هـل الـمـرض خـيـر أم شـر؟
الشيخ مالك المصلاب
منذ 7 سنواتقبل التعرض للجواب ينبغي علينا معرفة حقيقة الشر.
ما هي حقيقة الشر؟
تسبب هذا السؤال لطائفة بالقول بالإثنينية، حيث رأت أن في الوجود خـيرًا وشرًا، وهـمـا متضادان، لا يـستـندان إلى مبدأ واحـد.
فهنـاك مبدئان: مبدأ الخـيرات، ومـبدأ الشرور.
يأتي هنا السؤال هل هناك إفاضة من الله جل جلاله ذاتها الشرور؟
هناك عدة أسباب يجب أن تتوفر في مُريد الشرور وهي التالي:
1- أن يكون جاهلاً بكونه قبيحًا.
2- أن يكون عالمًا بقبحه، ولكنه مجبور عليه.
3- أن يكون عالمًا بقبحه، وغير مجبور عليه، ولكنه يحتاج إليه.
4- أن يكون عالمًا بقبحه، وغير مجبور عليه،ولا يحتاج إليه،ولكنه فعله عبثًا ولغوًا.
وكل هذه الأسباب منفية عنه سبحانه، لأنها تستلزم النقص فيه.
فالسبب الأول يستلزم منه نسب الجهل إليه، وقد ثبت أنـه تـعالى عـالم مطلـق لا يشوب علمه ذرة جهل ﴿إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (1)
والسبب الثاني يستلزم منه نسب العجز إليه، وهو القادر المطلق الذي لا يتوهم فيه العجز ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا﴾ (2)
والسبب الثالث يستلزم منـه نسـب الحاجة والفـقر إليه، وهو الغني المطلق الذي لا يحتاج إلى شيء وكل شيء يحتاج إليه ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ (3)
والسبب الرابع يستلزم منه سلب الحكمة منه، وهـو الحكـيم الذي لا يفـعل عـبثًا ولغوًا ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ (4)
وبهذا يأتي كلام أهل الحـكمة أن أصالة الوجود للحق، للخير، للجمال، للكمال، إذ الوجود المطلق خير محض، ليس فيه أي شر، ولا نقص ولا قبح.
وبهذا نجيب على السؤال - أي ما هي حقيقة الشر - فنقول: إن الشر شيء عدمي إذ لا يوجد شيء في ذاته شر، بل الشر يكون نسبيًا، فمثلاً البرد المفسد للثمار، هو في نفسه كمال لا شر فيه، إلا أنـه بالقياس إلى الثمار صـار شرًا بالعرض لإفساده أمزجتها.
وبهذا أيضًا يُجاب عـلى الذين يقولون لماذا أوجـد الله الأفاعي والعقارب والبراكين مثلاً، حيث يرونهم أنهم من مصاديق الشر، إلا أن هذا القول صادر من البساطة في التفكير، وذلك بالقياس إلى المصالح الشخصية، إلا أن تلك الأمور وجودها ضروري مكملة لنظام الكون، إذ الأفاعي والعقارب تمتص السموم من الهواء، إذ هي في نفسها كمال لا شر، والبراكين وسيلة لتنفس الأرض، فلو كـان العالم بـدون براكين لكان نظامه ناقصًا.
الــمــرض شــر
وإذا علمنا أن الشر في ماهيته عدم وجود، أو عدم كمال لوجود، علمنا أن المرض شر، إذ كمال الإنسان أن يكون معافًا سالمًا من كل مرض ، فعروض المـرض عليه يسلب منه ذلك الكمال، والمراد بالكمال هنا هو للبدن لا للنفس ، إذ كمال الـبدن أن يكون سالمًا، إلا أن عـروض المرض عليه فـيه كمالٌ للنفس، وكـمال الإنسـان بصدق الإنسانية في حقه إنما يكون بكمال نفسه لا ببدنه، ولا عكس، فـقد يكون هناك أشخاص أنعم الله عليهم بأجسام معافاة قوية، ولـكـنهم كـالخشـب المسندة ﴿وَإِذَا رَأَيْتَـهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْـسَامُهُمْ ۖ وَإِنْ يَـقُولُوا تَسْمَـعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُـشُبٌ مُسَنَّدَةٌ﴾ (5).
