الجانب الروحي بين الزوجين وعناية الإسلام به
موقع وارث
منذ 7 سنواتيضع الإسلام في طليعة اهتمامه مسألة توثيق العلاقة الروحية بين الزوجين قبل وبعد عقد قرانهما، حتى يصمدا في وجه رياح المصاعب والمصائب التي يمكن أن تعصف بعش الزوجية.
فليس خافياً بأن توثيق العلاقة مع الخالق تنعكس آثاره النافعة على المخلوق، والملاحظ أن الإسلام يتبع خطة ثلاثية الأركان من أجل الارتقاء الروحي بالزوجين، يمكننا الإشارة إليها بالنقاط التالية :
أولاً : المواظبة على الطاعات :
الطاعة تتحقق ـ واقعاً ـ من خلال تطبيق المنهج الرباني المعد سلفاً من أجل الارتقاء الروحي بالإنسان المسلم ، وتأتي (الصلاة) في طليعة تلك الطاعات ، فهي تربط الإنسان بربّه في أوقات متعاقبة ومنتظمة ، فستمد من خلالها شحنات روحية عالية ، الأمر الذي ينعكس ـ إيجابياً ـ على سلوكه وتعامله مع عائلته ، لا سيّما وأن الصلاة تقوم بدور الرّدع للإنسان المسلم عن الفحشاء والمنكر، قال تعالى مخاطباً الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ}[العنكبوت:45]ولذلك نجد أن الرسل والأنبياء، أمرون أهلهم بالمحافظة على الصلاة ، ومن أبرز الشواهد على ذلك ما حكاه القرآن عن سلوك إسماعيل (عليه السلام) السوّي، وكيف كان يأمر أهله بالطاعات ، قال تعالى:{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا}[مريم:54،55] كما نجد في القرآن خطاباً موجّهاً للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن يأمر أهله بالصلاة ويصطبر عليها، والملفت للنظر هنا أن هذا الخطاب قد ورد بعد النهي عن النظر إلى نساء الآخرين ، الأمر الذي يعني أن الطاعات وخاصة الصلاة ، تُحصن الإنسان وأهله من المفاسد الاجتماعية. تدبّر جيداً في هذا المقطع القرآني الزاخر بالمعاني :{وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى * وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:131،132] فمن الضرورة بمكان أن يحث ويشجع كل من الزوجين أحدهما الآخر على المحافظة على الصلاة التي تقربهما إلى الله تعالى وتبعدهما عن الفحشاء والمنكر ، خصوصاً وأن هذا الحثّ والتشجيع المتبادل يستتبع الثواب الجزيل ، قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (رحم الله رجلاً قام من الليل فصلّى وأيقظ امرأته فصلّت، فإن أبت نضح في وجهها الماء، رحم الله امرأةً قامت من الليل فصلّت وأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء)(1).
وفي هذا الاطار لابدّ من إلفات النظر إلى أن الإسلام قد ربط بين قبول الصلاة وكمالها ، وبين العلاقة الزوجية وطبيعتها، ويكفي شاهداً على ذلك ما ورد في وصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للإمام علي (عليه السلام): (.. يا علي ثمانية لا يقبل منهم الصلاة .. والناشزة وزوجها عليها ساخط ..)(2).
من جانب آخر يعتبر الصيام أحد الطاعات التي تفرز معطيات روحية واجتماعية أبرزها التقوى وابتلاء اخلاص الخلق ، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة: 183] وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (فرض الله الإيمان تطهيراً من الشرك، والصلاة تنزيهاً عن الكبر، والزكاة تسبيباً للرزق، والصيام ابتلاءً لإخلاص الخلق ..)(3). ولاشكّ بأن الإخلاص للخالق يستتبع إخلاصاً في التعامل مع المخلوقين وخاصة مع الأهل أو الزوج.
ثم إنَّ الصيام يكتسب قبوله وكماله من الالتزام السلوكي العالي للفرد المسلم مع الآخرين ، عن فاطمة الزهراء (عليها السلام) أنها قالت: (ما يصنع الصائم بصيامه إذا لم يغضّ لسانه وسمعه وبصره وجوارحه)(4). فهو يقوم بعملية ضبط واعية لجوارح الفرد ويردعه عن الإساءة للآخرين، كما يساهم في خلق حالة من السكينة والاطمئنان في نفسه ، قال الإمام الباقر (عليه السلام) : (والصيام والحجّ تسكين للقلوب)(5).
ثانياً : ممارسة المندوبات :
وتأتي في المرحلة التالية بعد أداء الواجبات ، فتساهم في رفع إيمان الزوجين إلى آفاق عالية ، وتحيط حياتهما الزوجية بهالة من الروحانية ، وقبل كل ذلك تقربهما إلى الله زلفى ، قال الإمام الكاظم (عليه السلام) : (صلاة النَّوافل قُربان إلى الله لكلِّ مؤمن)(6).
