تكريم النساء في مبعث النبي الأعظم
السيد حيدر الجلالي
منذ 6 سنواتلم يكن لحرارة الشمس أثرٌ في قُدُمها نحو الأمام. ذهبتُ إليها وجلست عندها، ألبسها الخوفُ ردائَه الأسود والرّعب بات يُخيّم على جسدها النحيفة، الدموع تلطم خدّیها الصغيرتين، وكان إحمرار عينها يذوِّب الحديد.
هذا حال بعض البنات في باكستان عند الزواج، حيث لا تعرف من هو العرّيس وما اسمه وأين بيته !!! لا تنطبق عليها العادات والتقاليد حيث لا تركب السيّارة المزيّنة بالورود، ولا يذبح أمامها الخروف. هذا مُخيف ومُرعب! لا.. لا.. لا يمكن أن أتصور هذا الأمر! كيف تُزفّ العروس إلى بيتها دون أيّ مراسيم يُبيّن فرحتها؟! كنت أرى وجهها الطفولي الذي كانت الدموع تمطر من عينيها السوداء الجميلتين، وأنّها خضعت، واستسلمت لواقع الأمر.
كنت جالسة ومعي أمّها وعدد من نساء العائلة خلف باب غرفتها، قلت لهنّ: أمَا أحببتنّ أن تخترن أزواجكنّ كما تشأن؟ أمَا أحببتنّ أن تعرفن عائلته ومهنته وكمالياته الظاهرية؟ أمَا أحببتنّ أن تقترحن الزواج على الرجل التي تحبنّه؟
سكتن ولم يستطعن أن يردّنّ علي!! سكتن كأنهنّ غصونٌ لم تجري فيها الحياة!! كسرت هذا الصمت بنت كانت جالسة في الخلف، وقالت: بأنّ اختيار الزوج من قبل البنت يكون عاراً، وليس من عاداتنا فعل هذا، وإضافة إلى ذلك أنّ هذا العمل ينزّل مستوى احترام المرأة، ولا ينتهي هذا العمل إلى نتيجة!!
قلت: نعم.. في الغالب لا ينتج هكذا زواج إلّا لفترة قصيرة، لكن طريقتكم للزواج غير صحيحة أيضاً.
باكستان... العشق!!! ليس له معنى في هذا البلد.
باكستان... لا عانس فيها؛ لأنّ البنت تتزوج وهي كالدمية، لم تتأقلم وحتى تُجرّب اللعب مع الدمية.
باكستان... المرأة مقطاة بعباءة ذات قناع.
لكن الإسلام لا يتلخص في باكستان فقطـ، مثلاً إيران أفضل بكثير من باكستان وأنّ السعودية أسوء منه بكثير، حيث عندما تدخل البنت إلى بيت الزوج تعلم بأنّها لم تخرج مدى حياتها، لكن لا ننسى بأنّ في بعض البلاد الإسلامية كتونس يُسجن الرجل ذات عدّة زوجات، وفي لبنان يلبس النساء صراويل الجينز.
هذا ما حدث أمام أعين الصحفية الإيطالية "اوریانا فالاشي" في باكستان الذي يخالف قوانين الإسلام وقواعده الشرعية والحقوقية تماماً، في حين الإسلام أتى في زمنٍ لم تكن للمرأة أي منزلة ومقام اجتماعي، بل كانت تُعامل كالبهيمة، بل أخس من ذلك، فإنّ الرجل لو كان تلد له بنت كان يسودّ وجهه من العار والخجل، ويفرّ من الناس، وكذلك كان وَئْدُ البنت شيئاً سائداً، كما قال الله عزّ وجلّ: " وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأيّ ذَنْبٍ قُتلَتْ"،(1) والشاهد على هذا الأمر هو عمرَ بن خطاب أنّه قال: أمرانِ في الجاهليةِ: أحدُهما يُبْكِيْنِي، والآخرُ يُضْحِكُنِي. أمّا الذي يبكيني: فقد ذَهبتُ بابنةٍ لي لِوَأْدِها، فكنتُ أحفَرُ لها الحفرةَ وتَنْفُضُ الترابَ عن لِحْيَتِي وهي لا تدري ماذا أريدُ لها...(2) ثمّ أتى الإسلام، وهدّم جدار الجاهلية، وأعطى للمرأة حقوقاً في المجتمع يساوي مع حقوق الرجل.
من القضايا التي كانت ولا تزال محل نزاع في المجتمعات المختلفة هي قضية زواج البنت؛ فإنّ الإسلام لم يجبر البنت على الزواج القهري، ولا على اختيار زوج لها من دون رضاها، فقد خيّر البنتَ باختيار زوجها، وجعل وظيفة الأب أو ولي أمرها هي التشاور فقط، وليس له الحقّ أن يجبرها على الزواج، وإنّ رضاها في الزواج واختيار الزوج هو شرط أساسي في الزواج، كما أنّ النية من أساسيات صحة العقود في الأحكام الشرعية الإسلامية، وهذا ما أشار إليه أبي عبد الله (عليه السلام): «تُسْتَأْمَرُ الْبِكْرُ وَغَيْرُهَا وَلَا تُنْكَحُ إِلَّا بِأَمْرِهَا».(3)
فبما أنّ قبول البنت للزواج شرط أساسي في صحة هذه القضية، وأنّ الإسلام يهتم بجانب العفّة والخجل للمرأة، فإنّه دقق في الجزئيات البسيطة جداً فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «فإن سكتت أو بكت أو ضحكت فقد أذنت، وإن أبت لم يُزوّجها»،(4) فنرى دقّة الإسلام واهتمامه لهذه القضية، وهذا هو ما يخالفه ويُعارظه الكثير من المجتمعات التي تدّعي الحظارة والتطوّر في حين أنّها تناقض وتعارض الحقوق الإنسانية البسيطة للأفراد، وتعتقد، وتعمل بجهد كثيف في معارضة هذا البنيان الديموقراطي للإسلام.
وبالنتيجة أنّ الأعمال التي تحدد زواج البنت، وتجبرها كرهاً على ذلك، ليست من القوانين الإسلامية، وأنّ الإسلام أتى؛ ليُحارب هذه السخافات والعادات التي تضيّع حقّ الآخرين، وخصوصاً البنت التي ستصبح في المستقبل أُمّاً، وتشكّل كيان الأسرة.
1) التكوير: 8و9
2) أضواء البيان، ج8، ص439
3) تذكرة الفقهاء، ج2، ص589 ؛ مختلف الشيعة، ج7، ص98.
4) مستدرك الوسائل، ج14، ص316.
التعلیقات