ربيع الأوّل: شهر الولادة والنور وأعمال المحبّين
الشيخ مهدي المجاهد
منذ 5 ساعاتشهر ربيع الأوّل هو من أعظم الشهور عند الله تعالى، لما اشتمل عليه من أحداث جليلة غيّرت مسار البشرية، وفي مقدّمتها ولادة سيد الكائنات وخاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله، الذي أشرقت بقدومه أنوار الرحمة الإلهية وعمّت بركات السماء والأرض. وفي هذا الشهر أيضاً وقعت الهجرة المباركة التي كانت منعطفاً تاريخياً في بناء الدولة الإسلامية، كما شهد أحداثًا أخرى ترتبط بتاريخ الرسالة وأئمة أهل البيت عليهم السلام.
ولأنّ هذه المناسبات ليست أحداثًا تاريخية فحسب، بل هي دروس حيّة لبناء الإيمان وتقوية العلاقة بالله، كان من الواجب على المؤمن أن يستحضر فضلها ويحييها بما أوصى به أهل البيت عليهم السلام من أعمال وقربات، ليكون شكرًا لله على أعظم نعمة أنعم بها على الخلق، وهي نعمة وجود النبي الأكرم صلى الله عليه وآله.
والموضوعات الواردة في هذا المقال مستندة إلى ما ذكره السيد ابن طاووس في كتابه الإقبال بالأعمال الحسنة، وإلى ما أورده العارف الكبير الميرزا جواد الملكي التبريزي في كتابه المراقبات، لما لهما من قيمة روحية وعلمية في بيان فضائل هذا الشهر وأعماله المستحبّة.
احداث شهر ربيع الأول
اليوم الأول
هاجر النبي صلّى اللَّه عليه و آله من مكة إلى المدينة سنة ثلاثة عشرة من مبعثه، و كان ذلك يوم الخميس، يستحبّ صيامه لما أظهر اللَّه فيه من أمر نبيه و النجاة من عدوه.
أقول: فهو يوم صومه منقول و فضله مقبول، فصمه على قدر الفوائد بالشكر على سلامة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و ما فتح بالمهاجرة من سعادة الدنيا و المعاد، و يحسن ان تصلّي صلاة الشكر الّتي نذكرها في كتاب السعادات بالعبادات الّتي ليس لها أوقات معيّنات و تدعوا بدعائها، فإنه يوم عظيم السعادة، فما احقّه بالشكر و الصدقات و المبرّات (1).
و من أسرار هذه المهاجرة أنّ مولانا علي عليه السلام بات على فراش المخاطرة، و جاد بمهجته لمالك الدنيا و الآخرة، و لرسوله صلوات اللَّه عليه فاتح أبواب النعم الباطنة و الظاهرة، و لو لا ذلك المبيت و اعتقاد الأعداء أنّ النائم على الفراش هو سيد الأنبياء، و الّا ما كانوا صبروا عن طلبه إلى النهار حتى وصل إلى الغار، و كانت سلامة صاحب الرّسالة من قبل أهل الضلالة، صادرة عن تدبير اللَّه جلّ جلاله بمبيت مولانا علي عليه السلام في مكانه، و آية باهرة لمولانا علي عليه السلام شاهدة بتعظيم شأنه و أَسَفاً لأجل وصيّه عليه أفضل السلام في الثبوت في ذلك المقام.
و انزل اللَّه جلّ جلاله في مقدس قرآنه ﴿ وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَ اللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ ﴾ (2)، فأخبر أن سريرة مولانا علي عليه السلام كانت بيعاً لنفسه الشريفة و طلباً لمرضاة اللَّه جلّ جلاله دون كل مراد (3).
اليوم الثامن
روي أنّه وقع فيه وفاة الإمام أبي محمّد الحسن الزكيّ العسكريّ عليه السّلام فللمراقب أن يحزن فيه لا سيّما بلحاظ أنّ صاحب المصيبة فيه حجّة عصره وإمام زمانه أرواح العالمين فداه ، عليه وعلى آبائه صلوات اللَّه ، يزوره بما يبدو له ويعزّي الإمام عليه السّلام بما يناسبه .
ثمّ يشكر اللَّه لخلافة إمامه عليه السّلام ويتأثر من غيبته وفقده ، ويتذكَّر زمن ظهوره وفوائد أنواره ، وخيره وبركته (4).
اليوم التاسع
ورد فيه رواية واحدة فاخرة في كونه يوم هلاك عدوّ اللَّه وفي فضله وفضل الفرح فيه ، وأنّه يوم السرور لشيعة آل محمّد صلوات اللَّه عليهم أجمعين واشتهر بين الشيعة بذلك.
وروي أن من أنفق شَيْئاً في هذا اليوم غفرت ذنوبه. وقيل يستحب في هذا اليوم إطعام الاخوان المؤمنين وإفراحهم والتوسُّع في نفقة العيال ولبس الثياب الطيِّبة وشكر الله تعالى وعبادته. وهو يوم زوال الغموم والأحزان وهو يوم شريف جداً.
