التربية وأثرها في سلوك الإنسان (وأثر الإيمان بالغيب في تربية الإنسان)
موقع اهل البيت
منذ 10 سنواتأعتقد أنّ إجتماعكم هذا من أهمّ الإجتماعات التي تعارفت مختلف الأجهزة على عقدها, وهو أكثر
فائدة وحساسية, ويعود سبب ذلك طبعاً إلى ما يتّصف به عملكم من سموّ ورفعة.
على الرّغم من أنّ إحياء وإعمار أية بقعة من عالم الوجود تطالها أيدينا, له قيمة كبيرة, إلاّ أنّه لا شيء من هذا يضاهي في قيمته إحياء وإعمار روح الإنسان وفكره, لما لهذا العمل من تأثير في رسم طريق المستقبل. وبما أنّ المعلّمين والمناهج وسائر الأدوات والوسائل الأخرى في قطاع التعليم موضوعة تحت تصرّفكم أنتم مسؤولي التربية والتعليم, فأنتم الذين تضعون اللبنات الأساسية للشخصيّة الفكريّة لكل كائن بشري في هذا البلد المترامي الأطراف والسائر على طريق التنمية الضطردة.
أثمن ظاهرتين في الكون
فكرُ الإنسان ونفسه أثمن ظاهرتين علمنا بهما في هذا الكون. وقد قَسَم الله تعالى بالنّفس في قوله تعالى: ﴿ونفس وما سوّاها﴾, وهذه هي الحقيقة. فإذا ما صَلُح فكر الإنسان ونفسه, وهما طبعاً مقولتان, يصلح معهما كل شيء, لأنّ العالم كلّه طوع إرادة الإنسان الذي يؤلّف هذان العنصران أهم شيء فيه.
والذي نعنيه من الفكر هو التفكّر النّافع.
ملاك شخصيّة الإنسان فكره. قد أعطى القرآن الكريم هداية الإنسان أهمّيّة كبرى, وهذا هو السبب في جعل التعليم والهداية والتبشير والإنذار, مفخرة للأنبياء.
وأمّا النّفس, وأعني بها محضن الأخلاق الإنسانيّة ومجراها. إذ جاء للنّفس معانٍ شتّى في موارد مختلفة, بيد أنّ مرادي منها هو ما أشرت إليه.
النفس هي التي تعملون أنتم على تهذيبها وتربيتها. فماذا عسانا أن نستفيد من إنسان –إن وجد- يحمل فكراً صائباً وسليماً ولكنّه يتّصف بالجبن والخوار واليأس والإنهزام النفسي, ناهيك عن سائر الصفات الأخرى كالحسد والبخل والحقد, وما إلى ذلك. والإنسان إذا كان ذا نزعة إنهزاميّة, ومجرّداً من روح الإبداع, ويغلب عليه طابع اليأس والكآبة لا يمكنه إصلاح شأن أسرة واحدة حتّى وإن كان عالماً بارعاً.
إعلموا حيثما كنتم تؤدّون عملكم؛ سواء في القطاع الذي يترأّسه السيد مظفر –والذي حمدت الله حين أصبح وزيراً للتعليم ودعوت الله له بالتوفيق, وأنا مسرور لوجوده على رأس هذا الجهاز- أم في غيره من الأجهزة, إنّ بين أيديكم شيئين, ثانيهما أكثر أهمّية من الأوّل, وللأوّل منهما أهمّيته أيضاً.
أثر الإيمان بالغيب في تربية الإنسان
التوحيد بالمعنى الحقيقي للكلمة, يراد به الإيمان بعالم الغيب, وهو أمر في غاية الأهمّية, وورد في أوائل القرآن الكريم «والذين يؤمنون بالغيب» (البقرة 3). ولم تأتِ الإشارة إليه عبثاً.
الإيمان بالغيب معناه سعة النظر التي يكتسبها الموحّد. أمّا غير الموحّد فيرى كل شيء محدوداً في إطار هذه القشرة. وقد يحالف الحظّ شخصاً فتكون له قشرة ذات ألوان وزخارف يستمتع بها لبضعة أيّام, سواء كانت تلك الزخارف مالاً أم فنّاً أم شهرة, أو ما شابه ذلك من هذه المغريات الدنيويّة.
وقد يكون إنسان آخر سيّء الطالع فيكون نصيبه قشرة قبيحة كريهة. أمّا الموحّد فلا يرى في هذه القشرة إلاّ القشريّة, ويؤمن بما وراء هذا العالم المادّي, وبما وراء هذه العلاقات المادية المتعارفة, وبما في ذلك العالم من المُلك والملكوت, «يؤمنون بالغيب».
هذه الرؤية تمنح الإنسان سعة في النظر بحيث لا يخدعه البريق والزخارف فيدفعه نحو الغرور, ولا يوقعه قبح المظاهر في متاهات اليأس واستشعار هواجس الهوان والخسران. والإيمان بالغيب وهذا التوحيد الحقيقي والإيمان بالبعثة –بالمعنى الحقيقي للبعثة يعني انبعاث الإنسان من عالم الغيب في أعماق ذاته كي يهزّ الدنيا- يمنح الإنسان أفقاً في النظر, أشمل وأرحب.
