خُذُوا الكَلِمَةَ الطَّيِّبَةَ مِمَّن قالَها
السيد حيدر الجلالي
منذ 5 سنوات>قالَ لَهُ (أيِ: الإِمامِ الباقِرِ عليه السلام) نَصرانِيٌّ: أنتَ بَقَرٌ! قالَ: أنَا باقِرٌ. قالَ: أنتَ ابنُ الطَّبّاخَةِ! قالَ: ذاكَ حِرفَتُها. قالَ: أنتَ ابنُ السَّوداءِ الزِّنجِيَّةِ البَذِيَّةِ! قالَ: إن كُنتَ صَدَقتَ غَفَرَ اللّهُ لَها، وإن كُنتَ كَذَبتَ غَفَرَ اللّهُ لَكَ. قالَ: فَأَسلَمَ النَّصرانِيُّ<.(المناقب، ج4، ص207)
هناك أمور لا تختلف فيها المجتمعات، وهي ثابتةٌ وتعترف بها جميعا، ومن يأتي بها يمدح، ومن يخالفها يذم على الألسن.
ومن هذه الأمور الأخلاق الحسنة والتعامل الجيّد والصحيح مع الآخرين، كما فعل الإمام الباقر (عليه السلام) بالرجل النصراني الذي أساء إليه، لكن الإمام بأخلاقه الحسنة غيّر مسير حياة الشخص، وذهب به إلى ما هو أفضل له في الدنيا والآخرة حتى أسلم على يده. والذي يؤكّد عليه الديانات والمجتمعات بجميع اتجاهاتها هو الأخلاق الحسنة كما قال الإمام الباقر (عليه السلام): >قُولُوا لِلنَّاسِ أَحْسَنَ مَا تُحِبُّونَ أَنْ يُقَالَ لَكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبْغِضُ اللَّعَّانَ السَّبَّابَ، الطَّعَّانَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، الْفَاحِشَ الْمُتَفَحِّشَ، السَّائِلَ الْمُلْحِفَ، وَيُحِبُّ الْحَيِيَّ الْحَلِيمَ، الْعَفِيفَ الْمُتَعَفِّفَ<، (الأمالي، ج4، ص210) فالإمام أكّد، واعتنى بالقول الحسن، ومَدَح فاعله، وذمّ اللعّان والطعّان والفحاش الذي لا يُراعي الأخلاق الحسنة تجاه الآخرين بلسانه، ويُسبب الأذى لهم.
فكلّ إنسانٍ سليمٍ منصف لا يذم الإنسان الخلوق، ولا يُعاقبه على تصرفاته الأخلاقية والجميع يمدحونه ويحترمونه. وأنّ هذه الصفة الإنسانية الجيدة يؤكد عليها الجميع كما أكّدت عليها الشريعة الإسلامية، ومدحت صاحبها.
وفي حديث آخر عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: >خُذُوا الكَلِمَةَ الطَّيِّبَةَ مِمَّن قالَها، وإن لَم يَعمَل بِها، فَإِنَّ اللّهَ يَقولُ: { الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ} (الزمر: 18)< (تحف العقول، ص291 ؛ بحار الأنوار، ج78، ص170، ح4) هُنا يُوجّه الإمام (عليه السلام) الناسَ إلى إطاعة الشخص الخلوق في لسانه، حيث يأمرهم بإتّباعه وأخذ الكلمة منه.
وعنه (عليه السلام) أيضاً قال: >مَنْ كَفَّ غَضَبَهُ عَنِ النَّاسِ أَقَالَهُ اللَّهُ نَفْسَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ< (ثواب الأعمال، ج1، ص133)، ترقی الإمام (عليه السلام) في كلامه حول الأخلاق، فقال بأنّ الله عزّ وجلّ وعد الخلوق الذي يسيطر على نفسه حين الغضب والعصبية من النجاة والفوز والأمان من النار في يوم القيامة.
فشاهدنا مدى أهمية الأخلاق الحسنة وآثارها الدنيوية والأخروية في الشريعة الإسلامية، حيث يمدح ويَعِدُ الشخص الخلوق في الدنيا والآخرة بالتي هي أحسن، ويعتني به، ويأمر الناس باتّباعه، ومن جهة أخرى يذم الشخص الذي يُخالف المعايير الأخلاقية ولا يعتني بها، ولا يعمل بها، بل يضربها عرض الجدار.
التعلیقات