اليوم العاشر
تزويج رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله من خديجة سلام اللَّه عليها ، فعلى الشيعة تعظيم هذا الأمر لما وقع من تأثير هذا التزويج المبارك الميمون في الخيرات والبركات ، وانتشر منه الأنوار الباهرات الطَّاهرات ، من جهات شتّى (5).
اليوم الثاني عشر
منه كان قدوم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله المدينة مع زوال الشمس، و في مثله سنة اثنتين و ثمانين من الهجرة كان انقضاء دولة بني مروان، فيستحب صومه شكراً للَّه تعالى على ما أهلك من أعداء رسوله و بغاة عبادة (6).
اليوم الرابع عشر
سنة أربع وستين مات يزيد بن معاوية فأسرع إلى دركات الجحيم وفي كتاب (اخبار الدول) أنه مات مصاباً بذات الجنب في حوران فأتي بجنازته إلى دمشق ودفن في الباب الصغير وقبره الان مزبلة وقد بلغ عمره السابعة والثلاثين ودامت خلافته ثلاث سنين وتسعة أشهر انتهى.
الليلة السابعة عشرة
ليلة ميلاد خاتم الأنبياء صلوات الله عليه وهي ليلة شريفة جداً وحكى السيد قولاً بأن في مثل هذه الليلة أيضاً كان معراجه قبل الهجرة بسنة واحدة.
اليوم السابع عشر
ميلاد خاتم الأنبياء محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله على المشهور بين الإمامية والمعروف أن ولادته كانت في مكة المعظمة في بيته عند طلوع الفجر من يوم الجمعة في عام الفيل في عهد أنوشروان العادل. وفي هذا اليوم الشريف أيضاً في سنة ثلاث وثمانين ولد الإمام جعفر الصادق عليه السلام فزاده فضلاً وشرفاً. والخلاصة أن هذا اليوم يوم شريف جداً وفيه عدة أعمال :
الأول : الغسل.
الثاني : الصوم وله فضل كثير وروي أن من صامه كتب له صيام سنة. وهذا اليوم هو أحد الأيام الأَرْبعة التي خصّت بالصيام بين أيام السنة.
الثالث : زيارة النبي صلى الله عليه وآله عن قرب أو عن بعد.
الرابع : زيارة أمير المؤمنين عليه السلام بما زار به الصادق عليه السلام وعلمه محمد بن مسلم من ألفاظ الزيارة.
الخامس : أن يصلي عند ارتفاع النهار ركعتين يقرأ في كل ركعة بعد الحمد سورة (إنا أنزلناه) «عشر مرات» والتوحيد «عشر مرات» ، ثم يجلس في مصلاه ويدعو بالدعاء : اللّهُمَّ أَنْتَ حَيُّ لاتَمُوتُ ... الخ.
السادس : أن يعظم المسلمون هذا اليوم ويتصدقون فيه ويعملوا الخير ويسرّوا المؤمنين ويزوروا المشاهد الشريفة. والسيد في الاقبال قد بسط القول في لزوم تعظيم هذا اليوم وقال وجدت النّصارى وجماعة من المسلمين يعظّمون مولد عيسى عليه السلام تعظيماً لا يعظمون فيه احداً من العالمين وتعجبت كيف قنع من يعظم ذلك المولد من أهل الإسلام كيف يقنعون أن يكون مولد نبيهم الذي هو أعظم من كل نبي دون مولد واحد من الأنبياء (7).
الخاتمة
إنّ ربيع الأوّل ليس مجرّد شهر من شهور السنة، بل هو موسم رحمة وميدان بركة، إذ بدأ فيه عهد النور بولادة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله، وتجلّت فيه مواقف التضحية والفداء في الهجرة المباركة، وزاده شرفًا ميلاد الإمام جعفر الصادق عليه السلام. ومن حقّ المؤمن أن لا يمرّ عليه هذا الشهر مرور الكرام، بل يحييه بما دعا إليه المعصومون من صيام، وصدقات، وأعمال البر، وزيارة النبي وأهل بيته، وإدخال السرور على قلوب المؤمنين. إنّ تعظيم هذه الأيام ليس مجرّد طقس، بل هو تجديد للعهد مع الرسالة، وتأكيد للولاء لصاحبها، واستعداد لنيل شفاعته يوم المعاد.
1ـ الإقبال بالأعمال الحسنة / السيد بن طاووس / المجلّد : 3 / الصفحة : 106 / ط الحديثة.
2. سورة البقرة : الآية 207.
3. الإقبال بالأعمال الحسنة / السيد بن طاووس / المجلّد : 3 / الصفحة : 109 / ط الحديثة.
4. المراقابات / ميرزا جواد آغا الملكي التبريزي / الصفحة : 46 / مؤسسة دار الاعتصام للطباعة والنشر والتحقيق.
5. المراقابات / ميرزا جواد آغا الملكي التبريزي / الصفحة : 47 / مؤسسة دار الاعتصام للطباعة والنشر والتحقيق .
6. الإقبال بالأعمال الحسنة / السيد بن طاووس / المجلّد : 3 / الصفحة : 115 / ط الحديثة.
7. مفاتيح الجنان / الشيخ عباس القمي / المجلّد : 1 / الصفحة : 384.
التعلیقات