الإنسان بهذه الأبعاد المادية المحدودة قادر على تغيير العالم بأسره؛ مثلما فعل إمامنا الراحل. فقد كان رحمه الله شخصاً عاديّاً في سلوكه وفي شكله وشمائله الظاهريّة. ولكن ثمّة شيء في هذا الإنسان المحدود يجعل لديه قدرة على النّفوذ في ما وراء ذاته, وفي آفاق رحبة.
أنا وأنتم لم نشاهد رسول الله (ص) عياناً, لكنّنا شاهدنا الإمام رحمه الله.
من الطبيعي أنّ الشباب لا يتذكّرون, ولكن من كانوا في سن العشرين يتذكّرون ويعلمون ماذا كان يجري في ذلك العهد, حيث كان هذا البلد حيث كان هذا البلد يعاني من البؤس ومن التبعيّة للأجنبي ومن الفساد المالي والفساد الأخلاقي, والركود العلمي الذي كان يخيّم على هذه الطاقات الإنسانيّة. وفي مثل تلك الظروف يتغيّر الناس فجأة! وهذه القدرة على إيجاد مثل هذا التحوّل تمثّل قبساً من بعثة الأنبياء في كل إنسان على قدر همّته, وعلى قدر سعيه, وعلى قدر استعداده. وهذا ما يجب عليكم تنبيه تلاميذ المدارس عليه.
أهمّيّة التربية والمناهج التربوية السليمة
صحيح أنّ العمل الميداني مع التلاميذ من واجب المعلّمين, غير أنّ المهمّة الأساسيّة فيه تقع على عاتقكم؛ لأنّ وراء كل عنصر ميداني, عنصر إداري يحفّزه ويضع له المناهج ويمهّد له السبيل, وهو أنتم الذين يجب عليكم معرفة ما بأيديكم. وعلى هذا الأساس فإنّ لعملكم بحد ذاته قيمة من حيث كونه تعليماً وتربية وبناءً وإعماراً.
أمّا الجانب الآخر لعملكم فهو النتيجة المترتبة عليه, وهذه أيضاً لها قيمتها. فأنتم الذين تربّون وتعدّون –منذ الآن- صنّاع المستقبل ومن سيتولّون إدارة دفّة شؤون هذا البلد. ولا شكّ في أنّ للجامعات دورها أيضاً, لكن الأساس يعود إليكم, وأنتم قادرون على التأثير حتّى في الجامعات. للجامعات تأثير على الشباب ولكن من نمط آخر, وإن كان البعض يرى أنّه يفوق تأثير التربية والتعليم الذي يتلقّاه الطالب في المدارس الإبتدائية والإعدادية, لكنني لا أعتقد بصحّة هذا التصوّر, نعم للجامعات تأثير وتفاعل وحماس في بداية الأمر فقط.
مثّل مسألة التربية بالنهر الذي تختلف مجاريه وتتعدّد, فهذا "نهر أروند" مثلاً يحصل عند مصبّه في الخليج الفارسي تياران: أحدهما تيار المد والجزر حيث يندفع الماء المالح من الخليج إلى نهر أروند, وهناك تيار آخر لنهر أروند يجري في الطبقة السفلى من النهر, وماؤه حلو.
الفارق بين هذين التيارين هو أنّ الأول منهما يكون سطحياً, ويكون موجوداً تارة وغير موجود تارة أخرى, وذلك تبعاً لوجود المد والجزر. وبالإضافة إلى ما يتّصف به هذا التيار من عدم الإستمرار والديمومة, فهو كالرغوة والزبد, يكون على السطح العلوي. أما التيار الآخر الذي يجري في الأسفل فهو دائم لا انقطاع فيه.
أعتقد أنّ التربية الأساسية شبيهة بذلك التيار السُفلي. أما التربية العارضة الطارئة فأشبه ما تكون بهذا التيار السطحي. ولكن هذا لا يمنع أن تكون التربية في الجامعة ذات بعد أساسي وجذري وتسير في الإتّجاه الصحيح. وهذا ما يوجب عليكم إعطاء أهمّية بالغة للتربية التي تتّصف بالجذرية والدوام.
من الخطأ أن يتصوّر المرء أنّكم تدخلون ضمن قاعات السلطة التنفيذية, وتعملون لها فقط. كلا؛ فكل السلطات تدخل في تشكيلة النظام بالتساوي ولها نفس الإحترام والتقدير. وكل من يرى أرجحية إحدى القوى بشكل مطلق على غيرها, فبصره معاب.
