّخذ ضدها اجراءً آخر سواء أكان قولياً كإيعادها بما لا يجوز له فعله ـ بخلاف الاِيعاد بما يجوز له كالطلاق أو التزويج عليها ـ أو كان فعلياً كفرك اُذنها أو جرّ شعرها أو حبسها أو غير ذلك، نعم يجوز له رفع امره الى الحاكم الشرعي ليلزمها بما يراه مناسباً كالتعزير ونحوه.
مسألة 354 : إذا نشز الزوج على زوجته بمنعها حقوقها الواجبة عليه فلها المطالبة بها ووعظه وتحذيره، فان لم ينفع فلها رفع امرها الى الحاكم الشرعي وليس لها هجره ولا ضربه والتعدي عليه.
مسألة 355 : إذا امتنع الزوج عن بذل نفقة زوجته المستحقة لها مع مطالبتها جاز لها ان تأخذها من ماله بدون اذنه، ويجوز لها رفع امرها الى الحاكم الشرعي لاِجباره على الاِنفاق، فان لم يتيسر هذا ولا ذاك واضطرت الى اتخاذ وسيلة لتحصيل معاشها لم يجب عليها اطاعته حال اشتغالها بتلك الوسيلة، وهل لها الامتناع عن القيام بحقوقه في غير تلك الحال أم لا؟ فيه اشكال، والاِحتياط لا يترك.
مسألة 356 : إذا امتنع الزوج عن الاِنفاق مع قدرته عليه فرفعت الزوجة امرها الى الحاكم الشرعي، ابلغه الحاكم بلزوم احد الاَمرين عليه: اما الاِنفاق أو الطلاق، فان امتنع عن الاَمرين ولم يمكن الاِنفاق عليها من ماله ـ ولو ببيع عقاره إذا توقف عليه ـ ولا اجباره على الطلاق جاز للحاكم ان يطلقها بطلبها، وإذا كان الزوج غير قادر على الاِنفاق على زوجته وجب عليه طلاقها إذا لم ترض بالصبر معه، فاذا لم يفعل جاز لها ان ترفع امرها الى الحاكم الشرعي فيأمر الزوج بالطلاق، فان امتنع وتعذر اجباره عليه طلّقها الحاكم، ويقع الطلاق بائناً في الصورتين، ولا فرق فيما ذكر بين الحاضر والغائب وسيأتي حكم المفقود في محلة.
مسألة 357 : إذا امتنع الزوج عن الاِنفاق على زوجته أو كان عاجزاً عن الاِنفاق عليها فتعمّد اخفاء موضع اقامته؛ لكي لا يتسنى للحاكم الشرعي ـ فيما إذا رفعت الزوجة امرها اليه ـ ان يتخذ بشأنه الاجراءات المترتبة المتقدّمة، ففي هذه الحالة هل يجوز للحاكم ان يقوم بطلاق زوجته تلبية لطلبها فيما إذا تعذر عليه تنفيذ ما يتقدم الطلاق من الاِبلاغ وغيره أم لا؟ فيه وجهان لا يخلو اوّلهما عن قوة.
مسألة 358 : إذا هجر زوجته هجراً كلياً فصارت كالمعلّقة لا هي ذات زوج ولا هي مطلقة، جاز لها رفع امرها الى الحاكم الشرعي، فيُلزم الزوج بأحد الاَمرين: اما العدول عن هجرها وجعلها كالمعلّقة، أو تسريحها لتتمكن من الزواج من رجل آخر، فاذا امتنع منهما جميعاً جاز للحاكم ـ بعد استنفاد كل الوسائل المشروعة لاِجباره حتى الحبس لو امكنه ـ ان يطلّقها بطلبها ذلك. ويقع الطلاق بائناً أو رجعياً حسب اختلاف الموارد، ولا فرق فيما ذكر بين بذل الزوج نفقتها وعدمه.
مسألة 359 : إذا كان الزوج غير قادر على العود الى زوجته كما لو كان محكوماً بالحبس مدة طويلة فصارت كالمعلّقة بغير اختياره، فهل يجب عليه ان يطلّقها إذا لم ترض بالصبر على هذا الحال أم لا؟ فيه اشكال، فالاَحوط وجوباً له الاِستجابة لطلبها في الطلاق، ولكن إذا امتنع فعليها الاِنتظار حتى يفرج الله تعالى عنه.
