قلت إني إمرأة: هل يحضرن النساء في مسيرة الأربعين؟
شيخ مهدي المجاهد
منذ 7 سنوات
مما لا ريب فيه إن المولى جعل للإنسان طرق ووسائل حتى يرتقي بواسطتها إلى مراتب الكمال المطلوبة، ومن هذه الوسائل زيارة الإمام الحسين عليه السلام المقتضية للوصول إلى الكمال الذي حثه المولى، وأكدت عليها الروايات الشريفة من قبل
المعصومين صلوات الله عليهم في هذا المقام، حتى إنّ بعض الروايات أوجبت الزيارة على الرجال والنساء، أي: على كل من يقر له بالأمامة، قال الإمام الصادق عليه السلام: (زيارة الحسين عليه السلام واجبة على كل مَن يُـقـرّ للحسين بالإمامة من الله عز وجلّ).(1)
وبما أن دين الإسلام دين المساوة والعدالة لم يفرّق بين المرأة والرجل في هذه القضية التي لها من الفضل العظيم بحيث لا يحصيها إلا الباري نفسه، بل حتى وردت روايات تشير إلى ذهاب النساء لزيارة الأئمة المعصومين عليهم أفضل الصلاة والسلام؛ وعليه فإن علماء الطائفة أفردوا في كتبهم لهذه المسئلة أبواب، منهم: صاحب كتاب (كامل الزّيارات) ابن قولويه القمي(2) وصاحب كتاب (وسائل الشيعة) الحر العاملي،(3) وقد أجاد صاحب كتاب (نور العين في المشي لزيارة الحسين) آية الله محمد حسين الاصطهباناتی، حين جمع الروايات المتعلقة بالمشي لزيارة الإمام وبوبها تبويباً رائعاً، والمطلع على تلك الروايات يجد الإطلاق والعموم واضحاً تجاه مطلق المكلفين رجالاً ونساءً، بل شامل حتى لغير المكلفين؛ وبذلك يكون الاستحباب منصباً على الرجال والنساء على حد سواء، بل إن في بعض الروايات تصريحاً واضحاً لزيارة النساء، وأنها من باب إسعاد فاطمة عليها السلام.
عن زرارة عن أحدهما عليه السلام(4) أنه قال: «يا زرارة، ما في الأرض مؤمنة إلا وقد وجب عليها أن تُسعِد فاطمة عليها السلام في زيارة الحسين عليه السلام».(5)
ومن يتابع الكتب التاريخية يجد أن الشعوب تتمسك بمراسيم خاصة في أحياء أمر مهم لديهم، وهذا يعود إلى فطرتهم السليمة في تعظيم وتفخيم كبارهم، وقد يكون هذا التعظيم لأجل الشخص نفسه ومحبته لدى القوم أو لطريق أو معتقد خاص أوصله إلى هذا المقام لدى شعبه، فيخلّدون ذكره، ويعظّمون مقامه.
ولعلَّ تخليد ذكرى الإمام الحسين عليه السلام ونهضته كان أرحب وأوسع أنواع التخليد كمّاً وكيفاً؛ إذ كانت طقوس وشعائر الإمام الحسين عليه السلام هي الأكثر وضوحاً وتطبيقاً بين إقامة الشعائر عند المسلمين، والأكبر تأثيراً في النفوس والعقول، حتى أصبحت شعائره تُمارَس في أرجاء المعمورة وفي بلدان العالم كافة.
ومن جملة شعائره المناهظة للتمييز والاضطهاد هي زيارة الأربعين مشياً على الأقدام رجالاً ونساءاً، شباباً وكهولاً، رضعاً وأطفالاً.
وهنا نشير إلى بعض الروايات التي وردت على استحباب زيارة الإمام الحسين (ع) سواء الرجال والنساء، والحث الموجه على كليهما.
ومن هذه الرواية هناك رواية تداولتها كتب الحديث، وهي خير شاهد على استحباب ذهاب النساء لزيارة سيد الشهداء صلوات الله عليه.
وقد ورد عن أم سعيد الأحمسية قالت: جئت إلى أبي عبد الله عليه السلام فدخلت عليه فجاءت الجارية فقالت: قد جئتك بالدابة.
فقال: يا أم سعيد أي شئ هذه الدابة، أين تبغين تذهبين؟
قالت: أزور قبور الشهداء، فقال: ما أعجبكم يا أهل العراق، تأتون الشهداء من سفر بعيد، وتتركون سيد الشهداء لا تأتونه؟!
قالت: قلت له: من سيد الشهداء؟
قال: الحسين بن علي، قلت إني امرأة.
فقال: لا بأس لمن كان مثلك أن تذهب إليه وتزوره، قالت: قلت: أي شئ لنا في زيارته؟
قال: تعدل حجة وعمرة واعتكاف شهرين في المسجد الحرام وصيامهما وخير منها.
قالت: وبسط يده، وضمها ثلاث مرات.(6)
هكذا تعاملوا الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم مع شيعتهم ومحبيهم في حثهم على زيارة سيد الشهداء صلوات الله عليه خاصة النساء، وذلك في هذه الرواية التي مرت علينا وهي واضحة الدلالة كوضوح الشمس في الرابعة من النهار، حيث تقول للإمام عليه السلام: (إني امرأة) فيجيبها بكل وضوح وصراحة: لا بأس، كما أن هناك روايات تدل على وجوب الزيارة أيضاً، منها:
عن اُمّ سعيد الاُحْمَسِيّة، عن أبي عبدالله عليهالسلام «قالت قال لي يا اُمّ سعيد تزورين قبر الحسين؟ قالت قلت نَعَم، فقال لي زوريه؛ فإنَّ زيارة قبر الحسين واجبة على الرّجال والنّساء».(7)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ الإرشاد للمفيد، ج 2،ص 133.
2ـ كامل الزّيارت: ابن قولويه القمي، ص 131، الباب الثّالث والأربعون إنّ زيارة الحسين عليه السلام فرض وعهد لازم له (ولجميع الأئمّة عليهم السلام على كلّ مؤمن ومؤمنة).
3ـ وسائل الشيعة: للحر العاملي، ج14 ص 435، باب أستحباب زيارة النساء الحسين عليه السلام وسائر الأئمة عليهم السلام ولو من سفر بعيد.
4ـ عندما يقال: عن أحدهما، يُراد به إما الإمام الباقر أو الصادق عليهما السلام، وهذا التعبير وارد كثيراً في الكتب الروائية، مستعمل لأغراض يريدها أصحاب الأئمة عليهم السلام.
5ـ مستدرك الوسائل: محدّث النوري، ج١٠، ص ٢٥٩.
6ـ وسائل الشيعة: للحر العاملي، ج 14، ص 437.
7ـ كامل الزّيارت: لابن قولويه القمي، ص 132.
التعلیقات