آداب شهر محرّم وضرورة تعريف الأطفال به
السيد حسين الهاشمي
منذ يومإنّ شهر محرّم الحرام يُعدّ من أهمّ الشهور في السنة بالنسبة إلى جميع المؤمنين الموالين لأهل البيت عليهم السلام، إذ شهد هذا الشهر استشهاد سبط الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، الإمام الحسين عليه السلام، مع ثلّة من أهل بيته وأصحابه الأوفياء. ويشكّل هذا الشهر فرصة لا تُعوّض لتربية الأطفال تربية دينية سليمة، ولتعزيز ارتباطهم – هم والجيل القادم – بالمضامين والقيم المذهبية والدينية. وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: « إن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها » (1). فينبغي علينا أن نغتنم هذه الفرصة، خصوصًا العشرة الأُوَل من شهر محرّم الحرام، لكي نربط أطفالنا وحياتنا بالأئمة المعصومين عليهم السلام، وخصوصًا بالإمام الحسين عليه السلام. لأننا حينما نراجع الروايات المروية عن المعصومين عليهم السلام نرى أنّ الإرتباط المعنوي والعاطفي بين الشيعة وبين الإمام الحسين عليه السلام يتمييز عن باقي الأئمة وذلك لما جرى على سيد الشهداء عليه السلام في واقعة الطف الأليمة. من هذه الروايات ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام: « نظر النبيّ صلّى الله عليه وآله إلى الحسين بن علي عليهما السلام وهو مقبل، فأجلسه في حجره وقال: إنّ لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبدا. ثمّ قال عليه السلام: بأبي قتيل كلّ عبرة، قيل: وما قتيل كلّ عبرة يا بن رسول الله؟ قال: لا يذكره مؤمن إلّا بكى » (2).
أهمية شهر محرم الحرام
شهر محرم الحرام من الأشهر الحرم التي حرّم الله فيه القتل والقتال حيث قال تعالى: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ (3). وفي هذا الشهر وقعت فاجعة كربلاء، التي شكّلت محطة فارقة في تاريخ الأمة الإسلامية، ومثّلت رمزًا للثبات على الحق ومواجهة الظلم. وقد قال الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام لإبن شبيب في روايته المشهورة: « يا ابْنَ شَبِيبٍ اِنَّ الْمُحَرَّمَ هُوَ الشَّهْرُ الَّذِي کَانَ اَهْلُ الْجَاهِلِيةِ فِيمَا مَضَی يحَرِّمُونَ فِيهِ الظُّلْمَ وَ الْقِتَالَ لِحُرْمَتِهِ فَمَا عَرَفَتْ هَذِهِ الْاُمَّةُ حُرْمَةَ شَهْرِهَا وَ لَا حُرْمَةَ نَبِيهَا صلی الله عليه وآله وسلّم لَقَدْ قَتَلُوا فِي هَذَا الشَّهْرِ ذُرِّيتَهُ وَ سَبَوْا نِسَاءَهُ وَ انْتَهَبُوا ثَقَلَهُ فَلَا غَفَرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِکَ اَبَداً » (4).
أهمية معرفة الأطفال بشهر محرم الحرام
إنّ تعريف الأطفال بأحداث كربلاء، كالثبات على المبادئ والصبر والشجاعة والتضحية في سبيل الحق يُعدّ وسيلة فعّالة لتربية جيل مؤمن وواعٍ بقضايا أمته. من خلال مشاركة الأطفال في المجالس والمناسبات المرتبطة بمحرّم، يتعرّفون على تاريخهم الديني ويشعرون بالانتماء لمذهبهم ومجتمعهم. فعندما يسمع الطفل قصة الإمام الحسين عليه السلام وموقفه البطولي، يتعلّم كيف يفرّق بين الحق والباطل، ويُدرك أهمية الوقوف مع المظلوم.
لهذا يجب أن نستخدم طرقا مختلفة لكي نربط الأطفال بشهر محرم الحرام وعزاء سيد الشهداء عليه السلام. مثل استخدام لغة مناسبة لأعمار الأطفال في شرح أحداث كربلاء دون الدخول في مشاهد العنف المفرط. كالرسم، التلوين، أو التمثيل البسيط لبعض المواقف الإنسانية من كربلاء. وكالمشاركة في المجالس المختصة بالأطفال حيث تُقدَّم المواعظ والقصص بصيغة مبسّطة ومشوقة.
