يوم الصحة العالمي ووجهة نظر الإسلام
السيد حسين الهاشمي
منذ 4 أياميُعتبر يوم الصحة العالمي، الذي يُحتفل به في السابع من أبريل من كل عام، مناسبةً عالمية تهدف إلى تعزيز الوعي بالقضايا الصحية التي تؤثر على المجتمعات البشرية. تُسلط الأضواء في هذا اليوم على أهمية الصحة العامة، وتُطرح الموضوعات المتعلقة بالأمراض، والتغذية، والرعاية الصحية، والصحة النفسية. وقد أُسس هذا اليوم من قِبل منظمة الصحة العالمية في عام 1948، ليكون منصةً عالمية لمناقشة وتبادل الأفكار حول كيفية تحسين الصحة العامة وتعزيز الرفاهية.
من منظور الإسلام، تُعتبر الصحة من النعم الكبرى التي أنعم الله بها على البشر، وتُعَدُّ المحافظة عليها واجبًا دينيًا وأخلاقيًا. يولي الإسلام أهمية كبيرة للصحة البدنية والنفسية، حيث يُعتبر الجسد أمانةً لدى الإنسان، ويجب الحفاظ عليه والاعتناء به. يُحث المسلمون على اتباع نمط حياة صحي، يتضمن التغذية السليمة، وممارسة الرياضة، والابتعاد عن العادات الضارة، مثل التدخين والإفراط في تناول الطعام. تعكس التعاليم الإسلامية أيضًا مفهوم الوقاية كوسيلة لحماية الصحة، حيث يُؤكد القرآن الكريم والروايات المروية عن الأئمة عليهم السلام على أهمية التداوي والابتعاد عن الأسباب التي تؤدي إلى الأمراض. يُظهر هذا التوجه الإسلامي مدى تكامل الدين مع العلوم الصحية، ويبرز أهمية المسؤولية الفردية والمجتمعية في تعزيز الصحة العامة.
في هذ المقالة، سنستعرض كيف يتقاطع مفهوم الصحة في الإسلام مع المبادئ التي يُروّج لها يوم الصحة العالمي، ونناقش كيف يمكن للمسلمين أن يُسهموا في تحقيق أهداف الصحة العامة من خلال تطبيق التعاليم الإسلامية في حياتهم اليومية.
تسمية هذا اليوم وأهدافه
تأسست منظمة الصحة العالمية في 7 أبريل 1948، وهدفها هو تعزيز الصحة، والوقاية من الأمراض، وتحسين جودة حياة الناس في جميع أنحاء العالم. في عام 1950، تم الاحتفال باليوم العالمي للصحة لأول مرة بشكل رسمي، ومنذ ذلك الحين أصبح هذا اليوم حدثًا سنويًا لجذب الانتباه إلى القضايا الصحية وتعزيز الصحة العامة على المستوى العالمي. اختيار تاريخ 7 أبريل كيوم عالمي للصحة يعكس الجهود الدولية لمواجهة الأمراض وتعزيز الصحة العامة.
تسمية يوم الصحة العالمي كيوم خاص للتركيز على القضايا الصحية تُعتبر مهمة للغاية. هذا اليوم يمثل فرصة للحكومات، والمنظمات غير الحكومية، والمجتمع الدولي للتركيز على التحديات الصحية والتعاون لإيجاد حلول فعّالة. كما يُعتبر هذا اليوم منصة لرفع الوعي العام حول أهمية الصحة وتأثيرها على جودة الحياة والتنمية الاجتماعية والاقتصادية في المجتمعات.
يوم الصحة العالمي يوم مهم في جميع الدول العالم ويجب على الجميع أن يهتم به. ومن جملة الأسباب لأهمية هذا اليوم يمكن أن نذكر أن هذا اليوم هو فرصة لجذب الانتباه العام إلى القضايا الصحية وضرورة إجراء تغييرات إيجابية في الأنظمة الصحية. الموضوعات المختلفة التي تُختار كل عام تتناول تحديات الصحة المعاصرة بشكل خاص. وأيضا يوم الصحة العالمي يوفر فرصة للتعاون بين الدول والمنظمات الدولية لحل المشكلات الصحية المشتركة. يمكن أن تشمل هذه التعاونات تبادل المعلومات، والموارد، والخبرات. فمن خلال زيادة الوعي والتعاون، يمكن للدول تعزيز وتحسين أنظمتها الصحية، مما يمكن أن يؤدي بدوره إلى تقليل الأمراض وتعزيز جودة حياة الأفراد.
