قضاء المرأة المسلمة بين النفي والإثبات
السيد حسين الهاشمي
منذ شهرإن منصب القضاء من أهم المناصب في المجتمعات، إذ نجده حاضرًا في أي مجتمع، سواء كان دينيًا أو غير ديني، بل وحتى قبل ظهور الأديان السماوية. فعند قراءة تقارير المؤرخين عن المجتمعات التي سبقت الأديان، نجد أن هناك أشخاصًا معيّنين كان الناس يلجؤون إليهم لحلّ خلافاتهم ونزاعاتهم. ففي كل قرية أو مجتمع، كان هناك شخص كبير وصالح، مثل شيخ العشيرة، يرجع الناس إليه لحلّ النزاعات المختلفة، حيث كان يتولى منصب القضاء بينهم.
قضاء المرأة مع تطور الأفكار وتكميل الأحكام
يطرح سؤال مهم، وهو: لماذا يمنع الإسلام، رغم تطوره مقارنة بالأديان السابقة وكونه أكمل الأديان، المرأة المسلمة من تولي منصب القضاء بين الناس؟ أليس هذا الحكم تقليلًا من مقام النساء وانتقاصًا من شأنهن؟
أنواع القضاء في الشريعة الإسلامية
قبل الخوض في الجواب عن هذا السؤال الأساسي يجب علينا أن نبيّن أنواع القضاء وأقسامه في الشريعة الإسلامية.
يوجد ثلاث أنواع كلية للقضاء في الشريعة الإسلامية.
الأول: قاضي المنصوب
القاضي المنصوب: هو القاضي الذي يتم تعيينه من قبل النبي الأكرم صلى الله عليه وآله أو الإمام المعصوم عليه السلام. وينقسم هذا النوع من القضاة إلى قسمين: القاضي الخاص، الذي يُعيَّن لمنطقة أو قبيلة أو بلد معين، والقاضي العام، الذي يُعيَّن من قبل النبي أو الإمام المعصوم عليهم الصلاة والسلام ليكون قاضيًا لعامة المسلمين أينما وجدوا.
قد يقال: « إن هذا النوع من القضاة بقسميه مخصوص لصورة حضور الإمام المعصوم عليه السلام وفي زماننا هذا لا موضوع له» لكن هذا القول غير صحيح؛ لأنّ الفقهاء والمجتهدين هم المنصوبون بصورة عامة من قبل الإمام عليه السلام لمنصب القضاء في زمن الغيبة. ففي كتاب صاحب العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف إلى محمد بن عثمان العمري رحمه الله: « أَمَّا الْحَوَادِثُ الْوَاقِعَةُ فَارْجِعُوا فِيهَا إِلَى رُوَاةِ حَدِيثِنَا فَإِنَّهُمْ حُجَّتِي عَلَيْكُمْ وَ أَنَا حُجَّةُ اللَّهِ » (1). والمراد من (رُوَاةِ حَدِيثِنَا) في هذه الرواية هم الفقهاء والمجتهدين العارفين بتفاصيل الروايات وكيفية الجمع بين الروايات المتعارضة. وعن الإمام الصادق عليه السلام: « ينظران إلى من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا ، وعرف أحكامنا فليرض به حكما فإني قد جعلته عليكم حاكما ، فإذا حكم بحكم ولم يقبله منه فإنما بحكم الله استخف وعلينا رد ، والراد علينا كافر راد على الله وهو على حد من الشرك بالله » (2).
الثاني: قاضي التحكيم
قد عرّف العلماء قاضي التحكيم بتعاريف مختلفة، إلا أن أفضلها وأدقها هو ما اشتهر على ألسنة العلماء، وهو: « قاضي التحكيم هو شخص أو أشخاص، يتراضى به طرفا النزاع أن يترافعا عنده و أن يقبلا قوله و يعملا به، فعلى هذا، يتمّ نصب قاضي التحكيم بتعيين طرفي الخصومة إيّاه » (3). فهذا القاضي لم يتمّ تنصيبه من قبل النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أو الإمام المعصوم عليه السلام لكن الشريعة الإسلامية قبلت قضاء هذا القاضي بشرط أن يكون عالما بأحكام القضاء. فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: « إياكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم فأني قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه » (4).
