هل يصح للمرأة أن تكون مرجعاً للتقليد؟
السيد حسين الهاشمي
منذ شهرإن ترقية المجتمعات وتقدمهن في كافة الأمور تسببت بأن تشارك النساء في كثير من الأمور والقرارات الاجتماعية والسياسية. وهذا أمر قد أثبته الشريعة الإسلامية في بعض الجوانب، ولكنها لم تجز في بعض الحالات القليلة دخول النساء فيها واشتراكهن في هذه المناصب والأفعال. منها منصب المرجعية الدينية للآخرين. حيث لم يجز الإسلام أن يقلد الناس عن النساء وإن أصبحن عالمات وفقيهات. في سياق هذا الحكم، يطرح تساؤل مهم: لماذا لا يمكن للنساء أن يصبحن مراجع للتقليد وأن يقلد الناس منهن؟ هل يدل هذا الحكم على ضعف النساء وتقليل قدرهن في نظر الشريعة الإسلامية، أم أن هناك أسبابًا أخرى وراء هذا الحكم؟
(السيدة المجتهدة أمين)
يمكن للنساء أن يتفقهن في الدين
أحد الأمور المهمة في مجال المرجعية والتفقه، هي أن النساء يمكنهن أن يتفقهن في الدين ويسعين في فهم الأحكام الدينية وأن يصبحن مجتهدات وفقيهات. وهذا أمر قد توافق عليه رأي الفقهاء والمجتهدين. فإذا سعت إمرأة في فهم الأحكام الدينية وحلّ التعارضات في الروايات ونالت مقام الإجتهاد، يمكنها أن لاتقلد من أحد وتكتفي بآرائها التخصصية في الأمور الدينية كباقي الرجال الذين اجتهدوا وسعوا وحازوا مرتبة الإجتهادإن مرتبة الاجتهاد والتفقه في الدين تُعتبر الفضيلة الكبرى والمرتبة العليا لأي شخص يهتم بالأمور الدينية والمذهبية، ويمكن للنساء نيل هذه المرتبة دون محذور.
فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: « إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْراً فَقَّهَهُ فِي الدِّينِ » (1). وأيضا روي عن الإمام الباقر عليه السلام: « الْكَمَالُ كُلُّ الْكَمَالِ التَّفَقُّهُ فِي الدِّينِ وَ الصَّبْرُ عَلَى النَّائِبَةِ وَ تَقْدِيرُ الْمَعِيشَةِ » (2).
إنّ التفقُّه والاجتهاد في الشريعة هو الكمال. والمرأة تتساوى مع الرجل في حقِّ السعي نحو الكمال ونيل أعلى المراتب العلميّة. ولكن توليّ منصب المرجعيّة مشروط بالرجوليّة؛ لأنّه عمل تنفيذيّ صعب وأمانة بيد المراجع، وحيث إنّ المرأة يصعب عليها القيام بهذه المسؤوليّة، فليس من مصلحتها ومصلحة الأمّة أن تتصدّى للمرجعيّة، فنحن كما لا نجد إمرأة رسولاً ولا نبيّة ولا إماماً فكذلك الحال في المرجعيّة.
إن عدم المرجعية الدينية ليس نقصا للمرأة
إنّ عدم صلاحيّة قيام المرأة بالتصدّي للمرجعيّة الدينيّة لا يُعدّ نقصاً لها، وليس بسلب حقٍّ من حقوقها، بل إنّ الله سبحانه وتعالى قد وضع عنها تحمُّل مثل هذه المسؤوليّة والأعباء، لأجل أن الله سبحانه وتعالى أراد التخفيف عنها والرأفة بها. لما في ذلك من حرج عليها فيما لو تصدّت للمرجعيّة الدينيّة. لأنّ المرجعية الدينية وتقليد الناس عن أيّ شخص منصب ومسؤوليّة يتطلّب الاختلاط والتواصل والالتقاء مع مختلف أفراد المجتمع بشكل يوميٍّ. هذا فضلاً عن تلقّي الشكوى والردّ على الاستفتاءات وما تتطلّبه من جهد بدنيٍّ وذهنيٍّ، بل وتحمُّل مسؤوليّات كبرى وأعباء خطيرة ترتبط بمصير الأمّة.
