مهر السنة مقداره وكم يساوي بقيمة اليوم
الشيخ مهدي المجاهد
منذ شهرينتُعَدُّ ذكرى زواج الإمام علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء سلام الله عليهما من المناسبات العظيمة في التاريخ الإسلامي، فهي ليست مجرد احتفال بزواج شخصين مباركين، بل هي تجسيد لمعاني عظيمة وقيم سامية تُستلهم من حياة النبي محمد صلى الله عليه وآله وأهل بيته. من أهم القيم التي تبرز في هذه الذكرى مسألة المهر ومقداره، حيث عُرف عن هذا الزواج المبارك التزامه بمهر السنة، الذي أصبح نموذجًا يُقتدى به في الزواج الإسلامي.
بحث حول مهر السنة
العلماء الشيعة متفقون على أن الرجل والمرأة يمكنهما الاتفاق على أي مبلغ يرغبان فيه كمهر في الزواج، دون تحديد لقيمة معينة. ولكن يجب أن يكون لهذا المبلغ قيمة مادية أو خدمية. إلى جانب هذا الحكم الشرعي، هناك حكم أخلاقي مستحب ومؤكد في الإسلام، وهو أن يكون مقدار المهر (الصداق) قليلًا قدر الإمكان، بحيث يسهل الزواج ولا يتحول المهر إلى وسيلة للتفاخر أو لإجبار الطرفين على الاستمرار في الزواج.
من هنا، فإن ائمة الهدى عليهم السلام قدموا توصيات متكررة بأن يرضى الرجال والنساء بالمهر الذي كان النبي صلى الله عليه وآله يحدده لزوجاته وبناته باعتباره النموذج الأفضل الذي يمكن اتباعه. وقد حذر الائمة عليهم السلام أتباعهم من تحديد مهر يفوق هذا المقدار، حيث أن هذا التحذير وإن لم يكن دالًا على الحرمة، إلا أنه يثبت كراهية ذلك الفعل.
استحباب مهر السنة بالاستناد إلى الأحاديث
تُعَدُّ مسألة المهر من القضايا الجوهرية في الزواج الإسلامي، وقد وردت العديد من الأحاديث التي تُشجِّع على تحديد مهر السنة عند الزواج. فالمهر هو حق للزوجة على الزوج، يعبر من خلاله عن التزامه ورغبته في تأسيس حياة مشتركة قائمة على الحب والمودة والاحترام.
عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : « سَاقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله إِلَى أَزْوَاجِهِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَ نَشّاً وَ الْأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَماً وَ النَّشُّ نِصْفُ الْأُوقِيَّةِ عِشْرُونَ دِرْهَماً فَكَانَ ذَلِكَ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ قُلْتُ بِوَزْنِنَا قَالَ نَعَمْ» (1).
عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ(2) عليه السلام عَنْ مَهْرِ السُّنَّةِ كَيْفَ صَارَ خَمْسَمِائَةٍ فَقَالَ : « إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ أَلَّا يُكَبِّرَهُ مُؤْمِنٌ مِائَةَ تَكْبِيرَةٍ وَ يُسَبِّحَهُ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ وَ يُحَمِّدَهُ مِائَةَ تَحْمِيدَةٍ وَ يُهَلِّلَهُ مِائَةَ تَهْلِيلَةٍ وَ يُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ ثُمَّ يَقُولَ اللَّهُمَّ زَوِّجْنِي مِنَ الْحُورِ الْعِينِ إِلَّا زَوَّجَهُ اللَّهُ حَوْرَاءَ عَيْنٍ وَ جَعَلَ ذَلِكَ مَهْرَهَا ثُمَّ أَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَى نَبِيِّهِ ص أَنْ سُنَّ مُهُورَ الْمُؤْمِنَاتِ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ فَفَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ أَيُّمَا مُؤْمِنٍ خَطَبَ إِلَى أَخِيهِ حُرْمَتَهُ فَقَالَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ فَلَمْ يُزَوِّجْهُ فَقَدْ عَقَّهُ وَ اسْتَحَقَّ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ أَلَّا يُزَوِّجَهُ حَوْرَاءَ» (3).
وجاء في الحديث عن النبي محمد صلى الله عليه وآله أنه قال : « أَفْضَلُ نِسَاءِ أُمَّتِي أَصْبَحُهُنَّ وَجْهاً وَ أَقَلُّهُنَّ مَهْراً » (4). هذا الحديث يشير بوضوح إلى أن التيسير في المهر من الأمور المستحبة في الزواج، إذ أن مغالاة المهر ليست من سُنن الإسلام، بل تؤدي إلى تعقيد أمور الزواج وتأخيرها.
