غضّ البصر
زهراء الكواظمة
منذ سنتينمدة القرائة: 5 دقائق
منح الله العبد نعم كثيرة؛ ليتنعّم بها، ويستخدمها في الطريق الصحيح؛ ولهذا يجب أن يكون شاكرا لله تعالى لأنه وعد الشاكرين جزاءا عظيما، ومن ثَمّ يكون ميزان حسابه وكتابه كيفية استخدامه لهذه النعم، فيرفع درجته، ويجعله في مكان محمود إذا استخدمها بشكل صحيح، وجعل له طريق واضح يسير عليه للوصول نحو الكمال المطلوب.
فالإنسان المسلم الملتزم بتعاليم دينه تكون عنده حصانة باسم (العفة) تمنعه من ارتكاب ما يكون ناتجه انتهاك كرامته ونفسه المحترمة، حيث يجلعها في غير محلّها الصحيح.
فالعفّة خير ما يتمسّك به الشخص الملتزم؛ لكي يصون نفسه من الانزلاق والانحراف وارتكاب المحارم، ليهين نفسه وكرامته، فيجب عليه أن يحصل على ملكة العفة بكل أنواعها حتى يكون سيره نحو الكمال والرفعة بأجمل وأصحّ ما يمكن.
نحن نريد أن نبحث قسما واحدا من أنواع العفّة وهي عفّة البصر التي تكون مندرجة في ضمن عفّة الجوارح.
أنواع العفّة: عفة النفس، وعفة البطن، وعفة الفرج، وعفة الجوارح.
عفة الجوارح تنقسم إلى عدة أقسام:
عفة اليد بأن لا يمدها إلى المحرمات، وعفة الرجل بأن لا يمشي بها إلى الباطل والمحرّمات، وعفّة اللسان بأن لاينطق بما لا يرضى الله تعالى، وعفّة السمع بعدم الاستماع للمحرمات، وعفّة البصر، أي: يغض بصره عن المحرمات.
عفة النظر:
لقد ورد في القرآن الكريم حول غض البصر والحفاظ على عفتها آيات نذكر واحدة منها من باب المثال.
﴿ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُم َذلك أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾.(1)
جاء في الخبر بشأن نزول هذه الآيات عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال: «اسْتَقْبَلَ شَابٌّ مِنَ الْأَنْصَارِ امْرَأَةً بِالْمَدِينَةِ، وكَانَ النِّسَاءُ يَتَقَنَّعْنَ خَلْفَ آذَانِهِنَّ فَنَظَرَ إِلَيْهَا وهِيَ مُقْبِلَةٌ فَلَمَّا جَازَتْ نَظَرَ إِلَيْهَا ودَخَلَ فِي زُقَاقٍ قَدْ سَمَّاهُ بِبَنِي فُلَانٍ فَجَعَلَ يَنْظُرُ خَلْفَهَا واعْتَرَضَ وَجْهَهُ عَظْمٌ فِي الْحَائِطِ أَوْ زُجَاجَةٌ فَشَقَّ وَجْهَهُ فَلَمَّا مَضَتِ الْمَرْأَةُ نَظَرَ فَإِذَا الدِّمَاءُ تَسِيلُ عَلَى صَدْرِهِ وثَوْبِهِ فَقَالَ واللَّهِ لآَتِيَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ولَأُخْبِرَنَّهُ قَالَ فَأَتَاهُ فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ لَهُ مَا هَذَا فَأَخْبَرَهُ فَهَبَطَ جَبْرَئِيلُ بِهَذِهِ الْآيَةِ: ﴿ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُم َذلك أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾.(2)
وكلمة «يغضوا» مشتقّة من «غضّ» من باب «ردّ»، وتعني في الأصل التنقيص، وتطلق غالباً على تخفيض الصوت وتقليل النظر؛ لهذا لم تأمر الآية أن يغمض المؤمنون عيونهم، بل أمرت أن يغضّوا من نظرهم. وهذا التعبير الرائع جاء؛ لينفي غلق العيون بشكل تام، حيث لا يعرف الإِنسان طريقه بمجرّد مشاهدته امرأة ليست من محارمه، فالواجب عليه أن لا يتبحّر فيها، بل أن يرمي ببصره إلى الأرض، ويصدق فيه القول أنه غضَّ من نظره وأبعد ذلك المنظر من مخيلته.(3)
وتناولت الآية التالية شرح واجبات النساء في هذا المجال، فأشارت إلى الواجبات التي تشابه ما على الرجال، فتقول: ﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾
وبهذا حرم الله النظر بريبة إلى النساء أيضاً مثلما حرّمه على الرجال، وفرض تغطيه فروجهن عن أنظار الرجال والنساء مثلما جعل ذلك واجباً على الرجال.
النظر المحرم في لسان الروايات
ولأهمية الحفاظ على البصر والسيطرة عليه، فلقد وردت روايات مختلفة عن المعصومين عليهم السلام في مدح وثناء من يمتلكون ملكة العفة في كفّ أعينهم عن المحارم، وكذلك في ذمّ من لا يكفّ بصره عن المحرّمات التي ردع عنها الإسلام.