قد يشار أحياناً إلى أصالة سلطة معيّنة دون أخرى. والحقيقة ليست كذلك؛ إذ أنّ هذه السلطات: التنفيذية, والقضائية, والتشريعية جميعها تشكّل جامعية النظام الإسلامي, وإحترامها واجب. وكل من يبيح لنفسه انتهاك حرمة أي من السلطات الثلاث, فهو لا يملك إدراكاً صحيحاً لحقيقة وحدة وتلاحم النظام, ولديه قصور في الفهم والممارسة. فليس ثمّة فارق في ما بين السلطات الثلاث؛ لأنّها بأجمعها تعود لكم. وأنتم مطالبون بتوفير الأجواء لقيام كل واحدة بما عليها من الوظائف, وإعداد الكادر الكفوء لها.
إعداد الإنسان من مادّته الإنسانيّة الخام يفوق في أهمّيته نحت تمثال من الحجر على غرار التماثيل التي نحتها ميكالنجلو. وبإمكانكم إنجاز مثل هذه الإبداعات الفنّية في ما يخصّ الأطفال.
أعزّائي يجب أن تنشئوا الأطفال على الأمل والنشاط, وهو ما بوسعكم صياغته في ضمن المناهج الدراسيّة, وفي السفرات, وفي الوصايا التي تقدّمونها للمعلّمين, وفي مجمل سلوككم.
لو التفتنا إلى الدعاية الإعلاميّة التي يشنّها ضدّنا أعداؤنا, لرأينا وللأسف أنّ الأقاويل المغرضة التي كانت تشيعها الإذاعات الأجنبية ضدّنا على امتداد سنوات الحرب الثمانية لم تتبدّل. وقد أدرك كل واحد منّا حينذاك مدى وقاحة وكذب تلك الصحف ووكالات الأنباء ومدى مجانبتها للحقيقة. ولكن يلاحظ حالياً أنّ البعض يستشعر الإرتياح حينما يجد تلك الإذاعات تتحدّث وفقاً لمراده. في حين أنّ هذا الواقع لا يدعو للإرتياح؛ لأنّ تلك الصحف ووكالات الأنباء, كوكالة الأنباء الفرنسيّة, ووكالة الاسوشيتد برس, وغيرها ممن كانت تتحدّث يوماً ما وفقاً لإرادة صدّام, هي نفسها لم تتغيّر اليوم ولم تتبدّل, فكانت بالأمس تتحدّث على ذلك النّحو وأضحت اليوم تتحدّث على نحو آخر.
الهدف من الدعايات المغرضة
لماذا يبدي البعض كل هذه السذاجة في إدراك حقيقة العدو؟ فلو أنّ أحداً سمع ما تشيعه تلك الدعايات –ومن المؤسف أنني ممن يسمعون ويقرأون جميع الأخبار والتقارير تقريباً, وهذا ما لا بدّ لي منه لكي أطّلع على حقائق الأمور- لتصوّر للوهلة الأولى أنّنا في إيران نعيش أوضاعاً غاية في التّعاسة, فلا دين لدينا ولا أخلاق ولا حكومة ولا قدرة, وإنّنا غارقون في الفساد!
هذه هي الصورة التي يرسمها الأعداء عنّا. وغايتهم من وراء ذلك هي زرع بذور اليأس في قلوب الشعب وسلب روح العمل والنشاط من العناصر الفاعلة في هذا النظام, وهي تحاول استغلال كل ظاهرة وإن كانت بسيطة من أجل تعكير الأجواء. ولا يجب علينا أن نتوقّع من عدوّنا سوى هذا.
يُعتبر المدراء العاملون في الجمهورية الإسلاميّة اليوم –وبحمد الله- من أفضل وأنزه المدراء في العالم. ومن الواضح طبعاً أنّ كل فئة قد يظهر فيها بضعة أشخاص سيّئين. إلاّ أنّ عموم الجهاز الإداري في البلد يعدّ من أفضل وأنظف الأجهزة الإداريّة في العالم وأكثرها إخلاصاً وأقلّها طمعاً. وهذا الوضع على قدر كبير من الأهمية. وكل شعب أو فئة أو مسؤول لديه مثل هؤلاء المدراء يجب أن يشكر الله على وجودهم, وأنا شخصيّاً أحمد الله كثيراً على وجود مثل هؤلاء المدراء لدينا.
لقد ذكرت هذا كمثال لتدركوا مدى تأثير اليأس وكذا الأمل. وهذه من النقاط التي أؤكد عليها كثيراً, وأدعوكم إلى تنشئة الأطفال على روح الأمل.
النقطة الثانية هي أن لا تربّوا الأطفال على التعلّق بزخارف الدّنيا. وهذا مما أؤكّد عليه منذ بضع سنوات, وأحمد الله أنّ جانباً كبيراً منه قد تحقّق في أوساط مجتمعنا. فهناك الكثير من الزهّاد الورعين الذين لا تستحقّ لذائذ الدّنيا في نظرهم حتّى تذوّقها, فما بالك بالتعلّق بها. ولكن في الوقت ذاته تلاحظون مدى الأضرار التي يسبّبها سلوك ومواقف أهل الدّنيا والطامعين بلذائذها والمتعلّقين بزخارفها. فعليكم أن لا تدعوا الأطفال ينشؤون على هذا النمط من السلوك, بل يجب أن تربّوهم على التقوى والنزاهة.
التعلیقات