العمل والذوق
مجلة الزهراء عليها السلام
منذ 8 سنوات
قبل الثورة الصناعية وتشغيل الالة، كانت جميع الاشياء واللوازم المنزلية تصنع باليد أو بوسائل يدوية بسيطة . فالنجارة والنسيج والصحون الخزفية وصناعة الآجر وغيرها من الاعمال الصناعية كانت يدوية الصنع، وكان لكل عامل فيها اشرافاً واهتماماً كاملاً على كل جوانب عمله الحاصل من ذوقه ونشاطه ، وكان يسعى بكل رغبة لاستخدام ذوقه وابداعه افضل
".. فقضية العامل والمصنع ليست هكذا. إن تشكيل الماكنة من قطع متعددة وتقسيم العمل على وحدات كثيرة يؤدي إلى الملل بين العمال كما يقتضيه التخصص. فسيارة عادية تتكون تقريباً من خمسة الآف قطعة مختلفة، وتحتاج صناعة كل قطعة إلى التخصص وتتأمن على يد عامل واحد أو عدة عمّال محددين. ولا ريب في أن العامل المنهمك دائماً بصناعة قطعة واحدة من خمسة الآف قطعة تتكون منها السيارة لا يرى في عمله معنى ولا يلتذ بله كما يلتذ المهني الذي يصنع بيديه ـ مثلاً ـ منضدة كاملة أو وعاء تام الصنع. الأهم من ذلك، فإن محيط المصنع للعامل ليس مريحاً لأن أصحاب العمل لا يفكرون بمصلحة العمال وسعادتهم ويعتبرون الإنسان العامل مجرد يد من الأيدي الفعالة في المصنع. فعامل المصنع وخلافاً للصناع القدامى المستقلين لا يعمل لنفسه، وفضلاً عن أنّه يعمل دون اندفاع وذوق فإنّه ينظر بغضب وعداء لرب العمل والآلة والانتاج المصنعي"(1).
التكامل والحرية
لكل عضو أو جهاز في جسم الإنسان وظيفة خاصة به حددها له النظام التكويني، وعليه القيام بنشاطه حراً واداء اعماله الطبيعية ليطوي مراحل الرقي ويبلغ كماله اللائق به.
واذا منع احد الاعضاء عن فعاليته عملياً وحيل دون القيام باعماله الطبيعية فانه سيتوقف عن العمل بالتدريج ليصبح في النهاية عضواً معطلاً وناقصاً.
العمل والذكاء هو الاخر شأنه شأن سائر اعضاء الجسم، لو بقي حراً في نشاطه الطبيعي وقام بوظيفته القيادية فانه سيثمر وينضج ويطوي باستمرار مدارج الكمال، ولو عكسنا الامر وتجاهلناه وكبتناه عملياً فان الضعف سيدب اليه بالتدريج ويخفت وهجه .
وقد اولى الدين الاسلامي المبين اهمية قصوى للعقل والعلم والفهم والفكر، وقارنت الروايات الواردة عقائد الناس واخلاقهم واعمالهم بمقياس عقولهم. فاعقل الناس هو من يستخدم فكره وذكاءه في الكسب والعمل وفي الدراسة وفي المعاشرة والتحدث وفي جميع الشؤون المادية والمعنوية ولا يقوم بعمل الاّ ان يعرضه على عقله .
العمل المقترن بالفهم
العمل الذي يدر دخلاً قليلاً لكنه يحرك العقل والفكر ويلزم المرء على استخدام ذكائه وفهمه ويضيف إلى معلومات الانسان، هو افضل بكثير من المهنة الكثيرة الربح لكنها تلغي دور العقل والفكر فيه ولا يستخدم في أدائها فهمه وذكاءه .
قال الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام) : "يا هشام إنّ العاقِلَ رَضِيَ بالدُّون مِنَ الدُّنيا مَعَ الحِكْمَةِ وَلَم يَرْضَ بالدُّونِ مِنَ الحِكْمةِ مَعَ الدُّنيا"(2).
توجد في عالم الصناعة والالة الحاضر الكثير من الاعمال التي ينشط فيها العقل والفكر والذوق وحس الابتكار، لو اتخذ الشاب احدها عملاً له بحدود صلاحيته فإنه يستطيع أن يؤمن معاشه من جهة ويحرك عقله وذكاءه من جهة اخرى .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ مبادىء علم الإجتماع : 288 .
2 ـ تحف العقول : 387 .
التعلیقات