ويأتي ذكر الله تعالى في طليعة المندوبات ، إذ يعمل على زرع الطمأنينة في القلوب ، وقشع غيوم المخاوف التي تزخر بها الحياة ، قال تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}[الرعد:28] ثم إنَّ ذكر الله لا تقتصر آثاره النافعة على الناحية الروحية ، بل يشتمل الجوانب السلوكية أيضاً ، فلا شكّ أنّها تنعكس على العائلة ، وتحقق الحياة الطيبة والسعيدة لأفرادها ، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (من عمّر قلبه بدوام الذكر حسنت أفعاله في السر والجهر)(7) ، وقال أيضاً : (اذكروا الله ذكراً خالصاً ، تحيوا به أفضل الحياة، وتسلكوا به طرق النجاة)(8).
وما يعزز ذلك نجد أن بيوت الأنبياء وأهل البيت عليهم السلام خاصة تخيم عليها السعادة والسكينة والاحترام المتبادل، وذلك نتيجة لمواظبتهم على الطاعات وكثرة ذكرهم لله سبحانه.
ذكر صاحب مجمع البيان في معرض تفسيره لقوله تعالى:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ}[النور:36] (أنّه سُئل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما قرأ الآية ، أيّ بيوتٍ هذه؟ فقال: (هي بيوت الأنبياء) فقام أبوبكر فقال: يا رسول الله ، هذا البيت منها؟ يعني بيت علي وفاطمة (عليهما السلام) ، قال (نعم ، من أفضلها). ويعضد هذا القول قوله تعالى:{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب:33] ،وقوله:{رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ}[هود: 73]) (9).
من جهة ثانية نجد أن البيوت التي تبتعد عن جادّة الإيمان وطاعة الله تعالى وتُعرض عن ذكره ، تكون عرضة للمشاكل والمشاجرات بين الزوجين ، وينفرط فيما بينها عقد المحبة والاُلفة ، كما أخبر تعالى:{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا}[طه: 124] وينبغي الاشارة هنا إلى أن صلاة اللّيل هي من المندوبات التي تساهم في رفع المؤشر الروحي للزوجين ، وتدخلهما في عداد الذاكرين ؛ لذلك قال الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): (من استيقظ من الليل وأيقظ امرأته فصلّيا ركعتين جميعاً ، كُتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات)(10).
أضف إلى ذلك أن الصوم المندوب يُطهر القلب والصدر من الوساوس والشكوك والنوايا السيئة التي قد تعكّر صفو الحياة الزوجية ، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ( .. صوم ثلاثة أيام من كلِّ شهر ، أربعاء بين خميسين وصوم شعبان ، يذهب بوساوس الصدر وبلابل القلب)(11).
ثالثاً : اجتناب المعاصي والآثام :
ذلك لأنّ المعاصي والذنوب تسبب قساوة القلوب ، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (ما جفّت الدموع إلاّ لقسوة القلوب ، وما قست القلوب إلاّ لكثرة الذنوب) (12).
ولاشكّ أنّ صاحب القلب القاسي يكون عديم الاحساس وضعيف العاطفة تجاه العائلة ، ويتعامل معهم في منتهى القسوة، ثم إن الذنوب تجلب البلاء وتنقص الرزق، قال الإمام علي (عليه السلام) محذّراً: (.. توقّوا الذنوب فما من بليّة ولا نقص رزق إلاّ بذنب حتى الخدش والكبوة والمصيبة) (13).
وهناك صنف من الذنوب تنعكس آثارها السلبية مباشرة على الاُسرة كشرب الخمر والزنا وقطيعة الرحم وعقوق الوالدين ، وقد جاءت الاشارة إلى الآثار الضارة لكلٍّ منها في الذكر الحكيم والحديث الشريف ، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (الذنوب التي تغير النِّعم البغي ... والتي تهتك الستر شرب الخمر والتي تحبس الرزق الزنا ، والتي تعجل الفناء قطيعة الرحم ، والتي تردُّ الدعاء وتُظلم الهواء عقوق الوالدين) (14).
_____________
1ـ سنن أبي داود 2 : 70 / 1450 باب الحث على قيام الليل. ط ـ دار الفكر.
2- مكارم الأخلاق / الطبرسي : 500.
3- نهج البلاغة ، ضبط صبحي الصالح : 512 / حكم 252.
4- دعائم الإسلام : 268 ، وبحار الأنوار 96 : 295.
5- أمالي الطوسي 1 : 302 ، وبحار الأنوار 78 : 183.
6- تحف العقول : 403.
7- غرر الحكم ح 8872.
8- تحف العقول : 20 حكم ومواعظ أمير المؤمنين عليه السلام.
9- مجمع البيان / الطبرسي 5 : 50 ـ 51 / 19 منشورات مكتبة الحياة ـ بيروت.
10- سنن أبي داود 2 : 70 / 1451 باب الحث على صلاة الليل.
11- الخصال ، للصدوق 2 : 612 / 400 منشورات جماعة المدرسين ـ قم طبع 1403 هـ.
12- علل الشرائع ، للصدوق : 81 / 74 باب علم جفاف الدموع وقسوة القلوب.
13- الخصال ، للصدوق 2 : 616 / 400.
14- اُصول الكافي 2 : 447 ـ 448 / 1 باب تفسير الذنوب من كتاب الإيمان والكفر.
----------------
المؤلف : عباس الذهبي
الكتاب أو المصدر : الأسرة في المجتمع الاسلامي
الجزء والصفحة : ص45ـ
التعلیقات