الإمام الكاظم عليه السلام أسوة للتربية الدينية وأسلوب الحياة الإسلامية
السيد حسين الهاشمي
منذ 12 ساعةمع حلول شهر ذي الحجة من كلّ عام يحين ذكرى ميلاد الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام. ولد الإمام الكاظم عليه السلام في 20 من شهر ذي الحجة سنة 128 للهجرة في مدينة أبواء بين المكة والمدينة (1). وهو ابن الإمام جعفر الصادق عليه السلام وأمه السيدة حميدة المصفّاة، من خيار النساء في زمانها. (2). تميز الإمام الكاظم بلقب الكاظم لكثرة حلمه وكظمه للغيظ، ولقب بـباب الحوائج لشدة ما عرف عنه من قضاء الحوائج وحنوه على الناس (3).
في رحاب مولد الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام، سابع أئمة أهل البيت عليهم السلام، تتجلى معاني النور والهداية والرحمة. ولا يخفى أن حياة الإمام الكاظم عليه السلام لم تكن حكرًا على العبادة والعلم والزهد فحسب، بل امتدت لتشمل أدق تفاصيل الحياة اليومية، خاصةً في مجال الأسرة، حيث قدّم نموذجًا حيًّا للأب الرحيم، والمربي الحكيم، والركن الثابت الذي تُبنى عليه الأسرة الصالحة.
لهذا قررنا أن نكتب لكم حول التربية الدينية وأسلوب الحياة الإسلامية للإمام الكاظم عليه السلام.
المحبة والرحمة في الأسرة
المحبّة هي شعور عميق بالارتباط والمودّة بين الأفراد، تُعبّر عن الاهتمام الصادق والحنان المتبادل، في حين أن الرحمة تمثّل القدرة على الإحساس بمعاناة الآخرين والرغبة الصادقة في التخفيف عنهم ومساعدتهم. وتُسهم المحبّة في خلق بيئة إيجابية داعمة، تُنمي القيم الأخلاقية لدى الأطفال، مما يعزز قدرتهم على مواجهة تحديات الحياة بثقة وتوازن. وللرحمة مصاديق متعددة يمكن أن نجد البعض منها في كلام الإمام الكاظم عليه السلام. مثل التوسعة على العيال تُعدّ من أبرز مظاهر الرحمة والمحبّة في الأسرة. فقد روي عن الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام: « ينبغي للرجل أن يوسع على عياله لئلا يتمنوا موته وتلا هذه الآية ﴿ ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ﴾ (4)، قال: الاسير عيال الرجل ينبغي إذا زيد في النعمة أن يزيد أسراءه في السعة عليهم » (5). وأيضا يمكننا أن نجد مصاديقا للمحبة والرحمة للأطفال في كلمات الإمام الكاظم عليه السلام. حيث روي عنه عليه السلام: « يستحب غرامة الغلام في صغره ليكون حليما في كبره » (6). والغرامة تعني تحميل الصبي بعض الأمور الشاقّة، وهذا من مظاهر المحبّة والرحمة تجاه الطفل؛ لأن تعويده على الغرامة في الصغر يُسهم في أن يكون حليمًا عند الكِبَر، كما ورد عن الإمام الكاظم عليه السلام.
التربية والتعليم العملي والقولي
الأسرة هي المدرسة الأولى، وفيها يبدأ التعليم العملي. فلو أراد الأب تعليم الصدق، فعليه أن يكون صادقًا. ولو أرادت الأم أن تعلّم الاحترام، فعليها أن تحترم أبناءها وتستمع إليهم. وقد روي في هذا السياق رواية عن الإمام الكاظم عليه السلام: « إذا وعدتم الصغار فأوفوا لهم ، فانهم يرون أنكم أنتم الذين ترزقونهم ، وإن الله لا يغضب بشيء كغضبه للنساء والصبيان » (7).
