اجتهاد النساء في الشريعة الإسلامية
السيد حسين الهاشمي
منذ يومأحد الأمور المهمة في مجال المرجعية والتفقه، هي أن النساء يمكنهن أن يتفقهن في الدين ويسعين في فهم الأحكام الدينية وأن يصبحن مجتهدات وفقيهات. وهذا أمر قد توافق عليه رأي الفقهاء والمجتهدين. فإذا سعت إمرأة في فهم الأحكام الدينية وحلّ التعارضات في الروايات ونالت مقام الإجتهاد، يمكنها أن لاتقلد من أحد وتكتفي بنظراتها التخصصية في الأمور الدينية كباقي الرجال الذين اجتهدوا وسعوا وحازوا مرتبة الإجتهاد. فمرتبة الإجتهاد والتفقه في الدين هي الفضيلة الكبرى والمرتبة العليا لأيّ شخص يهتمّ بالأمور الدينية والمذهبية ويمكن للنساء نيل هذه المرتبة ولامحذور في ذلك.
فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: « إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْراً فَقَّهَهُ فِي الدِّينِ » (1). وأيضا روي عن الإمام الباقر عليه السلام: « الْكَمَالُ كُلُّ الْكَمَالِ التَّفَقُّهُ فِي الدِّينِ وَ الصَّبْرُ عَلَى النَّائِبَةِ وَ تَقْدِيرُ الْمَعِيشَةِ » (2).
إنّ التفقُّه والاجتهاد في الشريعة هو الكمال. والمرأة تتساوى مع الرجل في حقِّ السعي نحو الكمال ونيل أعلى المراتب العلميّة. ولكن توليّ منصب المرجعيّة مشروط بالرجوليّة؛ لأنّه عمل تنفيذيّ صعب وأمانة بيد المراجع، وحيث إنّ المرأة يصعب عليها القيام بهذه المسؤوليّة، فليس من مصلحتها ومصلحة الأمّة أن تتصدّى للمرجعيّة، فنحن كما لا نجد إمرأة رسولاً ولا نبيّة ولا إماماً فكذلك الحال في المرجعيّة.
السيدة المجتهدة زهرة الصفاتي
إحدى النساء التي نالت مرتبة الاجتهاد في العلوم الدينية واستنباط الاحكام الشرعية هي السيدة المجتهدة زهرة الصفاتي.
السيرة الذاتية للسيدة المجتهدة زهرة الصفاتي
وُلدت السيدة زهرة الصفاتي في سنة 1328 شمسية في مدينة آبادان في إيران، وترعرعت في عائلة مذهبية ومعتقدة بالعلم والعمل الصالح والمواساة مع أهل البيت عليهم السلام، وتتبع آثار العلماء.
كان والدها أمير الصفاتي، وكان محبًا للعلم وتتبع آثار أهل البيت عليهم السلام وقراءة كتب العلماء العاملين. وهذا ما جعل ابنته السيدة زهرة الصفاتي ترغب في تعلم العلوم، خصوصًا العلوم الدينية والأحكام الشرعية.
زوجها هو آية الله الشيخ محمد حسن أحمدي الفقيه الذي كان من الطلاب العلوم الدينية الموفقين في التعليم والتدريس والتحقيق. ولأجل هذا شجعها كثيرا في مسير تعليم العلوم الدينية وساعدها أيضا في نيل مرتبة الاجتهاد في العلوم الدينية واستنباط الأحكام الفرعية عن الأدلة الشرعية.
وهي الآن على قيد الحياة ومشغولة بتدريس العلوم الدينية للنساء اللاتي يردن تعليم العلوم الدينية في حوزة النساء التي تسمى بجامعة الزهراء سلام الله عليها في مدينة قم المقدسة.
تعاليمها الاكادمية والدينية
السيدة زهرة الصفاتي بدأت دراستها في مسقط رأسها آبادان. فالتحقت أولاً بالمكتب في تلك المدينة، وبعد تعليمها مبادئ القرآن وكيفية قرائة القرآن وبعض الأحكام الدينية، إلتحقت بالمدرسة الابتدائية في مدينة آبادانبعد ذلك، أكملت المرحلة الثانوية بشكل غير منهجي، حيث كانت تدرس بنفسها ولم تحضر إلى المدرسة. ولكن في نفس الوقت، بدأت في عام 1345 شمسية بدراسة العلوم الحوزوية في مدينة آبادان، تعلمت السيدة زهرة الصفاتي في مسيرتها التعليمية للعلوم الدينية علوما في مدينتي آبادان وقم. حيث تعلمت أولاً في آبادان كتب السيوطي ومغني اللبيب وجزء من المعاني والبيان واللمعتين للشهيدين الأول والثاني رحمهما الله. ثم انتقلت في عام 1349 شمسية إلى مدينة قم المقدسة لمواصلة دراستها الدينية، حيث درست وشرعت في تعليم الفقه والأصول، وأيضًا أجزاء من كتاب المكاسب للشيخ الأنصاري
السيدة زهرة الصفاتي تعلمت الأصول والفقه وكتاب فرائد الأصول والمكاسب للشيخ الأنصاري في مدينة قم المقدسة حتى حازت على مرتبة الاجتهاد في استنباط الأحكام الفرعية الدينية عن الأدلة الشرعية بعد ذلك، أصبحت أستاذة في الحوزة العلمية للنساء في العلوم الدينية في مرحلة السطوح العالية. وبعد عدة أعوام، شرعت في تدريس البحث الخارج للفقه من سنة 1375 شمسية إلى يومنا هذا.
