شهادة زيد بن علي بن الحسين عليهم السلام
الشيخ مهدي المجاهد
منذ سنتينمدة القرائة: 5 دقائق
كانَ زيدُ بنُ عليِّ بن الحسينِ عينَ إِخوتهِ بعدَ أَبي جعفرٍ عليه السلام وأفضلَهم، وكانَ عابداً وَرِعاً فقيهاً سخيّاً شجاعاً، وظهرَ بالسّيفِ يَأْمرُ بالمعروفِ، وينهي عنِ المنكرِ، ويَطالبُ بثاراتِ الحسينِ عليه السلام.
واعتقدَ فيه كثيرٌ منَ الشِّيعةِ الإمامةَ، وكانَ سببُ اعتقادِهم ذلكَ فيه خروجَه بالسّيفِ يدعو إلى الرِّضا من آلِ محمّدٍ، فظنُّوه يرُيدُ بذلكَ نفسَه، ولم يكن يُريدُها به لمعرفتِه عليه السلام باستحقاقِ أَخيه للإمامةِ من قبلِه، ووصيّتهِ عندَ وفاتِه إلى أَبي عبدِ اللهِ عليه السلام.(1)
شهادة زيد بن عليّ عليه السلام
قال المقريزي وغيره من المؤرخين: لمّا هلك يزيد بن عبد الملك، تولّى الحكم أخوه هشام، فبدأ بالجور والعدوان على أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم، فكتب إلى عمّاله بالتضييق عليهم وسجنهم والفتك بهم، وأمر عامله على الكوفة يوسف بن عمر الثقفي، أن يهدم دار الكميت شاعر أهل البيت عليهم السلام وأن يقطع لسانه؛ لأنّه مدح آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم!!
وكتب إلى عامله على المدينة خالد بن عبد الملك بن الحارث: أن يحبس بني هاشم فيها، ويمنعهم من السفر! فنفّذ خالد أمر هشام، وضيّق على الهاشميّين، وأسمع زيد بن الإمام زين العابدين عليهالسلام ما يكره، فخرج زيد إلى الشام؛ ليشكوا خالدا إلى هشام، فأبى هشام أن يأذن له، فأرسل إليه زيد رسالة يطلب الإذن بها له، فكتب هشام في أسفلها:
ارجع إلى أرضك، فقال زيد: والله لا أرجع. وأخيرا أذن له هشام وأمر خادما أن يتبعه، ويحصي ما يقول. فسمعه يقول: والله ما أحبّ الدنيا أحد إلاّ ذلّ.
وأمر هشام جلساءه أن يتضايقوا في المجلس حتّى لا يقرب منه.
فلمّا دخل زيد لم يجد موضعا يجلس فيه، فعلم أنّ ذلك قد فعل عمدا، واستقبله هشام بالشتم والسباب، بدل التكريم والترحاب!
وفي المقابل لم يسكت زيد عن الجواب، وإنّما أسمع هشاما ما لم يحبّ أن يسمع، فلم يتحمّل هشام وأمر بطرده، دون أن يسمع شكواه، فأخذ الغلمان بيده ليخرجوه، فأنشد زيد:
شرّده الخوف وأزرى به
كذاك من يكره حرّ الجلاد
قد كان في الموت له راحة
والموت حتم في رقاب العباد
فخرج من مجلس هشام وتوجّه إلى الكوفة، فحدّث الناس بظلم الخليفة وعمّاله، فبايعه خلق كثير فيهم الأشراف والعلماء؛ لأنّهم وجدوه أهلا للقيادة، فهو سيّد هاشمي، وفقيه تقيّ، وشجاع باسل.