بالإضافة إلى التربية والتعليم العملي، ينبغي على الآباء أن يذكّروا أسرهم وأبناءهم بالأوامر والنواهي الإلهية، التي جاء بها الشرع الحنيف من عند الله تعالى. فقد قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ (8). وفي هذا السياق قال الإمام الكاظم عليه السلام لبعض ولده: « يا بني إياك أن يراك الله في معصية نهاك عنها. وإياك أن يفقدك الله عند طاعة أمرك بها. وعليك بالجد. ولا تخرجن نفسك من التقصير في عبادة الله وطاعته، فإن الله لا يعبد حق عبادته. وإياك والمزاح، فإنه يذهب بنور إيمانك ويستخف مروتك. وإياك والضجر والكسل، فإنهما يمنعان حظك من الدنيا والآخرة » (9).
العطاء والإفراج عن الأسرة
الإفراج على الأسرة في الأمور المادية والدنيوية وإعطاء الناس الأموال والطعام وغيرها، من الأمور الجميلة والحسنة التي أمر الله تعالى بها. فقد قال الله تعالى: ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ (10). وكذلك كان الإمام الكاظم عليه السلام. فنرى أنه عليه السلام أولم لميلاد ولده ثلاثة أيام. فقد روى علي بن الحكم: « أَوْلَمَ أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى عليه السلام وَلِيمَةً عَلَى بَعْضِ وُلْدِهِ فَأَطْعَمَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ الْفَالُوذَجَاتِ فِي الْجِفَانِ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْأَزِقَّةِ. فَعَابَهُ بِذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. فَبَلَغَهُ عليه السلام ذَلِكَ فَقَالَ: مَا آتَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيّاً مِنْ أَنْبِيَائِهِ شَيْئاً إِلَّا وَقَدْ آتَى مُحَمَّداً صلى الله عليه وآله مِثْلَهُ وَزَادَهُ مَا لَمْ يُؤْتِهِمْ. قَالَ لِسُلَيْمَانَ عليه السلام: هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ وَقَالَ لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا » (11).
كان الإمام الكاظم عليه السلام يجيز في بيئة الأسرة الاستمتاع بالنِّعم الطبيعية والزينة الحلال، ما لم يؤدِّ ذلك إلى الترف والإسراف. فقد روى يونس بن يعقوب حول الإمام الكاظم عليه السلام: « أَنَّهُ رَأَى عَلَى جَوَارِي أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عليه السلام الْوَشْيَ (12)» (13).
احترام الوالدين
في الإسلام، يُعتبر الوالدان هما سبب وجود الأبناء في هذه الحياة، وقد أوجب الله تعالى على الأبناء احترامهما وطاعتهما، إلا في ما لا يتعارض مع أوامر الله. وقد روي عن الإمام الكاظم عليه السلام: « سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما حق الوالد على ولده؟ قال : لا يسميه باسمه ، ولا يمشي بين يديه ، ولا يجلس قبله ، ولا يستسب له » (14). احترام الوالدين من الأسباب الرئيسية لنيل رضا الله تعالى. فعندما يُحسن الأبناء إلى والديهم، فإن ذلك يُقربهم من الله ويزيد من حسناتهم. وكذلك بر الوالدين من أسباب بركة الحياة وطول العمر. وقد روي عن الإمام الكاظم عليه السلام: « أفضل ما يقترب به العبد إلى الله بعد المعرفة به الصلاة وبر الوالدين وترك الحسد والعجب والفخر » (15).
