السيدة المجتهدة أمين
السيد حسين الهاشمي
منذ 5 ثوانيالنساء عندهن دور أساسي في العائلة والمجتمع طبقًا للتوجيهات الدينية التي نصت عليها الشريعة الإسلامية. فقد وضعت الشريعة الإسلامية المرأة في مكانتها الأصلية في المجتمع ومنحتها دورًا أساسيًا في مجالات مختلفة. ومن بين تلك المجالات، تأتي الأمور العلمية المتنوعة، خاصةً العلوم المرتبطة بالدين والمذهب. هذا بخلاف بعض المجتمعات والحضارات المنحطّة التي تجعل المرأة أداة للتبرج والأمور الجنسية. فالإسلام لم يمنع المرأة من الوصول إلى المقامات العالية والدرجات الرفيعة العلمية، بل شجّعها على السعي والاجتهاد لتحقيق الدرجات العلمية العالية والاجتهاد في المسائل الدينية.
إحدى أبرز النساء التي حازت مرتبة الاجتهاد في الأمور الدينية هي السيدة نصرت أمين، التي لُقّبت بالمجتهدة.
السيرة الذاتية للسيدة المجتهدة نصرت أمين
تولدت السيدة المجتهدة نصرت أمين في سنة 1312 هـ في مدينة أصفهان. والدها هو السيد محمد علي أمين التجار، وكان من التجار المؤمنين في المدينة، ومن الثقات عند علماء الدين، وكان لديه مشاريع خيرية في أصفهان آنذاك.
تصل نسب السيدة نصرت أمين إلى أمير المؤمنين عليه السلام، وترعرعت في عائلة مليئة بالإيمان والمحبة لأهل البيت عليهم السلام، وكان بيتها مليئًا بحب العلم والعلماء.
توفيت وهي في السابعة والتسعين من عمرها الشريف في مدينة أصفهان، ودفنت في مقبرة تخت فولاد، وبُنيت على قبرها قبة جميلة لتُعلم مكان قبرها وتُزار من قبل المؤمنين.
بداية تعاليمها الدينية
بدأت السيدة نصرت أمين تعاليمها العلمية في سن الرابعة، وذلك لأن والدتها شجعتها على الذهاب إلى المكتب وتعليم القرآن وهي في الرابعة من عمرها، رغم معارضة كثير من الناس. حيث كان البعض يعيرونها على دخول ابنتها إلى المكتب، وكانوا يعتبرون دخول البنات إلى المكتب وتعليم العلوم المختلفة عارًا على العائلة.
مع ذلك، لم تبالِ والدتها بكلام الناس وأخذت بقول الإسلام وتعاليم العلماء. فكانت السيدة نصرت أمين تتعلم القرآن واللغة العربية حتى سن الحادي عشر. وبعد ذلك، تزوجت في سن الخامسة عشرة من ابن عمها الحاج ميرزا. فكانت تعمل في المنزل وتربي أطفالها، إضافة إلى تعليم العلوم الدينية، وذلك بتشجيع من زوجها لها على الاستمرار والاستقامة في مسيرتها في تعلم العلوم الدينية.
تعليم المقدمات والسطوح
تعلمت السيدة جليلة نصرت أمين مقدمات العلوم الدينية وأوليات العلوم العقلية، وقليلًا من علوم الفقه والأصول على يد كبار علماء ذلك الزمان، منهم: الشيخ علي اليزدي، والميرزا علي أصغر الشريف، والحاج حسين نظام الدين الكجوئي، والسيد أبي القاسم الدهكري.
تعليم الفقه والأصول والعلوم العقلية
بعد أن تمت تعاليمها للمقدمات والسطوح، بدأت بتعليم الفقه والأصول والعلوم العقلية لدى كبار العلماء كالشيخ محمد رضا الاصفهاني، والسيد محمد النجف آبادي، والسيد علي النجف آبادي، الذي استفادت السيدة المجتهدة منه أكثر استفادتها في تلك المرحلة من حياتها العلمية.
الوصول إلى مرتبة الاجتهاد
حينما بلغت الأربعين من عمرها كانت قد أتمت دراستها الإسلامية ، ووصلت إلى مرحلة عالية تؤهلها لاستنباط الأحكام الشرعية. فعند ذلك ذهبت إلى كبار العلماء والمراجع لكي يمتحنوها في مرتبة الاجتهاد.
فقد امتحنوها، وأجابت على أسئلتهم بأجوبة قوية كانت دالة على نيلها مرتبة الاجتهاد. ولذلك، كتبوا لها كتابًا يصرحون فيه بوصولها إلى مرتبة الاجتهاد في العلوم الدينية، واستنباط الأحكام الشرعية من الأدلة الدينية.