وفي حديث آخر، نقل عن الإمام علي عليه السلام قوله: « لا تُغَالُوا فِي مُهُورِ اَلنِّسَاءِ فَتَكُونَ عَدَاوَةً » (5)، وهذا يدل على أهمية التخفيف في المهر وعدم المغالاة فيه، لما يمكن أن ينتج عن المغالاة من مشاكل وخلافات تؤثر سلبًا على الحياة الزوجية.
وقال الإمام الصادق عليه السلام في هذا المقام : « شُؤمُ المَرأَةِ فَكَثرَةُ مَهرِها، و عُقمُ رَحِمِها » (6).
وايضا جاء في الخبر عن النبي الأكرم صلى الله عليه و آله: « أفضَلُ نِساءِ امَّتي أصبَحُهُنَ(7) وَجها، و أقَلُّهُنَّ مَهرا » (8).
الحكمة من استحباب مهر السنة
تكمُن الحكمة من استحباب مهر السنة في التيسير على الناس وعدم تحميل الزوج ما لا يطيق، مما يساهم في تسهيل الزواج وتحقيق الاستقرار الاجتماعي. فالإسلام يسعى دائمًا إلى تسهيل الأمور على أتباعه، ووضع التشريعات التي تتوافق مع الفطرة الإنسانية وتحقق العدالة والتوازن.
مقدار مهر السنة في زمن النبي صلى الله عليه وآله
تشير التقارير المتعددة إلى أن مهر الزواج في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يمثل السنة المتبعة والثابتة، حيث كان يحدد نفس المهر لزوجاته وبناته، وهو ما يعزز من قيمة هذه السنة ويدعو الأتباع إلى الالتزام بها والابتعاد عن المغالاة في المهور.
الدرهم الإسلامي في زمن النبي صلى الله عليه وآله كان يعادل تقريبًا 2.5 غرام من الفضة. لذا، عندما نقول أن مهر السنة هو خمسمائة درهم، فإننا نتحدث عن:
500×2.5 =1250 غرام من الفضة
هذا المقدار من الفضة كان يُعتبر معقولًا في ذلك الوقت، حيث كان يكفي لتلبية احتياجات الزوجة الأساسية بدون أن يُحمِّل الزوج أعباء مالية ثقيلة.
وهناك اختلاف في مقدار مهر السنة بين العلماء ولذلك ننقل لكم سؤال موجه إلى مكتب المرجع الديني آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني حفظه الله حيث اجابوا.
السؤال: ما هو مقدار ما يسمى بالمهر الفاطمي؟
الجواب: في بعض الروايات المعتبرة ان مهر فاطمة الزهراء سلام الله عليها كان درعاً حطمية تساوي ثلاثين درهما ولكن في الروايات الاخرى ان مهرها كان بمقدار مهر السنة (اي خمسمائة درهم) والدرهم يساوي ٢ ونصف غرام فضة. (9)
تأثير مهر السنة على المجتمع الإسلامي
اتباع النبي محمد صلى الله عليه وآله لهذه السنة في زواج ابنته كان له أثر عظيم على المجتمع الإسلامي، حيث أصبح نموذجًا يقتدى به في الزواج الإسلامي. تحديد مهر السنة يساعد في تعزيز القيم الإسلامية القائمة على البساطة والتيسير، ويُساهم في تقليل التعقيدات التي يمكن أن تعيق إتمام الزواج.
حساب مهر السنة حاليًا (تحويله إلى غرام لكل من الفضة والذهب)
لحساب قيمة مهر السنة في العصر الحالي، نحتاج إلى معرفة قيمة الدرهم الفضي في ذلك الزمن وتحويله إلى وحدات الوزن المعاصرة، ثم تحويل هذه الوحدات إلى قيمتها النقدية بناءً على أسعار الفضة الحالية.
تحويل الدرهم إلى غرامات
كما ذكرنا سابقًا، الدرهم الإسلامي يعادل تقريبًا 2.5 غرام من الفضة. وبذلك، فإن خمسمائة درهم فضة تساوي 1250 غرام من الفضة.
حساب قيمة الفضة حاليًا
سعر الفضة يتغير باستمرار، لذا يجب مراجعة السعر الحالي للفضة لتحويل هذه الكمية إلى قيمة نقدية معاصرة. على سبيل المثال، إذا كان سعر الغرام الواحد من الفضة اليوم هو دولار واحد أمريكي، فإن قيمة مهر السنة ستكون:
1250×1=1250 دولار أمريكي
تحويل الفضة إلى الذهب
إذا أردنا تحويل قيمة الفضة إلى ما يعادلها من الذهب، نحتاج إلى معرفة سعر الغرام الواحد من الذهب. على سبيل المثال، إذا كان سعر الغرام الواحد من الذهب 18عيار اليوم هو 55 دولار أمريكي، فإننا نقوم بقسمة القيمة النقدية لمهر السنة على سعر الذهب:
1250÷55=22.7 غرام من الذهب
بهذا، يمكننا أن نقول إن مهر السنة في العصر الحالي يعادل تقريبًا 23 غرام من الذهب.
