يوم لغتنا و أطلال المجد
حورية خليفة المناوس
منذ 6 سنواتبعد سلسلة طويلة لرسالات سماوية تعاقبت على مر العصور مذ وطت رجلا آدم - عليه السلام - على أرض البسيطة ، كانت من الله تعالى رسالة خاتمة ، ارتضى تعالى دينها خاتمًا للأديان بعد أن أكمله بتبليغ رسوله الخاتم محمد صلى الله عليه و آله ، و
كونها الرسالة الخاتمة و المحفوظ دستورها من أي تحريف و الصالحة لانتهاجها عبر العصور ، لا شك أن هذا أمر يميزها و يبين مدى ميزة كل ما يلحق بها ، من انتقاء الرسول المُبلِّغ لها ، و الاوصياء لهذا الرسول من بعده ، و الكتاب الحامل لنهجها ، و غيرها من الجزئيات المتعلقة بها .. و من هنا نصل لمغزى مقالنا هذا عن اللغة التي حازت على اختيار الله تعالى لتكون لغة كتاب هذا الدين البالغ الأهمية لغرضه المنشود ، و هو كونه كتاب ختام الرسالات .. فلم يختر الله سبحانه و تعالى اللغة العربية لغة لخاتم كتبه السماوية عبثًا - و حاشا - ، فلو لم يكن لها القيمة و الأهلية لما قُدمت على كل لغة .. و هنا نقف وقفتنا بنظرة متأملة ، هل نرى لهذه الأهمية البالغة من دلائل و مصاديق ظاهرة في واقعنا ؟!
شهدنا قبل أيام قلائل في الثامن عشر من ديسمبر ذكرى يوم اللغة العربية العالمي ، و تخصيص هذا اليوم بيوم اللغة العربية عالميا كان بجهود دولية عربية تستحق وقفة تقدير .. حيث كان نتاج تلك الجهود أن أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها بإدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية في الثامن عشر من ديسمبر عام ١٩٧٣ ، فصار هذا اليوم مسمى باسمها..
حقَ لأمة القران أن تقف هذه الوقفة في مثل هذا اليوم ، علّها تكون محطة تجديد عهد مع لغة كتابها و نهج شرعها ، و إن كان أن للغتنا علينا حق أوسع ، مع ما حلت من فجوة بيننا و بينها مما فرضته لوازم الحياة ، أو أوجدته يد التقصير منّا تجاهها .
لغة كل قوم هي هوية لهم .. فما مدى اهتمامنا بهذه الهوية؟! و ما مقياس اعتزازنا بها ؟! واقعًا نجد مظاهر الاعتزاز بيننا بتعلم اللغات الأجنبية لا العربية !! و المؤلم أن هناك من أبناء العربية من بات يعترض على تدريس قواعد اللغة العربية بدعوى أن لا فائدة من تدريسها !!! .. و كيف لأبناء أمة أن تعتز بلغة لم تعد ذات قيمة في دفع عجلة تقدم ، أو ذات شأن في مراتب الاكتشاف و التطور؟! بل حتى من يبتغي وظيفة عملية يجد المطلوب منه إتقان لغة غير العربية ، فلم تعد العربية فاعلة في سوق العمل .. و كأن قيمة دراسة اللغة العربية باتت محصورة في حاجتنا الدينية لها ، لأجل معرفة أمور الدين و التعبد ، و هذا بحد ذاته لم نصل لها صدفة أو عبثًا ، فهو أحد نتاج الغزو الغربي الفكري لنا ، لإضعاف قيم إسلامنا و عروبتنا .. فحين لا تبقى قيمة للغة في مَصافّ الفكر و التقدم ، يُنتقص حتى من هذا الدين و عباداته في نفوس أبنائه ، فيعتبر أمرًا رجعيًا فهو غير ذي جدوى للتقدم !
نعم في قرون سلفت ، حيث كنّا خير أمة أخرجت للناس ، تسنمت اللغة العربية مرتبة (لغة العلم) لمدة ثمانية قرون من الزمن ، فحتى القرن الثاني عشر للميلاد كانت العربية هي لغة العلم و الحضارة ، حيث استطاعت باهتمام أبنائها أن تستوعب كل تراث ثقافي على الأرض ، من سريانية و إغريقية و فارسية و غيرها ، و قدمتها للبشرية بأروع أسلوب بعد إثرائها بنَيّر فكر الإسلام ، و بهذا أثرت الحضارة و الفكر الإنساني بشتى العلوم .. نعم كانت لغتنا العربية لغة يعترف القاصي و الداني بمدى سعتها لفظًا و معنًا و بلاغة و جمالًا و بيانًا .. و لا شك في ذلك ، فهي اللغة التي وسعت مفرداتها تبيين عظيم كلام الله الحاوي لكل جانب تعاليمي ، فردي و اجتماعي ، وعقائدي و تشريعي ، و تربوي و سلوكي ، و معرفي و ثقافي ، و غيرها .. فاللغة وسعت بيان هذا الدستور العظيم ألن تكون مؤهلة لتطبيق هذا النهج على أرض الحياة لتعمرها و تدفع عجلة تقدمها لتكون أرقى حياة ؟! بلى و بلا شك ! ..
فأين ذاك الواقع الجميل من واقعنا الحالي ؟!! ما الذي حل و صارت اللغة العربية مُسادَة بعد أن كانت السيدة في عصر سمي ( بالاستعراب الأوروبي ) ؟!! حين اهتم علماء أوروبا بثقافة العربِ و لغتهم وآدابهم و تاريخهم وحضارتهم ، و أقبلوا على ترجمة تراثهم الزاخر الزاهر للغاتهم للإستفادة منه ..
جميل أن نختم بوقفة تفاؤل ، فالاحتفالات التي أقيمت في الإحتفاء بيوم اللغة العربية فرصة تغرس بذرة أمل ، فنأمل أن تكون جهودها فاعلة في عودة حس اعتزاز أبناء العربية بلغتهم لعلهم يعيدون زهوة مجدها السابق ، و إلا فإنها لن تعدو كونها
وقفة على أطلال مجدها التليد الضائع ..
التعلیقات