إعداد الأولاد للعمل في المجتمع
إنّ الأولاد ما لم يبلغوا النضج الشرعي والعقلي والاجتماعي فإنّهم بحاجة إلى رعاية الوالدين وتوجيههم. وإنّ تهيئة البيئة المناسبة لوصول الأبناء إلى مكانة اجتماعية لائقة تُعدّ من مسؤوليات الوالدين تجاه أبنائهم. ولتحقيق هذا الهدف، ينبغي على الوالدين أن يعينوا أبناءهم في اختيار المهنة المناسبة. فكم من أبناءٍ انحدروا إلى وظائف وضيعة وسلبية نتيجة إهمال الوالدين، وحُرموا من مواقع اجتماعية كريمة بسبب افتقارهم إلى الإرشادات النافعة، فكان مصيرهم الذلّ والانحطاط، وأصبحوا مصدر عار وهوان لآبائهم. ولهذا روى الإمام الكاظم عليه السلام هذه الرواية عن جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: « جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول اللّه قد علّمت ابني هذا الكتاب ففي أيّ شيء اسلمه؟ فقال: أسلمه للّه أبوك و لا تسلمه في خمس. لا تسلمه سيّاء و لا صائغا و لا قصابا و لا حنّاطا و لا نخّاسا، فقال: يا رسول اللّه و ما السيّاء؟ قال: الذي يبيع الأكفان و يتمنّى موت أمّتي » (16).
السفر والتربية
توفر السفرات العائلية للأسرة فرصة لظهور القابليات وللتعرف على نقاط الضعف والقوة لدى الاطفال ويمكن للرحلات العائلية أن تكون ذات أثر تربوي لأنها تساهم في إدخال البهجة والحيوية على أفراد الأسرة. وفي هذا السياق نرى أن الإمام الكاظم عليه السلام كان يصاحب عائلته وأقربائه معه في بعض سفراته. فقد روى علي بن جعفر: « خرجنا مع أخي موسى بن جعفر عليهما السلام في أربع عمر يمشي فيها إلى مكة بعياله وأهله ، واحدة منهن مشى فيها ستة وعشرين يوما ، وأخرى خمسة وعشرين يوما ، وأخرى أربعة وعشرين يوما وأخرى أحدا وعشرين يوما » (17).
1) إثبات الوصية (لعلي بن الحسين المسعودي) / المجلد: 1 / الصفحة: 356 / الناشر: نشر أنصاريان – قم / الطبعة: 1.
2) الإرشاد (للشيخ المفيد) / المجلد: 2 / الصفحة: 512 / الناشر: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث – قم / الطبعة: 1.
3) الإرشاد (للشيخ المفيد) / المجلد: 2 / الصفحة: 236 / الناشر: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث – قم / الطبعة: 1.
4) سورة الإنسان / الآية: 8.
5) وسائل الشيعة (للشيخ حر العاملي) / المجلد: 21 / الصفحة: 540 / الناشر: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث – قم / الطبعة: 2.
6) وسائل الشيعة (للشيخ حر العاملي) / المجلد: 21 / الصفحة: 479 / الناشر: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث – قم / الطبعة: 2.
7) بحار الأنوار (للعلامة محمد باقر المجلسي) / المجلد: 104 / الصفحة: 73 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 2.
8) سورة التحريم / الآية: 6.
9) تحف العقول (لإبن شعبة الحراني) / المجلد: 1 / الصفحة: 409 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 2.
10) سورة الأعراف / الآية: 32.
11) الكافي (لمحمد بن يعقوب الكليني) / المجلد: 6 / الصفحة: 281 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – قم / الطبعة: 1.
12) الوشى- بفتح الواو و كسر الشين المعجمة-: نقش الثوب و يكون من كل لون.
13) الكافي (لمحمد بن يعقوب الكليني) / المجلد: 6 / الصفحة: 452 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – قم / الطبعة: 1.
14) بحار الأنوار (للعلامة محمد باقر المجلسي) / المجلد: 74 / الصفحة: 45 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 2.
15) تحف العقول (لإبن شعبة الحراني) / المجلد: 1 / الصفحة: 391 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 2.
16) تهذيب الأحكام (للشيخ الطوسي) / المجلد: 6 / الصفحة: 362 / الناشر: دار الكتب العلمية – طهران / الطبعة: 4.
17) بحار الأنوار (للعلامة محمد باقر المجلسي) / المجلد: 48 / الصفحة: 100 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 2.
التعلیقات