الثالث: قاضي التحقيق
بعد تطور المجتمعات وزيادة تعقيد النزاعات والاختلافات، لم يمكن للحاكم أن يحكم بنفسه في كثير من القضايا والنزاعات؛ لأنها غالباً ما تحتاج إلى التحقيق والبحث. حينها يأتي دور قاضي التحقيق. الذي تساعد وظيفته القاضي الأصلي في حلّ النزاعات والاختلافات والتحقق في العديد من الأمور. يُعد هذا الدور أساسيًا في أغلب القضايا، إذ لا يمكن للقاضي أن يحكم بمجرد سماع دعاوى الطرفين. لذا، فإن هذا النوع من القضاة لا يصدر الحكم في المرحلة النهائية، ، لكن بقية المراحل تكون من اختصاصه. ويمكننا أن نقول إن وظيفة قاضي التحقيق ليست أقل أهمية من بقية أنواع القضاة.
يمكن للمرأة أن تصير قاضي التحقيق
عند مراجعة الأدلة الشرعية وأقوال العلماء، نجد أن المرأة تُمنع من أن تكون قاضيًا منصوبًا أو قاضي تحكيم. إلا أن الشريعة الإسلامية لم تمنع المرأة من تولي منصب قاضي التحقيق. وقاضي التحقيق، بدوره، يجب أن يكون عالمًا بأحكام القضاء، وأن يكون مجتهدًا. فيمكن للنساء المسلمات أن يجتهدن في تعليم الأحكام المرتبطة بالقضاء وأن يصبحن قاضيات للتحقيق. وقد بيّنا أن وظيفة قاضي التحقيق ليس بأقل من وظيفة قاضي المنصوب أو قاضي التحكيم. فظهر أن النساء لايمكنهن شرعا أن يعطين الحكم في المرتبة الأخيرة ولكن في بقية المراحل والمراتب يمكنهن أن يصبحن قاضيات.
عدم قضاء النساء ليس تحقيرا
يجب أن نذكر هذه النكتة الأساسية وهي أن عدم صلاحية النساء لمنصب القضاء ليس تحقيرا أو تذليلا للنساء من قبل الشريعة الإسلامية. بل إن هذا الحكم صدر لأجل المحافظة على النساء المسلمات وبالطبع هذا الحكم لطف كبير من جانب الله سبحانه وتعالى على النساء المسلمات. لأن الله سبحانه وتعالى خلق الرجال والنساء بصفات مختلفة عن البعض. وهذه الصفات المختلفة تقتضي أن يحوّل على كلّ واحد منهما وظائف مختلفة في المجتمع الإسلامي. وعدم جواز قضاء النساء أيضا من هذه الوظائف المختلفة بين الرجال والنساء. فالله سبحانه وتعالى حيث خلق النساء فهو عالم بكيفياتهن وصفاتهن وبحكمته العالية التي لانعلم الكثير منها، تم وضع الأحكام الإسلامية بحيث تمنع النساء من تولي منصب القضاء بين الناس.
أدلة عدم صلاحية النساء لمقام القضاء
سنذكر لكم بعض الأدلة الواردة في الآيات والروايات التي تدلّ على عدم جواز القضاء للنساء:
الآيات الدالة على عدم صلاحية النساء لمنصب القضاء
الآيات الدالة على هذا المطلب هي الآيات الدالة على عدم صلاحية النساء لمنصب المرجعية الدينية. منها آية ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ (5)، التي يبين لنا أن الرجال قوامون على النساء. ومقتضى القيومية أن لاتكون المرأة هي التي تعطي الحكم في النزاعات والصراعات.