مسألة 360 : إذا كان الزوج يؤذي زوجته ويشاكسها بغير وجه شرعي، جاز لها رفع امرها الى الحاكم الشرعي ليمنعه من الاِيذاء والظلم ويُلزمه بالمعاشرة معها بالمعروف، فان نفع وإلاّ عزّره بما يراه، فان لم ينفع ايضاً كان لها المطالبة بالطلاق، فان امتنع منه ولم يمكن اجباره عليه طلّقها الحاكم الشرعي.
مسألة 361 : إذا ترك الزوج بعض حقوقها غير الواجبة، أو همّ بطلاقها لكراهته لها مثلاً، أو همّ بالتزويج عليها، فبذلت له مالاً أو بعض حقوقها الواجبة من قسم أو نفقة استمالة له صحّ وحلّ له ذلك، واما لو ترك بعض حقوقها الواجبة أو آذاها بالضرب أو الشتم وغير ذلك فبذلت مالاً ليقوم بما ترك من حقّها أو ليمسك عن اذيتها أو ليطلقها فتخلص من يده حرم عليه ما بذلت، وان لم يكن من قصده إلجاؤها الى البذل على الاقوى.
مسألة 362 : إذا وقع نشوز من الزوجين ومنافرة وشقاق بين الطرفين بعث الحاكم حكمين ـ حكماً من جانب الزوج وآخر من جانب الزوجةـ للاِصلاح ورفع الشقاق بما رأياه صالحاً من الجمع أو الفراق بإذنهما كما يأتي. ويجب عليهما البحث والاِجتهاد في حالهما؛ وفيما هو السبب والعلّة لحصول الشقاق بينهما؛ ثم يسعيان في امرهما فكلما استقر عليه رأيهما وحكما به نفذ على الزوجين ويلزم عليهما الرضا به بشرط كونه سائغاً، كما لو شرطا على الزوج ان يسكن الزوجة في البلد الفلاني أو في مسكن مخصوص أو عند أبويها أو لا يسكن معها في الدار اُمّه أو اُخته ولو في بيت منفرد أو لا تسكن معها ضرّتها في دار واحدة ونحو ذلك، أو شرطا عليها ان تؤجله بالمهر الحالّ الى اجل أو ترد عليه ما قبضته قرضاً ونحو ذلك، بخلاف ما إذا كان غير سائغ كما إذا شرطا عليه ترك بعض حقوق الضرّة من قسم أو نفقة أو غيرهما.
مسألة 363 : إذا اجتمع الحكمان على التفريق ـ بفدية أو بدونها ـ لم ينفذ حكمهما بذلك إلاّ إذا شرطا عليهما حين بعثهما بأنهما ان شاءا جمعا وان شاءا فرّقا، أو استأذناهما في الطلاق وبذل الفدية حين ما يريدان ذلك. وحيث ان التفريق لا يكون إلاّ بالطلاق فلابدّ من وقوعه عند اجتماع الشرائط، بأن يقع في طهر لم يواقعها فيه وعند حضور العدلين وغير ذلك.
مسألة 364 : الاَحوط ان يكون الحكمان من اهل الطرفين، بأن يكون حكم من اهله وحكم من اهلها، فان لم يكن لهما اهل أو لم يكن اهلهما اهلاً لهذا الامر تعين من غيرهم، ولا يعتبر ان يكون من جانب كل منهما حكم واحد، بل لو اقتضت المصلحة بعث ازيد تعين.
مسألة 365 : إذا اختلف الحكمان بعث الحاكم حكمين آخرين حتى يتفقا على شيء.
مسألة 366 : ينبغي للحكمين اخلاص النية وقصد الاِصلاح، فمن حسنت نيته فيما تحرّاه اصلح الله مسعاه، كما يرشد الى ذلك قوله جلّ شأنه في هذا المقام (إن يريدا اصلاحاً يوفق الله بينهما).
التعلیقات