من العلماء الذين صرحوا بنيل السيدة نصرت أمين إلى درجة الاجتهاد هم: السيد أبي الحسن الاصفهاني، والسيد الاصطهباناتي، والشيخ محمد كاظم الشيرازي، والشيخ عبدالكريم الحائري اليزدي، مؤسس الحوزة العلمية في مدينة قم المقدسة.
الاستدامة في تعليم العلوم الدينية رغم المشكلات والمصاعب
إن السيدة المجتهدة نصرت أمين استمرت في تعليم العلوم الدينية وحازت بمرتبة الاجتهاد رغم المشاكل الموجودة في المجتمع في ذلك الزمان ورغم المصاعب والابتلائات التي وردت عليها في أهلها وعائلتها.
فكل هذه العلوم درستها وهي داخل بيتها، ولم تخرج منه إلا للضرورات. وقد نقل أستاذها السيد علي النجف آبادي أنه سمع بوفاة طفل لها، فظن أنها ستنقطع عن الدرس لمدة طويلة حدادًا عليه، كما تقتضيه عواطف الأمهات، ولكن خادمها جاءه بعد يومين يطلب منه الاستمرار في الدرس. فتعجب الأستاذ من هذا الالتزام بالدرس والمقاومة الروحية في الشدائد والمصائب.
تدريس العلوم الدينية والمباحثة مع العلماء
قد قضت هذه العالمة الجليلة النصف الثاني من عمرها في التدريس والإفادة وتربية الطالبات الحوزويات، وأصبح بيتها في أصفهان منتدى ومجمعًا للنساء اللاتي يفدن إليها لغرض التعلم والاستفادة مما آتاها الله سبحانه وتعالى من العلم والمعرفة، والاستشارة في أمور دينهن، وما ألقي على عاتقهن من المسؤوليات.
واشتهرت شهرة كبيرة في آفاق إيران وغيرها من المراكز العلمية، وعرفها كبار العلماء والفقهاء. وأصبحت لها معهم علاقات وثيقة من حيث الأمور العلمية، حيث كانوا يأتون إلى بيتها ليتباحثوا معها في العلوم الإسلامية، أو يراسلوها مستفسرين عن رأيها في بعض الأحكام الشرعية. ومنهم المفسر السيد محمد حسين الطباطبائي صاحب تفسير الميزان، والفيلسوف الشيخ محمد تقي الجعفري، والعلامة الشيخ عبد الحسين الأميني.
أساتيذها في السطوح والفقه والأصول والحديث وإجازاتها
قد ظهر مما قلنا أن أساتيذها كانوا: السيد إبراهيم الحسيني الشيرازي الاصطهباناتي: منحها إجازة ورواية في شهر صفر سنة 354 للهجرة.
السيد أبو الحسن الأصفهاني: منحها إجازة اجتهاد.
السيد أبو القاسم الدهكردي: قرأت عليه بعض المقدمات الأدبية وأوائل الفقه والأصول.
الحاج حسين نظام الدين الكجوئي: قرأت عليه أوائل الفقه والأصول والعلوم العقلية.
السيد شهاب الدين المرعشي النجفي: منحها إجازة اجتهاد ورواية.
الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي: منحها اجازة اجتهاد ورواية.
الميرزا علي أصغر الشريف: قرأت عليه بعض المقدمات الأدبية وجانباً من أوائل الفقه والأصول وأوليات العلوم العقلية.
السيد علي النجف آبادي: تتلمذت عليه في العلوم العقلية والفقه والأصول العاليين، وهو أكثر من استفادت منه علماً وعملاً.
الشيخ علي اليزدي، المعروف بالحاج آخوند: قرأت عليه بعض المقدمات الأدبية وجانباً من أوائل الفقه والأصول وأوليات العلوم العقلية.
الشيخ محمد رضا أبو المجد الأصفهاني: حضرت بحثه العالي، ومنحها إجازة رواية.
الشيخ محمد كاظم الشيرازي: منحها إجازة اجتهاد ورواية.
السيد محمد النجف آبادي: حضرت بحثه العالي.
الشيخ مرتضى المظاهري الأصفهاني: حضرت بحثه العالي ودرست أكثر علومها عليه.
وقد نظم المرحوم آية الله الاصطهباناتي لها شعرا حيث قال:
فلو کنّ النّساء کمثل هذه
لفضّلت النّساء علی الرّجال
فلا التّانیث لإسـم الشـّمس عار
و لا التّذکیر فخر للهلال (1).
قال عنها السيد شهاب الدين المرعشي النجفي في كتابه الإجازة الكبيرة: « العالمة الجليلة المحدثة المتكلمة الفقيهة الأصولية والحكيمة ذات المؤلفات الكثيرة « (2).