وبهذا يتضح أن عدم صلاحية المرأة لأن تكون مرجعًا للتقليد هو رأفة بها ومنّة من الله سبحانه وتعالى. لذا، يجب على النساء شكر الله سبحانه وتعالى لأنه رفع هذه المسؤولية العظيمة عن عاتقهن.
الاختلاف بين الرجال والنساء ينشأ من التفاوت في صفاتهم
الاختلاف الجسديّ والنفسيّ والروحي بين الرجل والمرأة تقتضي اختلافهما في مهمّات الحياة والمجتمع. حيث إنّ تركيبة المرأة الجسديّة والنفسيّة عادة تجعلها غير مؤهّلة لممارسة العمل القياديّ في مستوياته العالية، لأن هذه المقامات والمسؤوليات العظيمة تحتاج إلى جهد بليغ وصبر كبير، وتحمُّل المشاق. فهذا الاختلاف ينشأ من التفاوت في كيفية خلق الرجال والنساء من قبل الله سبحانه وتعالى. حيث اقتضت حكمة الله تعالى في خلق المرأة أن تتمتع بصفات وخصوصيات تجعلها غير مؤهلة، مع هذه الخصوصيات، لأن تصبح مرجعًا للتقليد أو قائدًا للأمة الإسلامية في الأمور المختلفة.
ففي هذا السياق، يعبر القرآن الكريم بشكل جميل عن هذا الاختلاف في الصفات حيث يقول: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ (3). فهذا التفاوت بين الرجال والنساء لايعدّ تبعيضا بينهم من جانب الله سبحانه وتعالى ولكن هذه الاختلافات تساهم في بقاء النوع البشري. لأنه إذا كان جميع البشر ذو صفات واحدة أو متشابهة، لم يمكن لأي شخص الحياة مع الآخرين والتواصل معهم وتشكيل مجتمع حضاري.
دلائل عدم صلاحية النساء للمرجعية الدينية
لا بأس في أن نذكر بعض الأدلة التي تدل على اختصاص المرجعية الدينية بالرجال، وأن النساء لا يمكنهن أن يصبحن مراجع للتقليد أو يتصدين لهذا المنصب.
الآيات الدلة على عدم صلاحية النساء للمرجعية الدينية
﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ (4).
هذه الآية تدلّ على أن القيمومية مختصة بالرجال دون النساء وذلك لأن الله خلق الرجال والنساء بهذا الشكل. فيجب على الرجال أن يعتنوا بالنساء والعائلة. وهذا القول يأتي في بحث المرجعية الدينية. فإنها من أهم مصاديق القيمومية. فيجب على الرجال أن يقوموا بهذه الوظيفة الدينية الصعبة.
﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ (5).
هذه الآية الشريفة أيضا تدلّ على أنه يجب على النساء أن لايختلطن مع الرجال وغير المحارم قدر المستطاع. وهذا من الأمور الواضحة التي عرفناها من الشريعة الإسلامية. فقد روي عن أميرالمؤمنين عليه السلام: « كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: « أخبروني أي شئ خير للنساء ، فعيينا بذلك كلنا حتى تفرقنا فرجعت إلى فاطمة سلام الله عليها فأخبرتها الذي قال لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وليس أحد منا علمه ولا عرفه. فقالت : ولكني أعرفه ، خير للنساء أن لا يرين الرجال ولا يراهن الرجال ، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت : يا رسول الله سألتنا أي شئ خير للنساء وخيرلهن أن لايرين الرجال ولا يراهن الرجال ، قال : من أخبرك فلم تعلمه وأنت عندي؟ قلت : فاطمة ، فأعجب ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال : إن فاطمة بضعة مني « (6).