فيمكننا أن نعرف أن أهداف هذا اليوم هي كالتالي. أحد الأهداف الرئيسية لمنظمة الصحة العالمية هو تعزيز الصحة على مستوى العالم وتقليل عبء الأمراض من خلال تعزيز الوقاية، والعلاج، والرعاية الصحية. كذلك تهدف منظمة الصحة العالمية إلى إنشاء آليات للاستجابة للأزمات الصحية، مثل انتشار الأمراض والأوبئة. لهذا تساعد منظمة الصحة العالمية الدول الأعضاء في وضع سياسات صحية فعالة تستند إلى الأدلة العلمية وأفضل الممارسات. وأيضا أحد أهم الأهداف لهذا اليوم هو التركيز على الفئات الضعيفة وتحسين وصولهم إلى الخدمات الصحية.
دور الإسلام في الصحة ونصائحه
عندما نراجع الآيات الكريمة والروايات المروية عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الطاهرين عليهم السلام نرى أنه يوجد حثّ كبير على مسألة الصحة والمراقبة. فالإسلام أكمل دين نزل من قبل الله سبحانه وتعالى والصحة الشخصية والاجتماعية من أهم الأمور في حياة البشر، بل في حياة جميع الخلائق. لأن كيفية حياة البشر ومقدار الصحة والمراقبة الاجتماعية للبشر، تأثر على حياة باقي الموجودات في الكرة الأرضية.
قال الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: ﴿ كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ (1). وأيضا يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ (2). وكذلك يقول في موضع آخر:﴿ سْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ... الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ﴾ (3). وأيضا يقول:﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ (4).
وقد روي عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: « تنظّفوا بكلّ ما استطعتم فإنّ اللّٰه تعالى بنى الإسلام على النّظافة و لن يدخل الجنّة إلاّ كلّ نظيف » (5).
وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: « قال أميرالمؤمنين عليه السلام: النَّظِيفُ مِنَ الثِّيَابِ يُذْهِبُ الْهَمَّ وَ الْحَزَنَ وَ هُوَ طَهُورٌ لِلصَّلَاةِ » (6). وقال أميرالمؤمنين عليه السلام: « نِعْمَ الْبَيْتُ الْحَمَّامُ تُذَكَّرُ فِيهِ النَّارُ وَ يَذْهَبُ بِالدَّرَنِ » (7). وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: « إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ الْجَمَالَ وَ التَّجْمِيلَ، وَ يَكْرَهُ الْبُؤْسَ وَ التَّبَاؤُسَ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ إِذَا أَنْعَمَ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً أَحَبَّ أَنْ يَرَى عَلَيْهِ أَثَرَهَا. قِيلَ: وَ كَيْفَ ذَلِكَ قَالَ: يُنَظِّفُ ثَوْبَهُ، وَ يُطَيِّبُ رِيحَهُ، وَ يُجَصِّصُ دَارَهُ، وَ يَكْنُسُ أَفْنِيَتَهُ، حَتَّى إِنَّ السِّرَاجَ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّمْسِ يَنْفِي الْفَقْرَ، وَ يَزِيدُ فِي الرِّزْقِ » (8).
ابتعاد الدول الإسلامية عن التعليمات الصحية
الدول الإسلامية، بوصفها مجتمعات تلتزم بمبادئ وتعاليم الدين الإسلامي، ملزمة بالاهتمام بالمبادئ الصحية والصحة التي وردت في القرآن والروايات. ومع ذلك، فإن هناك فجوة ملحوظة في كثير من هذه الدول بين التعليمات الدينية والسلوكيات الاجتماعية والصحية. يمكن أن تؤدي هذه الفجوة إلى تأثيرات سلبية كبيرة على حالة صحة المجتمع.
