خطبة عقيلة ال محمد السيدة زينب (عليها السلام) في مجلس يزيد في الشام
موقع وارث
منذ 7 سنواتبِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى.
قال الخوارزمي (١): لما أدخل رأس الحسين وحرمه على يزيد بن معاوية وكان رأس الحسين بين يديه في طست جعل ينكت ثناياه بمخصرة في يده ويقول
:
ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل
لأهلوا واستهلوا فرحاً ثم قالوا يا يزيد لا تشل
لست من خندف إن لم أنتقم من بني أحمد ما كان فعل
فقامت زينب بنت علي، وأمها فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقالت:
«الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين. صدق الله تعالى إذ يقول: (ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُون) (٢).
أظننت يا يزيد ـ حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، وأصبحنا نساق كما تساق الأسارى ـ أن بنا هواناً على الله وبك عليه كرامة، وأن ذلك لعِظَم
خَطَرِك (١) عنده، فشمخت بأنفك، ونظرت في عِطفك (٢)، [تضرب أصدريك (٣) فرحاً، وتنفض مذوريك (٤) مرحاً] (٥)، جذلان (٦) مسروراً، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة (٧)، والأمور متسقة (٨)، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا.
فمهلاً مهلاً، أنسيت قول الله تعالى: (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) (٩).
أمن العدل يا ابن الطلقاء (١٠) تخديرك (١١) حرائرك وإمائك، وسوقك بنات رسول الله سبايا، قد هتكت ستورهن، وأبديت وجوههن، يحدى بهن من بلد إلى بلد، ويستشرفهن (١٢) أهل المناهل والمناقل (١٣)، ويتصفح (١٤) وجوههن القريب والبعيد، والدني والشريف. ليس معهن من رجالهن ولي، ولا من حماتهن حمي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) الخطر: رفعة الشأن والمقام.
(٢) عِطف الشيء: جانبه. والنظر في العطف كناية عن الإعجاب بالنفس.
(٣) الأصدران: عرقان يضربان تحت الصدغين. يقال: «جاء يضرب أصدريه» يعني: جاء فارغاً. ولعلها (عليها السلام) أرادت فراغ باله وانكشاف همّه نتيجة ظفره وانتصاره.
(٤) المذوران: طرفا الإليتين. ومنه «جاء ينفض مذوريه» أي: باغياً مهدداً.
(٥) لم ترد هذه الفقرة في مقتل الخوارزمي، وذكرت في مصادر أخرى.
(٦) الجذلان: الفرح.
(٧) استوسق: اجتمع وانقاد. واستوسق الأمر: انتظم.
(٨) اتسق الأمر: انتظم واستوى.
(٩) سورة آل عمران الآية: ١٧٨.
(١٠) الطلقاء: هم الذين عفا عنهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من مشركي قريش بعد فتح مكة، وقال لهم في حديث له معهم: «فاذهبوا فأنتم الطلقاء». ومنهم معاوية أبو يزيد.
(١١) الخِدر بكسر الخاء: ما يفرد للنساء من السكن ويستترن به. وخدّر البنت: ألزمها الخِدر.
(١٢) استشرف الشيء: رفع بصره لينظر إليه باسطاً كفه فوق حاجبه.
(١٣) المناهل: المياه التي على طريق الرحل والمسافرين. والمناقل: الطرق المختصرة، أو الطرق في الجبال.
(١٤) تصفّح القوم: تأمل وجوههم ليتعرف أمرهم.
التعلیقات