ومن الواضح أن تصدّي منصب المرجعية الدينية يتطلب الاختلاط والتواصل والالتقاء مع مختلف أفراد المجتمع بشكل يومي، بالإضافة إلى الإجابة عن استفتاءات المقلدين.
الروايات الدلة على عدم صلاحية النساء للمرجعية الدينية
أهم الروايات الدالة على عدم صلاحية النساء لتصدي منصب المرجعية الدينية هي رواية أبي خديجة عن الإمام الصادق عليه السلام حيث قال : « إِيَّاكُمْ أَنْ يُحَاكِمَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً إِلَى أَهْلِ الْجَوْرِ وَ لَكِنِ انْظُرُوا إِلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ يَعْلَمُ شَيْئاً مِنْ قَضَائِنَا فَاجْعَلُوهُ بَيْنَكُمْ فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُهُ قَاضِياً فَتَحَاكَمُوا إِلَيْهِ« (7). مقام القضاء بين الناس يعدّ من فروع منصب المرجعية الدينية. وتتناول هذه الرواية موضوع القضاء والمرجعية الدينية والحكم بين الناس. فنرى أن الإمام الصادق عليه السلام قال في هذا المجال: « انْظُرُوا إِلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ ». فلفظ ( رجل ) تدلّ على أنه لايمكن للنساء أن يتصدين منصب المرجعية الدينية وأن يصبحن مراجعا للتقليد.
والرواية الثانية هي رواية النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: « لا يفلح قوم وليتهم امرأة » (8). فهذه الرواية تدلّ على أنه لايصلح للنساء أن يتصدين منصبا فيه تولي أمور المسلمين بأجمعهم. ومن الواضح أن المرجعية الدينية هي أهم المناصب التي فيها تولّي أمور المسلمين.
حكاية الشيخ الأنصاري ووالدته
في الأخير نحكي لكم حكاية ولادة الشيخ الأنصاري رحمة الله عليه.
يحكى:« إن والدة الشيخ الأنصاري كانت إمرأة صالحة وتقية. فرأت ذات يوم في منامها أن الإمام الصادق عليه السلام أعطاها قرآنا مطليا بالذهب. فعندما استيقظت من النوم، قالت: لعل تعبير هذا المنام تكون ولدا صالحا. وهذا حصل في الحقيقية. ولأجل هذا كانت لاترضعه إلا وهي طاهرة ومتوضئة » (9).
وهذا يبرز دور والدته في تربية هذا المرجع الكبير. إذ يمكن للنساء تربية أولادهن ليصبحوا مجتهدين وعالمين بالعلوم الدينية، بل ليصبحوا مراجع للتقليد.
1) الكافي (لمحمد بن يعقوب الكليني) / المجلد: 1 / الصفحة: 32 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 4.
2) الكافي (لمحمد بن يعقوب الكليني) / المجلد: 1 / الصفحة: 32 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 4.
3) سورة النساء / الآية: 34.
4) سورة النساء / الآية: 34.
5) سورة الأحزاب / الآية: 33.
6) بحار الأنوار (للعلامة محمدباقر المجلسي) / المجلد: 43 / الصفحة: 54 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 2.
7) الكافي (لمحمد بن يعقوب الكليني) / المجلد: 7 / الصفحة: 412 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 4.
8) جواهر الكلام (للشيخ محمد حسنم الجواهري الملقب بصاحب الجواهر) / المجلد: 40 / الصفحة: 14 / الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت / الطبعة: 7.
9) حياة الشيخ الأنصاري وشخصيته (لمرتضى بن محمد أمين الأنصاري) / المجلد: 1 / الصفحة: 50 / الناشر: فارس الحجاز – قم / الطبعة: 1.
التعلیقات