دور الأسرة في نقل المفاهيم العاشورائية إلى الجيل الجديد
للمفاهيم العاشورائية أهمية كبيرة في تربية الأطفال. لأنها تمثل مدرسة متكاملة في الصبر في مواجهة الشدائد والإيثار والتضحية وقول الحق ولو على النفس والوقوف بوجه الظلم والانحراف. هذه القيم ليست محصورة بزمن الإمام الحسين عليه السلام، بل هي حاجة مستمرة في حياة كل إنسان حر وشريف، لذا فإن غرسها في الأطفال والناشئة يُعدّ ضرورة تربوية وأخلاقية.
وهنا يأتي دور الأسرة في نقل هذه المفاهيم العميقة إلى الجيل الجديد. لأنّ الطفل يتأثر بما يراه أكثر مما يسمعه. حين يرى الأهل يحيون شعائر عاشوراء بخشوع ووعي، ويتحدثون عن الإمام الحسين عليه السلام بمحبة وفخر، يُصبح ذلك جزءًا من وجدانه. وأيضا يمكن للعوائل سرد القصص والحكايات التربوية بشأن شهر محرم الحرام وواقعة عاشوراء الأليمة. مثل أنّ حرمة هذا الشهر لم تحفظ من قبل أعداء أهل البيت عليهم السلام وتسببوا بفاجعة أليمة. فقد روي عن الإمام الرضا عليه السلام: « إن المحرم شهر كان أهل الجاهلية يحرمون فيه القتال، فاستحلت فيه دماؤنا، وهتكت فيه حرمتنا، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا، وأضرمت النيران في مضاربنا، وانتهب ما فيها من ثقلنا، ولم ترع لرسول الله صلى الله عليه وآله حرمة في أمرنا. إن يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذل عزيزنا، بأرض كرب وبلاء، أورثتنا الكرب والبلاء، إلى يوم الانقضاء » (5).
الاستعدادات المعنوية لاستقبال شهر محرم في أجواء البيت
يوجد نوعين من الاستعدادات لاستقبال شهر محرم في أجواء البيت. الاستعدادات الروحية والاستعدادات العملية.
الاستعدادات الروحية تشمل تهيئة الأجواء الروحية والنفسية مثل التحدّث مع أفراد الأسرة حول قدوم هذا الشهر وخصوصيته و تشجيع أفراد العائلة على نية الالتزام بالشعائر ومجالس الذكر. وأيضا تشمل تزيين البيت بعلامات الحزن والولاء لأهل البيت عليهم السلام. مثل تعليق الرايات السوداء أو اللوحات التي تحمل اسم الإمام الحسين عليه السلام و خلق جوّ بصريّ يوحي بالخشوع ويُشعر الجميع بخصوصية الأيام.
الاستعدادات العملية تشمل إحياء المجالس العائلية كتنظيم مجلس حسيني يومي أو أسبوعي في البيت يتضمّن تلاوة آيات، زيارة عاشوراء، ومجالس رثاء قصيرة وتشجيع الأطفال على الحضور والمشاركة. وأيضا مثل قراءة زيارة عاشوراء والدعاء مع أفراد الأسرة والاستماع للخطب والمجالس الحسينية معا. فإنّ تخصيص وقت لمتابعة المجالس الحسينية من القنوات أو الإنترنت كمجموعة عائلية من أهم الأمور في تربية الأطفال بشكل جيّد.
وهنا بعض النصائح العملية الجيدة للوالدين في التربية الدينية للأطفال. منها أن تبدأ بنفسك. الوالدان هما النموذج الأعلى للطفل، فكونا كما تريدان لطفلكما أن يكون. ومنها تبسيط المفاهيم العميقة للأطفال حتى يمكنهم فهمها بصورة جيدة.
