المراحل العلاجية للامر بالمعروف والنهي عن المنكر (١)
السيّد سعيد كاظم العذاري
منذ 11 سنةوهي المراحل العملية المقارنة واللاحقة لوقوع الممارسات السلبية في الواقع الخارجي ، وهي خطوات علاجية الهدف منها معالجة الواقع المنحرف ، بإيقاف المنكر أو تطويقه وتحجيمه ؛ لمنع استشرائه في العقول والقلوب والارادة.
ويمكن تصنيفها إلى صنفين
:١ ـ المراحل العلاجية المقارنة للتلبس بالمنكر :
إنّ اللّه تعالى فتح للإنسان أبواب الهداية من خلال البيّنات الظاهرة ، والبراهين الواقعية ، وانزل الكتاب لارشاده وتوجيهه إلى الاستقامة والاعتدال ، ودعا إلى تكوين الاُمّة والجماعة الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر ، ووضع منهجا متكاملاً لوقايته من الانحراف عن طريق غلق منافذه إلى النفس ، ومعالجة الأسباب المؤدية إليه ، وتهيئة الاجواء لتهذيب السلوك والخُلق ، فإذا خالف الإنسان جميع هذه المؤهلات ، وانحرف عن الاستقامة في سلوكه غرورا منه أو استسلاما لشهواته وغرائزه ، وارتكب المنكر بصورة علنية متحديا قيم المجتمع ، فيجب على الآخرين ردعه وايقاف أو تحجيم انحرافه ، وأول مراحل الردع هي التغيير باليد التي تعبّر عن القوة ، ثم باللسان ، ثم بالقلب.
قال رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم : « من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الايمان »
والتغيير باليد مقدّم على غيره ؛ لأنّه يقتلع المنكر من جذوره ويمنع من استمراره الذي قد يضر بالمصلحة العامّة وخصوصا ما يتعلق بالاعتداء على حقوق الآخرين ، كالاعتداء على أرواحهم أو أعراضهم أو أموالهم ، فلا يجوز التهاون به ، والسكوت عنه ، وهو يتوقف على القدرة والطاقة التي يمتلكها الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ، التي تساعده على العمل الفوري في التغيير ، ولذا فإنّ الحكمة من تكوين الاُمّة أو الجماعة الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر ، هي تظافر الطاقات والجهود لازالة المنكر الواقع ، وردع المتلبس به.
وإذا عجزت الطاقات والجهود المتاحة من تغيير المنكر باليد ، فتأتي مرحلة الانكار باللسان عن طريق تبيان أضرار المنكر ، وتحقير فاعله ، وترذيله وتقبيحه ، وتخويفه من العواقب السيئة المترتبة على هذا المنكر ، وتهديده وتخويفه من ردعه بالقوة أو تخويفه بالاستعانة بالغير لانزال العقاب الصارم به ، أو تهديده بالمحاصرة الاقتصادية والاجتماعية ، وكل كلام يساعد على ردعه.
وإذا عجز الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر عن التغيير باللسان ينتقل إلى مرحلة التغيير بالقلب وهو الانكار والاشمئزاز وعدم الرضا بعمل المنكر ، والتصميم على اعداد القوة البدنية والبيانية لتغييره في الظروف المؤاتية.
وملاك التكليف هو القدرة ، وهي التي تحدّد مراحل التغيير باليد واللسان والقلب ، وقد تجتمع هذه المراحل لتنطلق في آن واحد تبعا لقدرة الافراد ، فتستخدم اليد من قبل البعض واللسان من قبل البعض الآخر ، والقلب من قبل البقية المتبقية.