أساتذتها وإجازاتها
تتلمذت السيدة زهرة الصفاتي على أيدي علماء متعددة منهم: آية الله شهيدي، وآية الله الشيخ محمد علي حقي السرابي، وآية الله الشيخ علي المشكيني الأردبيلي وزوجها آية الله الشيخ محمد حسين الأحمدي الفقيه اليزدي، وآية الله الشيخ جعفر السبحاني، وآية الله الشيخ محمد الفضل اللنكراني.
أخذت إجازة الاجتهاد والرواية من بعض العلماء المجتهدين منهم: زوجها آية الله الشيخ محمد حسين الأحمدي الفقيه اليزدي أخذت منه إجازة الاجتهاد، وآية الله الشيخ لطف الله الصافي الكلبايكاني أخذت منه إجازة الاجتهاد، وآية الله السيد اسماعيل الموسوي الزنجاني أخذت منه إجازة الاجتهاد. وأيضا من آية الله الميرزا علي العلياري الغروي أخذت منه إجازة الرواية، وآية الله الشيخ محمد الفاضل اللنكراني الذي أخذت منه إجازة الرواية.
الآثار الباقية من السيدة المجتهدة زهرة الصفاتي
كتبت السيدة زهرة الصفاتي كتبا في مجالات عديدة ومقالات في مجال النساء وتعليم النساء المؤمنات.
من الكتب التي كتبتها السيدة المجتهدة هي:
كتاب تحقيق فقهي حول سن التكليف التي كتب باللغة الفارسية.
كتاب پیشگیری از بارداری وکنترل جمعیت ومسائل فقهی مرتبط به آن التي كتب باللغة الفارسية.
كتاب زیارت در پرتو ولایت شرح لزيارة عاشوراء التي كتب باللغة الفارسية.
كتاب نوآوری های فقه در احکام بانوان التي كتب باللغة الفارسية.
كتاب معاد از دیدگاه قرآن التي كتب باللغة الفارسية.
كتاب طهارة النساء في أحكام الدماء التي كتب باللغة العربية.
لماذا لم تصبح السيدة زهرة الصفاتي مرجعة للتقليد؟
إن السيدة المجتهدة الصفاتي لم تصبح مرجعة للتقليد لأن الإسلام لم يجز للمرأة أن تجلس في منصب المرجعية الدينية. إنّ عدم صلاحيّة قيام المرأة بالتصدّي للمرجعيّة الدينيّة لا يُعدّ نقصاً لها، وليس بسلب حقٍّ من حقوقها، بل إنّ الله سبحانه وتعالى قد وضع عنها تحمُّل مثل هذه المسؤوليّة والأعباء، لأجل أن الله سبحانه وتعالى أراد التخفيف عنها والرأفة بها. لما في ذلك من حرج عليها فيما لو تصدّت للمرجعيّة الدينيّة. لأنّ المرجعية الدينية وتقليد الناس عن أيّ شخص منصب ومسؤوليّة يتطلّب الاختلاط والتواصل والالتقاء مع مختلف أفراد المجتمع بشكل يوميٍّ. هذا فضلاً عن تلقّي الشكوى والردّ على الاستفتاءات وما تتطلّبه من جهد بدنيٍّ وذهنيٍّ، بل وتحمُّل مسؤوليّات كبرى وأعباء خطيرة ترتبط بمصير الأمّة.
السيدة زهرة صفاتي، رمز التعلم والمقاومة وتقدم النساء في الشريعة الإسلامية
تُعتبر السيدة زهرا صفاتي واحدة من الشخصيات البارزة والمؤثرة في تاريخ النساء المعاصر في إيران. من خلال أنشطتها الثقافية والاجتماعية والسياسية، لم تساهم فقط في تشكيل الفكر الجديد حول حقوق النساء، بل أصبحت نموذجًا تقتدي به النساء الشابات والأجيال القادمة.