ولمّا رأى أعوانا، نهض ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويدفع الظلم والضيم عن نفسه وعن المؤمنين، فدارت المعركة بينه وبين يوسف الثقفي والي الكوفة وجيشه الجرّار. ولكن أصحاب زيد تركوا زيدا وحده قبل أن يخوض الحرب ويدخل في غمراتها، ولم يبق معه إلاّ نفر قليل!! ورغم ذلك فقد دخل زيد الحرب، وجاهد بشجاعة وبسالة هاشمية، وهو يرتجز:
أذلّ الحياة وعزّ الممات
وكلا أراه طعاما وبيلا
فإن كان لا بدّ من واحد
فسيري إلى الموت سيرا جميلا
فبينما هو يجاهد في سبيل الله، ويحارب الأعداء، إذ وقع سهم في جبهته، فلمّا انتزعوه سقط شهيدا. فحمله ابنه يحيى بإعانة عدّة من أنصاره، ودفنه في ساقية وردمها وأجرى عليها الماء؛ لكي لا يعلم أحد مدفنه، ولكن تسرّب الخبر إلى يوسف ابن عمر، فأمر بنبش القبر وإخراج الجسد الطاهر، ثمّ أمر بقطع رأسه الشريف، فقطع وبعث به إلى الشام، فلمّا وصل الرأس الشريف إلى الشام كتب هشام إلى واليه على الكوفة: أن مثّل ببدنه، وأصلبه في كناسة الكوفة.
ففعل والي الكوفة يوسف بن عمر ذلك، وصلبه في ساحة من ساحات الكوفة حقدا وعدوانا، وراح الشاعر الأموي يفتخر بهذه الجريمة البشعة، ويقول في قصيدة جاء فيها:
صلبنا لكم زيدا على جذع نخلة
ولم أر مهديّا على الجذع يصلب!
فبقي أكثر من أربع سنين مصلوبا، حتّى هلك هشام وتولّى بعده الوليد بن يزيد، فكتب إلى عامله بالكوفة: أحرق زيدا بخشبته، وأذر رماده.
ففعل، وأذرى رماده على شاطئ الفرات!.(2)
ولمّا قُتِلَ بَلغَ ذلك من أبي عبدِ اللهِ عليه السلام كل مبلغ، وحزنَ له حزناً عظيماً حتّى بانَ عليه، وفرّقَ من مالِه على عيالِ مَنْ أُصيبَ معَه من أَصحابِهِ أَلفَ دينارٍ. روى ذلكَ أَبو خالدٍ الواسطيُّ قالَ: سلّمَ إِليَّ أَبو عبد ِاللهِّ عليه السلام أَلفَ دينار، وأَمرَني أَن أُقسِّمَها في عيالِ مَنْ أُصيبَ معَ زيدٍ، فأَصابَ عيال عبدِ اللهِ بنِ الزُّبيرِ أَخي فضُيَلٍ الرّسّانِ منها أَربعة دنانير.
وكانَ مقتلُه يومَ الأثنينِ لليلتينِ خَلَتا من صفرٍ سنةَ عشرينَ ومائةٍ، وكانتْ سنُّه يومئذٍ اثْنتينِ وأَربعينَ سنةً.(3)
الإمام الصادق عليه السلام يوثّق زيد
وروى الكليني عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن صفوان بن يحيى، عن عيص بن القاسم، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام »يقول: عليكم بتقوى الله وحده لا شريك له .. فَانْظُرُوا عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تَخْرُجُونَ ولَا تَقُولُوا خَرَجَ زَيْدٌ فَإِنَّ زَيْداً كَانَ عَالِماً وكَانَ صَدُوقاً ولَمْ يَدْعُكُمْ إلى نَفْسِهِ إِنَّمَا دَعَاكُمْ إلى الرِّضَا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله ولَوْ ظَهَرَ لَوَفَى بِمَا دَعَاكُمْ إِلَيْهِ ... ».(4)
زيد يعترف بإمامة الإمام الصادق عليه السلام
عن عمار الساباطي، قال: كان سليمان بن خالد خرج مع زيد بن علي حين خرج. قال: فقال له رجل ونحن وقوف في ناحية وزيد، واقف في ناحية: ما تقول في زيد هو خير أم جعفر؟! قال سليمان: قلت والله ليوم من جعفر خير من زيد أيام الدنيا، قال: فحرك دابته وأتى زيدا، وقص عليه القصة، فمضيت نحوه، فانتهيت إلى زيد، وهو يقول: »جَعْفَرٌ إِمَامُنَا فِي الْحَلَالِ والْحَرَامِ.».(5)
واعتقدَ فيه كثيرٌ منَ الشِّيعةِ الإمامةَ، وكانَ سببُ اعتقادِهم ذلكَ فيه خروجَه بالسّيفِ يدعو إلى الرِّضا من آلِ محمّدٍ، فظنُّوه يرُيدُ بذلكَ نفسَه، ولم يكن يُريدُها به لمعرفتِه عليه السلام باستحقاقِ أَخيه للإمامةِ من قبلِه، ووصيّتهِ عندَ وفاتِه إلى أَبي عبدِ اللهِ عليه السلام.(1)
شهادة زيد بن عليّ عليه السلام
قال المقريزي وغيره من المؤرخين: لمّا هلك يزيد بن عبد الملك، تولّى الحكم أخوه هشام، فبدأ بالجور والعدوان على أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم، فكتب إلى عمّاله بالتضييق عليهم وسجنهم والفتك بهم، وأمر عامله على الكوفة يوسف بن عمر الثقفي، أن يهدم دار الكميت شاعر أهل البيت عليهم السلام وأن يقطع لسانه؛ لأنّه مدح آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم!!
