المرأة ومسألة الجهاد
موقع المعارف
منذ 10 سنواتان المرأة تستطيع ان تتولى قسماً مهماً من مسألة الجهاد، لأن الجهاد ليس كله تواجداً في الخندق
واطلاق رصاص. فرسم الخريطة وطرق المواصلات تعد من الاقسام المهمة للجهاد، بالإضافة إلى المساعدات التموينية خلف الجبهة وفي الجبهة وهل ان المتواجدين في الجبهة يعملون كلهم عملاً عسكرياً؟ ان قسماً منهم يتولى الأمور المتعلقة برسم الخرائط. والمعلومات الحربية وغيرها، الأمور العسكرية الشاقة والصعبة قالوا بأن لا تتصدى لها المرأة، لا ان تكون محرومة من فيض الجهاد، أو أن لا تدافع إذا كان البلد في حالة دفاع وحرب ومهدداً من قبل الأجانب. ومن لوازم الدفاع التدريب العسكري. طبعاً يجب أن يكون التدريب العسكري للنساء مفصولاً عن الرجال. كما هو التدريب في سائر الفنون ولكن تحت قيادة واحدة ، تقوم بالجهاد في الجبهة وخلف الجبهة. إذن لم تحرم المرأة من أي من هذه الميادين، بل إن المرأة بمستوى الرجل في أكثر المصاعب والامانات وفي كثير من المصائب والمشاكل.
ان القول بأن الحرب والجهاد ليست وظيفة المرأة يتعلق بالجهاد الابتدائي حيث قالوا انه يتعلق بالإمام المعصوم عليه السلام، وبعض فقهائنا رضوان الله عليهم قالوا: إنه لا يختص بالإمام المعصوم. أما إذا أصبحت المرأة قائدة فرقة في الحروب الدفاعية ورد كيد الأجانب فان ذلك ليس جائزاً فقط بل أحياناً يكون واجباً ، لأن الدفاع لا يختص بالمرأة والرجل. أينما كان دفاع فالمرأة مثل الرجل وتتواجد في جميع الميادين الحربية وغير الحربية، لذا يجب أن تتعلم الفنون العسكرية حتى تكون مدافعة حين الدفاع او الشعور بالخطر تكون قائدة فرقة نساء، وتدفع خطر العدو إلى جانب الرجال، وهم منفصلون عن بعضهم على أساس تقسيم العمل.
المرأة والهجرة
الهجرة التي هي حمل ثقيل في الكفاح، واجبة على المرأة والرجل أيضاً، والهجرة تذكر دائماً مع الجهاد إلى جانب بعضهما. وكان في صدر الإسلام مهاجرون ومهاجرات. والآن الهجرة ليست خاصة بالرجل بل هي واجبة على الفئتين.
في الهجرة إلى الحبشة كانت المرأة مع الرجل في السفر، وفي الهجرة إلى المدينة كانت المرأة مثل الرجل، وبعد ان قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا َرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ﴾ 1.
هذه الهجرة للجميع، وفي النتيجة ليس ان كل عمل سهل يكون للمرأة وكل الأعمال الصعبة تكون متعلقة بالرجل، بل ان المرأة والرجل متساويان في بعض الأعمال الشاقة مثل الهجرة والدفاع، لأن الحمل الأساس تحمله إنسانية الإنسان، وفي الإنسانية ليس هناك فرق بين المرأة والرجل.
التعيين في الأعمال التنفيذية والعبادات
هناك شبهة في بعض الأذهان وهي ان تقسيم الأعمال التنفيذية يمنع حصول النساء على الفضائل، هذه الشبهة هي من أثر عدم الالتفات إلى نظام الفضيلة في الإسلام، ان نظام الفضيلة في الإسلام يغاير معايير المدارس الأخرى. فنحن لدينا تعبد، وهذا التعبد هو عامل تقربنا. يجب أن نعبد الله وكل من كان أكثر تعبداً فهو أقرب. ولكن عبادة الله في أي شيء؟ هل العبادة في ان نعمل وفق آرائنا واقتراحاتنا أو نسلك طبقاً لأمر الله؟.