سنة هدية الزواج (نحلة) بالإشارة إلى الروايات
إلى جانب المهر، توجد سنة أخرى في الزواج الإسلامي تُعرف بالنحلة، وهي هدية يقدمها الزوج لزوجته تعبيرًا عن محبته وتقديره لها. وقد وردت في الأحاديث النبوية وروايات الأئمة عليهم السلام الإشارة إلى هذه الهدية كجزء من التكريم والتقدير للزوجة.
الأحاديث المتعلقة بالنحلة
ورد عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: « تَهادَوا تَحابُّوا ، تَهادُوا فإنَّها تَذهَبُ بِالضَّغائنِ » (10)، وفي الزواج تعتبر النحلة تعبيرًا عن هذا المبدأ. تقديم هدية للزوجة في مناسبة الزواج يعزز من روابط المحبة والمودة بين الزوجين، ويُعبر عن اهتمام الزوج بزوجته ورغبته في إسعادها.
وَ لَمَّا تَزَوَّجَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الرِّضَا ابْنَةَ الْمَأْمُونِ خَطَبَ لِنَفْسِهِ فَقَالَ: « الْحَمْدُ لِلَّهِ مُتِمِّ النِّعَمِ بِرَحْمَتِهِ وَ الْهَادِي إِلَى شُكْرِهِ بِمَنِّهِ وَ صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ خَيْرِ خَلْقِهِ الَّذِي جَمَعَ فِيهِ مِنَ الْفَضْلِ مَا فَرَّقَهُ فِي الرُّسُلِ قَبْلَهُ وَ جَعَلَ تُرَاثَهُ إِلَى مَنْ خَصَّهُ بِخِلَافَتِهِ وَ سَلَّمَ تَسْلِيماً وَ هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ زَوَّجَنِي ابْنَتَهُ عَلَى مَا فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لِلْمُسْلِمَاتِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْ إِمْسَاكٍ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٍ بِإِحْسَانٍ وَ بَذَلْتُ لَهَا مِنَ الصَّدَاقِ مَا بَذَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص لِأَزْوَاجِهِ وَ هُوَ اثْنَتَا عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَ نَشٌ وَ عَلَيَّ تَمَامُ الْخَمْسِمِائَةِ وَ قَدْ نَحَلْتُهَا مِنْ مَالِي مِائَةَ أَلْفٍ » (11).
أهمية النحلة في الحياة الزوجية
النحلة ليست مجرد هدية مادية، بل هي تعبير عن الحب والاهتمام، وتشجيع على بناء حياة زوجية قائمة على التفاهم والاحترام المتبادل. كما أن تقديم النحلة يمكن أن يكون له تأثير إيجابي كبير على نفسية الزوجة، مما يُعزز من سعادتها واستقرارها العاطفي.
يُعتبر مهر السنة ونحلة الزواج من القيم الهامة في الزواج الإسلامي، والتي تهدف إلى تسهيل الزواج وتعزيز روابط المحبة والمودة بين الزوجين. من خلال اتباع سنة النبي محمد صلى الله عليه وآله وأهل بيته في تحديد مهر معتدل وتقديم الهدايا، يمكن للمسلمين تحقيق زواج ناجح ومستقر، قائم على القيم الإسلامية السامية.
1ـ الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد : 5 / الصفحة : 376 / ط الاسلامية.
2ـ أي الإمام علي بن موسى الرضا عليه السَّلام ثامن أئمة أهل البيت عليهم السلام.
3ـ الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد : 5 / الصفحة : 377 / ط الاسلامية.
4ـ الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد : 5 / الصفحة : 324 / ط الاسلامية.
5ـ مستدرك الوسائل / المحدّث النوري / المجلّد : 15 / الصفحة : 66.
6ـ الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد : 5 / الصفحة : 568 / ط الاسلامية.
7ـ صَبُحَ وَجهُهُ: أشرَقَ و أنارَ، و الصَّباحَةَ: الجمال ( مجمع البحرين : المجلّد : 2 / الصفحة : 1003 «صبح»).
8ـ الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد : 5 / الصفحة : 324 / ط الاسلامية.
9ـ https://www.sistani.org/arabic/qa/0685/#3891
10ـ وسائل الشيعة / الشيخ حرّ العاملي / المجلّد : 12 / الصفحة : 214.
11ـ من لا يحضره الفقيه / الشيخ الصدوق / المجلّد : 3 / الصفحة : 398.
التعلیقات