وقال السيد المرعشي في كتاب المسلسلات في الإجازات: « هذه المرأة الجليلة تعدُّ من نوابغ عصرنا وأغاليظ الدهر، ألفيتها عالمة متبحرة في العقليات والسمعيات....وأمر هذه الشريفة مما يقضى منه العجب في هذا العصر، فهي فريدة العصور ونادرة الدهور، حجة على نساء العصر، وآية لبارئ الدهر، والغريب في أمرها مع قيامها بأمر الزوجية وإدراة المنزل وتربية الأطفال، نالت هذه المراتب السامية العالية « (3).
تلامذة السيدة المجتهدة نصرت أمين وإعطائها إجازة الاجتهاد والرواية
تلمذت نساء عدة ورجال كثيرون عند السيدة المجتهدة نصرت أمين، وترعرعوا عندها وتعلموا العلوم الدينية كالفقه والأصول والحديث. منهم: افتخار أمين: صاحبة كتاب « أربعين حديث أمينا أو سبعمئة وعشرون موعظة».
الشيخ زهير الحسون منحته إجازة ورواية قبيل وفاتها بفترة قصيرة.
السيدة زينة السادات همايوني: تتلمذت عليها ولازمتها قرابة نصف قرن، وهي من أخص تلميذاتها، منحتها إجازة رواية في السابع من رمضان 1355 للهجرة.
السيد شهاب الدين المرعشي النجفي: منحته إجازة رواية في محرم 1358 للهجرة.
السيد عباس الكاشاني: منحته إجازة رواية في جمادى الآخرة سنة 1383 للهجرة.
الشيخ عبد الحسين الأميني: صاحب كتاب الغدير منحته إجازة رواية.
الشيخ عبدالله السبيتي: منحته إجازة رواية.
العلوية فخر السادات الأبطحي: تتلمذت عليها فترة طويلة من الزمن.
السيد محمد علي الروضاتي: منحته إجازة رواية.
السيد محمد علي القاضي التبريزي: منحته إجازة رواية.
مؤلفاتها
1) الأربعين الهاشمية، وهو أوّل مؤلفاتها ، انتهت من تأليفه في التاسع من محرم سنة 1355 للهجرة، طبع عدة مرات وهو باللغة العربية، وقامت السيدة همايوني بترجمته إلى اللغة الفارسية.
2) الأخلاق وراء سعادة البشر، باللغة الفارسية طبع ثلاث مرات في إيران.
3) اقتباس وترجمة تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق لإبن مسكويه، انتهت منه في19 من رجب سنة 1368 للهجرة وطبع في إيران.
4) حاشية الأسفار
5) حاشية فرائد الأصول
6) حاشية المكاسب للشيخ الأنصاري
7) روش خوشبختي وتوصية به خواهران إيماني، فارسي، طبع سبع مرات في إيران.
8) سير والسلوك در روش أولياء وطريق سير السعداء، طبع ثلاث مرات في إيران.
9) مخزن العرفان في تفسير القرآن، يقع في خمسة عشر مجلد، طبع عدة مرات.
10) مخزن اللآلي في مناقب مولى الموالي، طبع مرتين.
11) معاد يا آخرين سير بشر، طبع أولا في طهران سنة 1369 للهجرة، وبعد ثمان سنوات طبع في تبريز سنة 1377 للهجرة.
12) النفحات الرحمانية في الواردات القلبية، عربي طبع في أصفهان مع مقدمة الشيخ عبدالله السبيتي العاملي وبعض إجازات مشايخها.
خدماتها ومشاريعها الخدمية
إن السيدة نصرت أمين وُلدت في عائلة ثرية، ولذلك قامت بخدمة الناس وأطلقت مشاريع خدمية متعددة، منها: تأسيس مدرسة متوسطة للإناث عام 1965 ميلاديًا، وتأسيس معهد فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) عام 1965 ميلاديًا. وكان هذا المعهد يدرس الفقه والأصول والحكمة والعرفان والفلسفة والأخلاق. كما كانت تقوم بتدريس العلوم الدينية والتفسير في مركز التبليغ والتعليم الديني، وإلقاء دروس أسبوعية.
1) أعلام النساء المؤمنات ( للشيخ محمد الحسون وأم علي المشكور) / المجلد: 1 / الصفحة: 751 / الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر – طهران / الطبعة: 2.
2) الإجازة الكبيرة (للسيد شهاب الدين المرعشي النجفي) / المجلد: 1 / الصفحة: 245 / الناشر: مكتبة السيد المرعشي النجفي – قم / الطبعة: 1.
3) أعلام النساء المؤمنات ( للشيخ محمد الحسون وأم علي المشكور) / المجلد: 1 / الصفحة: 246 / الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر – طهران / الطبعة: 2.
التعلیقات