وكتب إلى عامله على المدينة خالد بن عبد الملك بن الحارث: أن يحبس بني هاشم فيها، ويمنعهم من السفر! فنفّذ خالد أمر هشام، وضيّق على الهاشميّين، وأسمع زيد بن الإمام زين العابدين عليهالسلام ما يكره، فخرج زيد إلى الشام؛ ليشكوا خالدا إلى هشام، فأبى هشام أن يأذن له، فأرسل إليه زيد رسالة يطلب الإذن بها له، فكتب هشام في أسفلها:
ارجع إلى أرضك، فقال زيد: والله لا أرجع. وأخيرا أذن له هشام وأمر خادما أن يتبعه، ويحصي ما يقول. فسمعه يقول: والله ما أحبّ الدنيا أحد إلاّ ذلّ.
وأمر هشام جلساءه أن يتضايقوا في المجلس حتّى لا يقرب منه.
فلمّا دخل زيد لم يجد موضعا يجلس فيه، فعلم أنّ ذلك قد فعل عمدا، واستقبله هشام بالشتم والسباب، بدل التكريم والترحاب!
وفي المقابل لم يسكت زيد عن الجواب، وإنّما أسمع هشاما ما لم يحبّ أن يسمع، فلم يتحمّل هشام وأمر بطرده، دون أن يسمع شكواه، فأخذ الغلمان بيده ليخرجوه، فأنشد زيد:
شرّده الخوف وأزرى به
كذاك من يكره حرّ الجلاد
قد كان في الموت له راحة
والموت حتم في رقاب العباد
فخرج من مجلس هشام وتوجّه إلى الكوفة، فحدّث الناس بظلم الخليفة وعمّاله، فبايعه خلق كثير فيهم الأشراف والعلماء؛ لأنّهم وجدوه أهلا للقيادة، فهو سيّد هاشمي، وفقيه تقيّ، وشجاع باسل.
ولمّا رأى أعوانا، نهض ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويدفع الظلم والضيم عن نفسه وعن المؤمنين، فدارت المعركة بينه وبين يوسف الثقفي والي الكوفة وجيشه الجرّار. ولكن أصحاب زيد تركوا زيدا وحده قبل أن يخوض الحرب ويدخل في غمراتها، ولم يبق معه إلاّ نفر قليل!! ورغم ذلك فقد دخل زيد الحرب، وجاهد بشجاعة وبسالة هاشمية، وهو يرتجز:
أذلّ الحياة وعزّ الممات
وكلا أراه طعاما وبيلا
فإن كان لا بدّ من واحد
فسيري إلى الموت سيرا جميلا
فبينما هو يجاهد في سبيل الله، ويحارب الأعداء، إذ وقع سهم في جبهته، فلمّا انتزعوه سقط شهيدا. فحمله ابنه يحيى بإعانة عدّة من أنصاره، ودفنه في ساقية وردمها وأجرى عليها الماء؛ لكي لا يعلم أحد مدفنه، ولكن تسرّب الخبر إلى يوسف ابن عمر، فأمر بنبش القبر وإخراج الجسد الطاهر، ثمّ أمر بقطع رأسه الشريف، فقطع وبعث به إلى الشام، فلمّا وصل الرأس الشريف إلى الشام كتب هشام إلى واليه على الكوفة: أن مثّل ببدنه، وأصلبه في كناسة الكوفة.
