الْإِسْلَامُ وَالْحُقُوقُ المِرْأَةِ الْثَقَافِيَةِ
السيد حيدر الجلالي
منذ 6 سنواتإنّ النمو العلمي للمرأة كالمعلم الأول والأكثر تأثيراً في تربية وتعليم المجتمع البشري، سيؤثر بشكل كبير على المجتمع؛ لذا يتعيّن على المجتمع توفير جميع أنواع الأدوات والأساليب التعليمية للنساء؛ لتعليمهم العلوم المتناسبة مع كرامة المرأة التي تعتبر
المربية للثقافة الإنسانية، وفي الوقت نفسه، لابد من العناية بهذه الطبقة الحساسة اللطيفة من المجتمع والتعامل معها بدقيقة وحساسية، ومن الضروري أن يؤخذ تعزيز مشاعرها العاطفة بعين الإعتبار.
إن الإسلام بتعميمه للدين والمعرفة لجميع أفراد المجتمع جعل الثقافة الإنسانية مديناً له إلى الأبد، لكن في العصور القديمة، كان الوعي العلمي وتعليمه مختصاً بطبقة معينة دون غيرهم من أفراد المجتمع، وكان ذلك كجعل قناع الجهل على وجه باقي المجتمع، وكانت معرفة العلوم والتعرّف على العلوم الحديثة كالحلم بالنسبة إلى غيرهم من الأفراد، ولكن لم يستطيعوا الحصول على هذه العلوم، وذلك بسبب انحصار العلم في طبقةٍ خاصةٍ من المجتمع.
لقد هدّم الإسلام هذه الأجواء الخانقة، وجعل يُحاربها، وبدأ فصلاً جديداً في نمط الحياة البشري، ونشر أفق العلم والمعرفة على الجميع، وجعل معرفة العلوم من الحقوق المسلمة لجميع أفراد المجتمع، بل زيادة على ذلك جعل التعليم والمعرفة فريضة وتكليفاً على العباد بقوله عزّ وجلّ: "هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ"،(1) وقوله (صلى الله عليه وآله): "طَلَبُ العِلمِ فَريضَةٌ عَلى كُلِّ مُسلِمٍ ومُسلِمَةٍ".(2)
وبفضل وبركة الدين الإسلامي أصبحت دعوة طلب العلم عامة وذلك بوصية النبي محمّد (صلى الله عليه وآله) وجهود المعصومين (عليهم السلام) من بعده، وأصبحت النساء تتعلّم العلوم جنباً إلى جنب الرجال. لقد كانت هذه ثورة عظيمة ما إذا تم مقارنتها بالظروف الصعبة وغير القابلة للاستبدال في ذلك الوقت الذي كان يخصص العلم بطبقة خاصة دون غيرهم.
وبذل أمير المؤمنين علي (علیه السلام) مجهودا كبيرا في سبيل تعليم الرجال والنساء على حد سواء، وأفضل مثال على ذلك هي السيّد زينب (عليها السلام) التي تتلمذت في منزله (علیه السلام)، وأصبحت مُدرّسة ومعلمة للنساء الأخريات؛ ولذا اشتهرت بعقيلة بني هاشم.
عندما سكن أمير المؤمنين (عليه السلام) في الكوفة استأذنت نساء الكوفة من أمير المؤمنين (عليه السلام) كي تحضر عند السيّدة زينب (عليها السلام) للحصول على معارفها القيمة والانتهال من علومها النافعة والنابعة من مدينة علم الرسول الأكرم (ع)، فأذن لهنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) بالحضور عند السيّدة زينب (عليها السلام)، وجعلن يتعلّمن العلوم الدينية ومنها تفسير القرآن الكريم عندها.
كانت السيّدة زينب (عليها سلام) لا مثيل لها في الشجاعة والفصاحة والبلاغة، وعندما كانت تتحدث، كانت تتحدّث بلغة والدها، وكأنّها يخطب على الناس، وخير شاهد ودليل على ذلك هو الخطاب الذي قدّمتها في مجلس يزيد الذي كان في ذروة البلاغة والفصاحة.
عندما خطبت السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، الخطبة الفدكية لم يتجاوز عمر السيّدة زينب (عليها سلام) الشريف 4 سنوات، لكنّها كانت من رواة تلك الخطبة الغراء.
في الفكر الإسلامي يمكن للمرأة أن تتمتع بمثل هذا التطور العلمي والثقافي بحيث أنّ الإمام (عليه السلام) يكون نحاتاً لِعِلمها. وكما في تفسير مصحف السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، قال الإمام الصادق (عليه السلام): أنّ مصحف السيّدة فاطمة (عليها السلام) هو مجموعة من الأخبار والتعاليم التي قدمها جبرائيل إلى السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) والإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وكانت السيّدة الزهراء (عليها السلام) تكتب ذلك.
كان الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) مهتمًا جدًا بالتطور العلمي والثقافي للمرأة، كما أن تأثير دور أمير المؤمنين (عليه السلام) في تدريب مثل هذه النساء واضح جداً، ومن ذلك عكرشة التي تحدت معاوية وعرشه وجبروته، وذلك عندما دخلت عليه، وهي متوكئة على عكاز لها، فسلمت عليه بالخلافة ثمّ جلست، فقال لها معاوية: الآن يا عكرشة صرت عندك أمير المؤمنين؟! قالت: نعم إذ لا عليّ حيّ. قال: ألست المتقلدة حمائل السيف بصفين وأنت واقفة بين الصفين تقولين: أيّها الناس! عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم، إنّ الجنة لا يرحل عنها من قطنها، ولا يهرم من سكنها، ولا يموت من دخلها.... وكان أمر الله قدرا مقدوراً، فما حملك على ذلك؟ قالت: يا أمير المؤمنين [قال الله تعالى]: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ"،(3) وإن اللبيب إذا كره أمراً لا يحب إعادته. قال: صدقت فاذكري حاجتك [قالت]: إنّه كانت صدقاتنا تؤخذ من أغنيائنا فترد على فقرائنا، وإنّا قد فقدنا ذلك، فما يجبر لنا كسير ولا ينعش لنا فقير، فإن كان ذلك عن رأيك. فمثلك من انتبه عن الغفلة وراجع التوبة وإن كان عن غير رأيك، فما مثلك من استعان بالخونة ولا استعمل الظلمة. قال معاوية: يا هذه إنّه ينوبنا من أمور رعيتنا أمور تنبثق وبحور تنفهق، قالت: يا سبحان الله! والله ما فرض الله لنا حقا فجعل فيه ضررا على غيرنا، وهو علّام العيوب. قال معاوية: [هيهات] بأهل العراق! نبهكم علي بن أبي طالب، فلن تطاقوا، ثمّ أمر برد صدقاتهم فيهم وإنصافها.(4)
1. الزمر: 9.
2. تحرير الأحكام، ج1، ص35.
3. الزمر: 101.
4. مواقف الشيعة، ج1، ص396.
التعلیقات