الآية الثانية هي آية ﴿ أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ ﴾ (6)، التي تبين للناس أن النساء بطبعهن التي خلقهن الله سبحانه وتعالى بها، في الخصومات والنزاعات غالبا لايمكنهن أن يأخذن قرارا فارغا عن الإحساسات.
الآية الثالثة هي ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ﴾ (7)، التي يأمر الله فيها النساء المسلمات أن يبقين في بيوتهن ولاينشغلن بأعمال تكون فيها المخالطة بين النساء والرجال والمواجهة مع الرجال. ومن الواضح أن القضاء من أبرز الأعمال التي يجب فيها أن يواجه القاضي مع الآخرين.
الروايات الدالة على عدم صلاحية النساء لمنصب القضاء
الرواية الأولى: في هذا الموضوع هي رواية أبي خديجة حيث قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: « إِيَّاكُمْ أَنْ يُحَاكِمَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً إِلَى أَهْلِ الْجَوْرِ وَ لَكِنِ انْظُرُوا إِلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ يَعْلَمُ شَيْئاً مِنْ قَضَائِنَا فَاجْعَلُوهُ بَيْنَكُمْ فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُهُ قَاضِياً فَتَحَاكَمُوا إِلَيْهِ« (8). هذه الرواية واردة صريحة في منصب القضاء بين الناس. وفي هذه الرواية يأمر الإمام الصادق عليه السلام أن يكون القاضي رجلا.
الرواية الثانية: هي وصية النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لأميرالمؤمنين عليه السلام:« يَا عَلِيُّ لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ جُمُعَةٌ وَ لَا جَمَاعَةٌ وَ لَا أَذَانٌ وَ لَا إِقَامَةٌ وَ لَا عِيَادَةُ مَرِيضٍ وَ لَا اتِّبَاعُ جَنَازَةٍ وَ لَا هَرْوَلَةٌ بَيْنَ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ وَ لَا اسْتِلَامُ الْحَجَرِ وَ لَا حَلْقٌ وَ لَا تَوَلِّي الْقَضَاءِ » (9). حيث دلّت صريحا بأن تولّي منصب القضاء بين الناس مرفوع عن النساء في الشريعة الإسلامية ولايجوز لهنّ تولي هذا المنصب.
الرواية الثالثة: هي الرواية التي تروي قول الله سبحانه وتعالى للسيدة حواء حينما أخرجها مع النبي آدم عليهما السلام من الجنة. حيث قال الله سبحانه وتعالى لها:« و لم أجعل منكن حاكما » (10). فالله سبحانه وتعالى أخبر السيدة حواء بهذا الحكم من ذلك الزمان وهو أن النساء لايجوز لهن أن يحكمن بين الناس ويتولين منصب القضاء بين الناس.
1) الإحتجاج (لأبي منصور الطبرسي) / المجلد: 2 / الصفحة: 470 / الناشر: نشر المرتضى – المشهد المقدس / الطبعة: 1.
2) بحار الأنوار (للعلامة محمد باقر المجلسي) / المجلد: 2 / الصفحة: 221 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 2.
3) فقه القضاء (للسيد عبدالكريم الموسوي الأردبيلي) / المجلد: 1 / الصفحة: 109 / الناشر: مؤسسة النشر لجامعة المفيد – قم / الطبعة: 2.
4) وسائل الشيعة (للشيخ حرّ العاملي) / المجلد: 18 / الصفحة: 4 / الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت / الطبعة: 1.
5) سورة النساء / الآية: 34.
6) سورة الزخرف / الآية: 18.
7) سورة الأحزاب / الآية: 33.
8) الكافي (لمحمد بن يعقوب الكليني) / المجلد: 7 / الصفحة: 412 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 4.
9) الخصال (للشيخ الصدوق) / المجلد: 2 / الصفحة: 511 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي لجامعة المدرسين – قم / الطبعة: 1.
10) البرهان في تفسير القرآن (للسيد هاشم البحراني) / المجلد: 3 / الصفحة: 355 / الناشر: مؤسسة البعثة – بيروت / الطبعة: 1.
التعلیقات