هناك أسباب متعددة لهذه الفجوة. أحد الأسباب الرئيسية للفجوة بين الدول الإسلامية وتعليمات الدين المتعلقة بالصحة هو نقص التعليم والوعي الكافي حول هذه التعليمات. يعاني العديد من المسلمين، بسبب عدم الوصول إلى مصادر موثوقة وتعليمية في مجال الصحة الإسلامية، من عدم القدرة على فهم المبادئ الصحية بشكل صحيح وتطبيقها في حياتهم اليومية. وأيضا في بعض المجتمعات الإسلامية، قد تسود المعتقدات التقليدية والخرافية على العلم والمعرفة الطبية. يمكن أن يؤدي ذلك إلى تجاهل الكثير من التوصيات العلمية والصحية التي لا تتعارض مع التعليمات الدينية. وكذلك تواجه العديد من الدول الإسلامية تحديات اقتصادية واجتماعية قد تؤثر سلبًا على حالة الصحة وصحة المجتمع. يمكن أن تؤدي الفقر، والبطالة، وعدم المساواة الاجتماعية إلى تقليل الوصول إلى الخدمات الصحية والتعليم الصحيح في مجال الصحة. في بعض الدول الإسلامية، لا توجد بنية تحتية صحية وعلاجية ملائمة. يمكن أن يؤدي نقص المستشفيات، والمراكز الصحية، والكوادر الطبية المدربة إلى عدم الوصول إلى خدمات صحية مناسبة. وكل هذا يؤدي إلى إيجاد فجوة بين الدول الإسلامية والتعلميات الصحية.
تأثير الفجوة بين الدول والصحة في حال صحة المجتمع
يمكن أن تؤدي الفجوة بين الدول الإسلامية وتعليمات الدين المتعلقة بالصحة إلى زيادة انتشار الأمراض. فإن عدم الالتزام بالمبادئ الصحية مثل النظافة الشخصية، والتغذية السليمة، والوقاية من الأمراض يمكن أن يسهم في انتشار الأمراض المعدية وغير المعدية.
يمكن أن يؤثر عدم الانتباه إلى التعليمات الدينية في مجال الصحة النفسية سلبًا على المجتمع. فإن عدم وجود الهدوء الروحي والنفسي، والضغط النفسي، يمكن أن يؤدي إلى ظهور مشاكل نفسية واجتماعية تؤثر ليس فقط على الفرد، بل أيضًا على المجتمع بأسره.
مع تزايد الأمراض والمشاكل الصحية، تزداد تكاليف العلاج بشكل كبير. يمكن أن يؤدي ذلك إلى تحميل الحكومات والعائلات عبئًا ماليًا ثقيلاً، مما يزيد من الفقر وعدم المساواة الاجتماعية. ولهذا يمكن أن تؤدي الفجوة عن التعليمات الدينية المتعلقة بالصحة إلى انخفاض جودة حياة الأفراد والمجتمعات. فإن عدم الوصول إلى خدمات صحية مناسبة، وارتفاع نسبة الأمراض، والمشاكل النفسية يمكن أن تؤثر سلبًا على السعادة والرفاهية العامة.
تُعد الفجوة بين الدول الإسلامية وتعليمات الدين المتعلقة بالصحة تحديًا خطيرًا يحتاج إلى اهتمام وإجراءات عاجلة. من خلال زيادة الوعي، والتعليم، وتحسين البنية التحتية الصحية، يمكن تقليل هذه الفجوة والمساعدة في تعزيز صحة المجتمع. إن الالتزام بالمبادئ الإسلامية في مجال الصحة يمكن أن لا يساعد فقط في تحسين حالة صحة الأفراد، بل يمكن أن يؤدي أيضًا إلى تعزيز جودة الحياة والرفاهية العامة في المجتمعات الإسلامية.
في النهاية، يمكن أن يُنظر إلى الربط بين الدين والعلم في مجال الصحة كحلّ فعال لتحسين الظروف الصحية في الدول الإسلامية.
1) سورة القرة / الآية: 57.
2) سورة البقرة / الآية: 168.
3) سورة المائدة / الآية: 4 و 5.
4) سورة البقرة / الآية: 222.
5) نهج الفصاحة (لأبي القاسم باينده) / المجلد: 1 / الصفحة: 391 / الناشر: دنيا دانش – طهران / الطبعة: 1.
6) الكافي (للشيخ الكليني) / المجلد: 6 / الصفحة: 444 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 4.
7) من لا يحضره الفقيه (للشيخ الصدوق) / المجلد: 1 / الصفحة: 115 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 2.
8) الأمالي (للشيخ الطوسي) / المجلد: 1 / الصفحة: 275 / الناشر: دار الثقافة – قم / الطبعة: 1.
التعلیقات