واجهت الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة في مجتمعها، مما دفعها للتفكير في التغييرات الاجتماعية. واصلت تعليمها في مجالات العلوم الاجتماعية وأصبحت واحدة من النخب في هذا المجال.
الأنشطة الاجتماعية والثقافية
كانت السيدة الصفاتي نشطة في المجال الثقافي وأطلقت مشاريع مختلفة لتحسين وضع النساء. أسست جمعيات ومجموعات دعم للنساء وساهمت في تعزيز التعليم للفتيات في المناطق المحرومة. ألهمت أنشطتها العديد من النساء للمطالبة بحقوقهن وصوتهن.
التعليم
كان أحد الأهداف الرئيسية للسيدة المجتهدة زهرة الصفاتي هو زيادة مستوى تعليم الفتيات والنساء من خلال تأسيس المدارس والمراكز التعليمية. ساعدت السيدة الجليلة في توفير البيئة اللازمة لتعليم الفتيات. ولم تساهم هذه الأنشطة فقط في زيادة معرفة النساء، بل أدت أيضًا إلى تغيير نظرة الأسر تجاه تعليم الفتيات. ولهذا قامت السيدة الصفاتي بتأسيس الحوزة العلمية الخاصة بالنساء في مدينة قم المقدسة المعروفة بجامعة الزهراء سلام الله عليها.
دعم حقوق النساء
كداعية اجتماعية، أكدت زهرة صفاتي على ضرورة دعم حقوق النساء وتعزيز المساواة بين الجنسين. قامت بأنشطة عديدة في المجالات القانونية والاجتماعية، وعقدت جلسات وورش عمل لزيادة وعي النساء بحقوقهن القانونية والاجتماعية. أدت هذه الجهود إلى تشكيل حركات نسائية ودعم حقوقهن في المجتمع.
الأنشطة السياسية
لم تقتصر السيدة صفاتي على الأنشطة الثقافية والاجتماعية، بل دخلت أيضًا في المجال السياسي. من خلال عقد المؤتمرات والاجتماعات، أوصلت صوت النساء إلى المسؤولين وأكدت على ضرورة الاهتمام بحقوق واحتياجات النساء. حاولت من خلال سياساتها إحداث تغييرات إيجابية في القوانين والبرامج الحكومية المتعلقة بالنساء.
تغيير نظرة المجتمع حول النساء
أدت الأنشطة الثقافية والتعليمية للسيدة زهرة الصفاتي إلى تغيير نظرة الأسر تجاه تعليم وعمل النساء. فالآن، تدعم العديد من الأسر تعليم بناتها وتولي أهمية لدورهن الاجتماعي. أدى هذا التغيير في النظرة تدريجيًا إلى زيادة مشاركة النساء في الشؤون الاجتماعية والاقتصادية.
كونها قدوة للنساء
تُعتبر السيدة الصفاتي نموذجًا يُقتدى به للنساء الشابات. أثبتت أن النساء يمكنهن تحقيق نجاحات كبيرة في المجالات الاجتماعية والثقافية والسياسية. ألهمت قصة حياتها الأجيال الجديدة للسعي لتحقيق أهدافهن وطموحاتهن.
التحديات والعقبات التي واجتها السيدة الصفاتي
على الرغم من النجاحات الكبيرة، واجهت السيدة زهرة الصفاتي تحديات وعقبات. كانت بعض النظرات المحافظة تجاه دور النساء في المجتمع عائقًا أمام تقدمها السريع وأفكارها. كما أن القيود القانونية والاجتماعية في بعض الأحيان تسببت في بطء التغييرات التي كانت تسعى إليها.
لكن على الرغم من كل المشاكل والتحديات لعبت السيدة زهرة الصفاتي دورًا مهمًا في تقدم حقوق النساء وتغيير نظرة المجتمع تجاه دور النساء. فمن خلال أنشطتها لم تحسن حياتها فقط، بل ألهمت العديد من النساء الأخريات للسعي لتحقيق أهدافهن. لا تزال تأثيراتها على المجتمع تتوسع، وستبقى نموذجًا ملهمًا لجميع النساء في إيران والدول الأخرى.
في النهاية، يُظهر استعراض حياة وأنشطة السيدة الصفاتي أن التغييرات الاجتماعية والثقافية تتطلب جهدًا مستمرًا ودائمًا، وهي مثال حي على ذلك.
1) الكافي (لمحمد بن يعقوب الكليني) / المجلد: 1 / الصفحة: 32 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 4.
2) الكافي (لمحمد بن يعقوب الكليني) / المجلد: 1 / الصفحة: 32 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 4.
التعلیقات