محرم الحرام في عيون الأطفال
إنّ الحديث عن واقعة كربلاء، بما فيها من مشاهد الألم والبطولة، يحتاج إلى أسلوب خاص عندما نوجّهه إلى الأطفال. فكيف يمكننا أن ننقل معاني عاشوراء بلغةٍ بسيطة، تُناسب عقولهم الصغيرة، وتُعزّز في نفوسهم الحبّ للإمام الحسين عليه السلام؟
يجب علينا أن نركّز أولا على الجانب المعنوي لواقعة عاشوراء الأليمة. مثل الوفاء والولاء للإمام المعصوم عليه السلام. وأحد أهم الوسائل لنقل المضامين العالية والعميقة للأطفال هي عن طريق القصص والحكايات. مثلا يمكن للأبوين أن ينقلوا لأطفالهم وفاء الأصحاب في ليلة عاشوراء. حيث روي: « وجمع الحسين أصحابه قرب المساء قبل مقتله بليلة فقال: فإنّي لا أعلم أصحاباً أولى ولا خيراً من أصحابي ، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي ، فجزاكم الله عنّي جميعاً... وإنّي قد أذِنت لكم فأنطلقوا جميعاً في حلّ ليس عليكم منّي ذمام. وهذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً... فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه وأبناء عبد الله بن جعفر : لِمَ نفعل ذلك؟ لنبقى بعدك؟! لا أرانا الله ذلك أبداً. بدأهم بهذا القول العبّاس بن علي وتابعه الهاشميّون... وقال مسلم بن عوسجة : أنحن نخلّي عنك؟ وبماذا نعتذر إلى الله في أداء حقّك؟ أما والله ، لا اُفارقك حتّى أطعن في صدورهم برمحي وأضرب بسيفي ما ثبت قائمه بيدي ، ولو لَمْ يكن معي سلاح اُقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة حتّى أموت معك... » (6).
دور الأمهات في التربية الحسينية للأطفال
الأمّ هي الراعية اليومية لحياة الطفل النفسية والعاطفية وأنها الأقرب إلى قلب الطفل، وتملك التأثير الأكبر في سلوكياته. فلهذا للأمّ الدور المحوري في تربية الأطفال. فيمكن للأمّ أن تكون القدوة العملية للأطفال. لأنّ الطفل يتأثّر بما تفعله أمّه أكثر مما يسمعه منها. عندما يرى الأم تبكي على الحسين بخشوع، وتستعدّ لشهر محرّم بوقار، وتشجع على فعل الخير باسم الحسين، فإنّه يتشرّب هذا الولاء. كما يمكن للأمّ أن تقرأ لأطفالها الروايات الجميلة التي تبيّن ثواب البكاء والعزاء على الإمام الحسين عليه السلام، أو ثواب زيارته عليه السلام. مثل قول الإمام الرضا عليه السلام: « يا بن شبيب، إن بكيت على الحسين عليه السلام حتى تصير دموعك على خديك غفر الله لك كل ذنب أذنبته، صغيرا كان أو كبيرا، قليلا كان أو كثيرا. يا بن شبيب، إن سرك أن تلقى الله عز وجل ولا ذنب عليك، فزر الحسين عليه السلام. يا بن شبيب، إن سرك أن تسكن الغرف المبنية في الجنة مع النبي وآله صلوات الله عليهم، فالعن قتلة الحسين. يا بن شبيب، إن سرك أن يكون لك من الثواب مثل ما لمن استشهد مع الحسين عليه السلام فقل متى ما ذكرته: يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما. يا بن شبيب، إن سرك أن تكون معنا في الدرجات العلى من الجنان، فاحزن لحزننا وافرح لفرحنا، وعليك بولايتنا، فلو أن رجلا تولى حجرا لحشره الله معه يوم القيامة » (7).
هذه كانت جملة من الاستعدادات والأمور المهمة في معرفة الأطفال لشهر محرم الحرام وواقعة الطف الأليمة. إذا كان لكم تجارب في تعريف الأطفال بشهر محرم الحرام وتشجيعهم بالاشتراك في عزاء سيد الشهداء عليه السلام أكتبوها لنا في التعليقات.
1) بحار الأنوار (للعلامة محمد باقر المجلسي) / المجلد: 83 / الصفحة: 352 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 2.
2) مستدرك الوسائل (للشيخ حسين النوري) / المجلد: 10 / الصفحة: 318 / الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث – قم / الطبعة: 1.
3) سورة التوبة / الآية: 36.
4) الأمالي (للشيخ الصدوق) / المجلد: 1 / الصفحة: 192 / الناشر: قسم الدراسات الإسلامية مؤسسة البعثة – قم / الطبعة: 1.
5) الأمالي (للشيخ الصدوق) / المجلد: 1 / الصفحة: 190 / الناشر: قسم الدراسات الإسلامية مؤسسة البعثة – قم / الطبعة: 1.
6) مقتل الحسين عليه السلام (للسيد عبدالرزاق المقرم) / المجلد: 1 / الصفحة: 213 / الناشر: مؤسسة البعثة – قم / الطبعة: 1.
7) الأمالي (للشيخ الصدوق) / المجلد: 1 / الصفحة: 192 / الناشر: قسم الدراسات الإسلامية مؤسسة البعثة – قم / الطبعة: 1.
التعلیقات