ففعل والي الكوفة يوسف بن عمر ذلك، وصلبه في ساحة من ساحات الكوفة حقدا وعدوانا، وراح الشاعر الأموي يفتخر بهذه الجريمة البشعة، ويقول في قصيدة جاء فيها:
صلبنا لكم زيدا على جذع نخلة
ولم أر مهديّا على الجذع يصلب!
فبقي أكثر من أربع سنين مصلوبا، حتّى هلك هشام وتولّى بعده الوليد بن يزيد، فكتب إلى عامله بالكوفة: أحرق زيدا بخشبته، وأذر رماده.
ففعل، وأذرى رماده على شاطئ الفرات!.(2)
ولمّا قُتِلَ بَلغَ ذلك من أبي عبدِ اللهِ عليه السلام كل مبلغ، وحزنَ له حزناً عظيماً حتّى بانَ عليه، وفرّقَ من مالِه على عيالِ مَنْ أُصيبَ معَه من أَصحابِهِ أَلفَ دينارٍ. روى ذلكَ أَبو خالدٍ الواسطيُّ قالَ: سلّمَ إِليَّ أَبو عبد ِاللهِّ عليه السلام أَلفَ دينار، وأَمرَني أَن أُقسِّمَها في عيالِ مَنْ أُصيبَ معَ زيدٍ، فأَصابَ عيال عبدِ اللهِ بنِ الزُّبيرِ أَخي فضُيَلٍ الرّسّانِ منها أَربعة دنانير.
وكانَ مقتلُه يومَ الأثنينِ لليلتينِ خَلَتا من صفرٍ سنةَ عشرينَ ومائةٍ، وكانتْ سنُّه يومئذٍ اثْنتينِ وأَربعينَ سنةً.(3)
الإمام الصادق عليه السلام يوثّق زيد
وروى الكليني عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن صفوان بن يحيى، عن عيص بن القاسم، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام »يقول: عليكم بتقوى الله وحده لا شريك له .. فَانْظُرُوا عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تَخْرُجُونَ ولَا تَقُولُوا خَرَجَ زَيْدٌ فَإِنَّ زَيْداً كَانَ عَالِماً وكَانَ صَدُوقاً ولَمْ يَدْعُكُمْ إلى نَفْسِهِ إِنَّمَا دَعَاكُمْ إلى الرِّضَا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله ولَوْ ظَهَرَ لَوَفَى بِمَا دَعَاكُمْ إِلَيْهِ ... ».(4)
زيد يعترف بإمامة الإمام الصادق عليه السلام
عن عمار الساباطي، قال: كان سليمان بن خالد خرج مع زيد بن علي حين خرج. قال: فقال له رجل ونحن وقوف في ناحية وزيد، واقف في ناحية: ما تقول في زيد هو خير أم جعفر؟! قال سليمان: قلت والله ليوم من جعفر خير من زيد أيام الدنيا، قال: فحرك دابته وأتى زيدا، وقص عليه القصة، فمضيت نحوه، فانتهيت إلى زيد، وهو يقول: »جَعْفَرٌ إِمَامُنَا فِي الْحَلَالِ والْحَرَامِ.».(5)
1ـ الإرشاد / الشيخ المفيد / المجلّد: 2 / الصفحة:171 ـ 172.
2ـ ليالي بيشاور / سلطان الواعظین السيد محمد الشيرازي / المجلّد: 1 / الصفحة: 63.
3ـ الإرشاد / الشيخ المفيد / المجلّد: 2 / الصفحة: 173 ـ 174.
4ـ الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد: 8 / الصفحة: 264 / ط الاسلامية.
5ـ إختيار معرفة الرجال المعروف بـ رجال الكشي / الشيخ الطوسي / المجلّد: 1 / الصفحة: 361.
التعلیقات