إذ سوف يأتي يوم ما ويفنى هذا البدن، وما كسبته النفس هـو الذي سيبقى ويحدد مصير الإنسان في ذلك اليوم الذي لا ريب فيه ﴿الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ۚ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ (6)
البتة لا نعني أنه لا دور للبدن بشكل تام، إذ النفس تتكامل أو تتسافل، بواسطة ما يصدر من أفعال البدن، إلا أن المحرك للبدن هي النفس، والتكامل الذي ترفتع به درجة الإنسان منسوبٌ للنفس.
لذا يبتلى الإنسان بالأمـراض ليُعرف مـدى صـدقه وتحمله، وهناك عـدة روايات تتحدث عن البلاء وتربطه بالكمال، منها ما روي عن نبينا الأكرم’ أنـه قال: ما كرم عبد على الله إلا ازداد عـليه البلاء. (7) وأيـضًا عـنه’ أنـه قال: الـسقم - أي المـرض – يمـحـو الـذنــوب. (8) وأيـضًا، مـا روي عـن مـولانـا الصادق× أنـه قال: إنما المؤمن بمنزلة كفة الميزان، كلما زيد في إيامنه زيد في بلائه. (9)
ويؤيد ما ذُكِرَ ما ورد عن مولانا أمير المؤمنين× عندما كان مريضًا، فعاده قومٌ، فقالوا له كيف أصبحت يا أمير المؤمنين؟
فقال ×: بشَرٍّ
فقالوا له: سبحان الله! هذا كلام مثلك؟!
فقال: يقول الله تعالى ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ (10) فالخير الصحة والغِنى، والشر المرض والفقر، ابتلاء واختبارا. (11)
وقبل الختام هناك مـسألة قد تَعْرِض على بعض الأذهان، وهـي عـقاب الله جـل جلاله لبعض الأمم السابقة، وجواب هذه المسألة يتوقف على إثبات العدل له جل جلاله، ويثبت بنفس ما ذكرناه من الأسباب التي يشترط أن تكون منها في مُريـد الشر، فهنا تأتي بعينها لنفي الظلم عنه سبحانه، وبثبوت أنه عادل، لا يـلزم القول بالتسوية بين البشر جميعًا وبين الأشياء كلها، إذ التسوية بـين المطيع والعاصي، بين من يحب السلام ويعمل به، بين من يحب الشر ويعمل به، نقض للعدل، وهذا ما لا ينكره العقل.
وبثبوت أن من العدل عدم التسوية، يثبت استحقاق العقاب للأمم الظالمة، على أن ما يقع عليهم من عقاب ليس في ذاته شر، إذ ثَبَتَ أن الشر من العدم، والعدم ليس بحاجة إلى مبدأ ولا إلى خالق، فإذا نظرنا إلى الأمور التي عاقب بها الله جل جـلاله بعض الأمم السابقة، نجدها في ذاتها ليست بشر، كالطيور التي كانت تحمل الحجارة في قصة أصحاب الفيل، والبحر الذي أُغرق فيه قوم فرعون, والرياح في قصة عاد، وغيرها من الأمور، نجدها في ذاتها من الكمالات، ولها منافع، وبهـذا ينتفي القـول أن في الوجـود مبدئين، مبدأ خير ومبدأ شر، إذ الأصل في الوجـود والإفاضة هـي الخير المطلق، وما يحدث مـن شرور هـي شرور عـرضية نسبية وليست في أصـل ذاتها شر.
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة المجادلة: 7
(2) سورة اﻷحزاب: 27
(3) سورة فاطر: 15
(4) سورة الحشر: 1
(5) سورة المنافقون:4
(6) سورة غافر:17
(7) ميزان الحكمة: ج 1 ص 305
(8) بحار الأنوار: ج 67 ص 244
(9) الكافي: ج 2 ص 254
(10) سورة اﻷنبياء: 35
(11) بحار الأنوار :25/209/81
التعلیقات