قال رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم : « ما من نبي بعثه اللّه في أمة قبلي ، إلاّ كان له من أُمّته حواريون وأصحاب ، يأخذون بسُنّته ، ويقتدون بأمره ، ثم انها تخلفُ من بعدهم خلوف ، يقولون ما لا يفعلون ، ويفعلون ما لايؤمرون ، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ، وليس وراء ذلك من الايمان حبّة خردل »
ويجب استخدام القوة المناسبة للردع وتغيير المنكر ، فالمنكرات الفردية التي يقوم بها الافراد ، قد لا تحتاج إلى مزيد من القوة ، أما المنكرات الجماعية التي يرتكبها جمع من الناس أو كتلة منهم ، أو تقوم بها مؤسسات أو جمعيات تمتلك طاقات متنوعة اعلامية ومالية وبشرية ، فإنّها لا ترتدع إلاّ باستخدام القوة الموازية لها.
وتختلف القوة المستخدمة باختلاف نوعية المنكر المرتكب ، من الناحية الفكرية والسلوكية ، فهنالك منكر له تأثير ملحوظ على أصل الوجود الاسلامي كيانا وقيادةً وافرادا ، وهنالك منكر له تأثير على اضطراب المعتقدات وبلبلة الافكار ، وهنالك منكر له تأثير على أخلاق المجتمع بإفساده لأفراده ، ومن هنا شرّع اللّه تعالى الجهاد لإيقاف المنكر الأكبر الذي يستهدف القضاء على الوجود الاسلامي.
نماذج من السيرة النبوية :
إنّ الموقف من المنكر بتغييره باليد أو اللسان أو القلب تحدده عدة عوامل :
الأول : الظروف.
الثاني : مصلحة الإسلام كعقيدة وتشريع.
الثالث : مصلحة المسلمين الانية والمستقبلية.
ففي العهد المكي لم تكن الظروف مؤاتية لاستخدام القوة في القضاء على المنكر ، ولا مصلحة في ذلك لانها تؤدي إلى قتل رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم في ظرف لا يملك القوة اللازمة للقضاء على رؤوس الكفر أو ردعهم عن منكراتهم ، فاكتفى صلىاللهعليهوآلهوسلم بالتغيير باللسان.
وحينما هاجر إلى المدينة تغيّر الموقف حيث امتلك القوة اللازمة لخوض مهمة التغيير بقوة اليد ، فاستخدمها صلىاللهعليهوآلهوسلم لردع العدوان على الإسلام والمسلمين.
كما استخدم صلىاللهعليهوآلهوسلم القوة لإزالة المنكرات الواقعية ، فأمر بطرد بعض المنافقين من المسجد ، وأمر باحراق منزل سويلم اليهودي لاجتماع المنافقين به ، وأمر باحراق مسجد ضرار
وحينما تمادى رأس المنافقين عبداللّه بن أبي سلول في نفاقه بخلقه للفتن داخل المجتمع الإسلامي ، رفض رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم اقتراح البعض في قتله ؛ لأنّ قتله يؤدي إلى حدوث الخلل في تماسك جبهة المسلمين لأنّ له أنصارا وأعوانا وعشيرة مترامية الأطراف ، وقد أثبت صلىاللهعليهوآلهوسلم صحة موقفه قائلاً لمن حرّضه على قتله : « أما واللّه لو قتلته يوم قلت لي اقتله لأرعدت له أنف ، لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته »
فالظروف والمصلحة الإسلامية هي التي تحدّد الموقف العملي من تغيير المنكر ، فقد يؤدي استخدام القوة احيانا إلى إلحاق الضرر بالإسلام والمسلمين فلا يجب بل لا يجوز استخدامها ، ويجب أن تؤجل إلى الظرف المناسب ، وقد يؤدي التخلي عن استخدامها إلى الحاق الضرر بالاسلام والمسلمين ، فيجب النهوض بها ، كما هو الحال في تنوع مواقف أئمة أهل البيت عليهمالسلام من رؤوس المنكر واجهزتهم الممتدة في المجتمع الاسلامي ، بين هدنة وحركة ملحة ، واعداد العدة للظرف المناسب.
التعلیقات