إذا كان شخص يطمح في التكامل والفضيلة، فان معيار التكامل والفضيلة يجب ان يضمنه الوحي الإلهي، والوحي الإلهي قسّم ووزع البرامج. ان المرأة لا تستطيع ان تقول أبداً: نظراً لأنني محرومة من بعض وظائف الرجل، فانني محرومة من فضائل تلك الوظائف. لأن هناك ثواباً لكل عمل تنفيذي ويعطي كل شخص ثواباً بمقدار الاخلاص، إذا كانت الأعمال التنفيذية مشخصة للرجل والثواب معيناً فكذلك الأعمال التنفيذية والثواب مشخصة للمرأة، فمع أنها حرمت من الصلاة على أساس (دع الصلاة أيام أقرائك)، لكنها تستطيع ان تحصل على ثواب الصلاة بأن تتوضأ وتجلس في مصلاها باتجاه القبلة وتذكر بمقدار الصلاة. ولا يمكن القول: ثواب هذا العمل أقل، أو أن القيام به صعب . الطريق مفتوح وإذا لم يرد الشخص ان يجاهد فهذا على عاتقه، ولو كان في هذا المقدار حرج لما أمر به الدين. بعض الأوامر يقوم الدين بتبديلها إلى أمر آخر بشكل مؤقت للسهولة، مثلاً يقول للمسافر أن يصلي بدل أربعة ركعات ركعتين، ولكن لتعويض ثواب تينك الركعتين الناقصتين يقول له ان يأتي بالتسبيحات الأربع ثلاثين أو أربعين مرة بعد الصلاة. هذه طريقة ترميم، وفي مجال المراة هكذا أيضاً ولا يمكن القول إن هذا حرج، وإذا كان الوضوء حرجاً لها أو صعباً يتبدل الوضوء ليس إلى تيمم كما في الحال العادي، هنا يتبدل الوضوء إلى تيمم، والوضوء ليس رافع حدث في المسألة، بل هو من أجل أن يكون للإنسان هذا التأدب ، ويستطيع ان يستفيد بصورة أصح من ذلك الذكر. بناء على هذا فان القرآن ما لم يفتح طريقاً، لا يسد طريقاً.
سؤال ممثلة النساء للنبي
هذه الشبهة طرحت في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأجاب عليها بجملة قصيرة، وهذا السؤال والجواب ذكره الأستاذ العلامة الطاطبائي رضوان الله عليه في تفسير الميزان نقلاً عن كتاب (الدر المنثور في التفسير بالمأثور) خلال (البحث الروائي) لبعض آيات سورة النساء 2.
يتبين أن هذا النوع من الأسئلة والاشكالات كان مطروحاً في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
روي عن البيهقي في الدر المنثور ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان ذات يوم جالساً بين أصحابه فجاءت اسماء بنت يزيد الانصارية وقالت: بأبي أنت وأمي اني وافدة النساء إليك واعلم نفسي لك الفداء انه ما من امرأة كائنة في شرق ولا غرب سمعت بمخرجي هذا إلا وهي على مثل رأي. أن الله بعثك بالحق إلى الرجال والنساء. فآمنا بك وبالهك الذي ارسلك، وانا معشر النساء محصورات مقسورات، قواعد بيوتكم ومقضى شهواتكم. وحاملات أولادكم، وانكم معاشر الرجال فضلتم علينا بالجمعة والجماعات، وعيادة المرضى، وشهود الجنائز، والحج بعد الحج. وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وان الرجل منكم إذا خرج حاجاً أو معتمراً أو مرابطاً حفظنا لكم أموالكم. وغزلنا لكم أثوابكم، وربينا لكم أموالكم. فما نشارككم في الأجر يا رسول الله؟ فالتفت النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أصحابه بوجهه كله، ثم قال: هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مساءلتها في أمر دينها من هذه؟ فقالوا: يا رسول الله، ما ظننا ان امرأة تهتدي إلى مثل هذا فالتفت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال لها: انصرفي أيتها المرأة واعلمي من خلفك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها. وطلبها مرضاته واتباعها موافقته يعدل ذلك كله، فأدبرت المرأة وهي تهلل وتكبر استبشاراً.
رؤيا آمنة (عليها الرحمة) أم النبي صلى الله عليه وآله وسلم: روي ان هذه المرأة نظرت إلى طفلها محمد صلى الله عليه وآله وسلم أيام مرضها وقالت: إن تلك الرؤيا التي رأيتها في عالم النوم إذا هي حق فأنت تبعث إلى الأنام. "فأنت مبعوث إلى الأنام ...* ... تبعث في الحل وفي الحرام تبعث بالتوحيد والإسلام ...* ... دين أبيك البر أبراهام" 3 نظمت شعراً في حالة المرض وقرأته على طفلها الصغير ، ورحلت .
وآمنة هذه استطاعت ان تربي هذا النبي، لأنه رغم ان آمنة كانت تعيش في جو الجاهلية ولكن كان لديها نهج إبراهيمي. مثل هذه المرأة تربي مرجعاً. مفسراً، حكيماً، عارفاً، فقيهاً، أديباً هذه المرأة تستطيع ان تربي مجاهداً وأخيراً هذه المرأة تستطيع ان تربي ولي المسلمين وقائد المسلمين.
ان ما قاله إمام الأمة رضوان الله تعالى عليه: "من حضن المرأة، يذهب الرجل إلى المعراج " 4 هي حقيقة أخذت من الروايات، يجب ان لا يتخيل شخص ان المرأة محرومة من فضيلة لأنها لا تذهب إلى الجبهة، تستطيع المرأة بحسن التعامل، بالإدارة الصحيحة لشؤون المنزل، بالقناعة، بالتربية الرقيقة للأبناء، بالسلوك المؤدب، وحفظ العفاف واللباس أمام الأولاد، وتربية أولاد نجباء ومئات الوظائف المطروحة في إدارة المنزل، ان تجبر نقص تلك الفضائل، حيث ان هذه تعادل جميع الفضائل التي وردت للرجال.
1- الممتحنة: 10.
2- تفسير الميزان، ج 4، ص 37.
3- الدر المنثور، ص 1 ـ 17.
4- صحيفة النور، ج، ص 194.
التعلیقات