قال الإمام الصادق عليه السلام: «كم من نظرة أورثت حسرة طويلة».(4)
هي مجرد نظرة، ولكن إذا كانت عن شهوة تزرع في قلب الإنسان نوع من الحسرة الطويلة حيث تصحبه إلى وقت طويل في بعض الأحيان، وتشغل قلبه وفكره بالمعاصي فمن الأفضل أن يغضّ الإنسان بصره حتى لا يتحسّر. وهذا أيضاً ما أكّدت عليه الروايات كما جاء ايضاً عن الإمام الصادق عله السلام: «النظرة بعد النظرة تزرع في القلب الشهوة».(5)
وقال الإمام الصادق عليه السلام: «أوّل نظرة لك، والثانية عليك ولا لك، والثالثة فيها الهلاك».(6)
ما المقصود من هذا الحديث المبارك؟
الجواب:
1ـ النظرة الأولى: أن تكون نظرة غير مقصودة ومن دون شهوة، بمعنى النظرة التي تقع على المرأة بشكل طبيعي ومن غير قصد، فعليه أن لا يطيل النظر، ويصرف نظره على ما وقعت عينه عليه.
2ـ النظرة الثانية: فإذا أعاد النظر ورجع إليها، وكانت هذه النظرة مصحوبة بشهوة وريبة، فقد حصل على الإثم، فعليه أن يصرف ذهنه، ولا يكرّر النظر.
3ـ النظرة الثالثة: وأما إذا عاد مرة ثالثة فقد وقع في فخّ إبليس، بحيث شغل قلبه بالشهوة، وكل ما سنحت له الفرصة كرّرها، فهنا هلك قلبه بالشهوة وفي هذا الحين قد يعمل عملاً يجعله في التهلكة ما لم يتوب إلى الله، ويندم على فعلته.
فالعفّة خير ما يتمسّك به الشخص الملتزم؛ لكي يصون نفسه من الانزلاق والانحراف وارتكاب المحارم، ليهين نفسه وكرامته، فيجب عليه أن يحصل على ملكة العفة بكل أنواعها حتى يكون سيره نحو الكمال والرفعة بأجمل وأصحّ ما يمكن.
نحن نريد أن نبحث قسما واحدا من أنواع العفّة وهي عفّة البصر التي تكون مندرجة في ضمن عفّة الجوارح.
أنواع العفّة: عفة النفس، وعفة البطن، وعفة الفرج، وعفة الجوارح.
عفة الجوارح تنقسم إلى عدة أقسام:
عفة اليد بأن لا يمدها إلى المحرمات، وعفة الرجل بأن لا يمشي بها إلى الباطل والمحرّمات، وعفّة اللسان بأن لاينطق بما لا يرضى الله تعالى، وعفّة السمع بعدم الاستماع للمحرمات، وعفّة البصر، أي: يغض بصره عن المحرمات.
عفة النظر:
لقد ورد في القرآن الكريم حول غض البصر والحفاظ على عفتها آيات نذكر واحدة منها من باب المثال.
﴿ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُم َذلك أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾.(1)
جاء في الخبر بشأن نزول هذه الآيات عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال: «اسْتَقْبَلَ شَابٌّ مِنَ الْأَنْصَارِ امْرَأَةً بِالْمَدِينَةِ، وكَانَ النِّسَاءُ يَتَقَنَّعْنَ خَلْفَ آذَانِهِنَّ فَنَظَرَ إِلَيْهَا وهِيَ مُقْبِلَةٌ فَلَمَّا جَازَتْ نَظَرَ إِلَيْهَا ودَخَلَ فِي زُقَاقٍ قَدْ سَمَّاهُ بِبَنِي فُلَانٍ فَجَعَلَ يَنْظُرُ خَلْفَهَا واعْتَرَضَ وَجْهَهُ عَظْمٌ فِي الْحَائِطِ أَوْ زُجَاجَةٌ فَشَقَّ وَجْهَهُ فَلَمَّا مَضَتِ الْمَرْأَةُ نَظَرَ فَإِذَا الدِّمَاءُ تَسِيلُ عَلَى صَدْرِهِ وثَوْبِهِ فَقَالَ واللَّهِ لآَتِيَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ولَأُخْبِرَنَّهُ قَالَ فَأَتَاهُ فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ لَهُ مَا هَذَا فَأَخْبَرَهُ فَهَبَطَ جَبْرَئِيلُ بِهَذِهِ الْآيَةِ: ﴿ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُم َذلك أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾.(2)
وكلمة «يغضوا» مشتقّة من «غضّ» من باب «ردّ»، وتعني في الأصل التنقيص، وتطلق غالباً على تخفيض الصوت وتقليل النظر؛ لهذا لم تأمر الآية أن يغمض المؤمنون عيونهم، بل أمرت أن يغضّوا من نظرهم. وهذا التعبير الرائع جاء؛ لينفي غلق العيون بشكل تام، حيث لا يعرف الإِنسان طريقه بمجرّد مشاهدته امرأة ليست من محارمه، فالواجب عليه أن لا يتبحّر فيها، بل أن يرمي ببصره إلى الأرض، ويصدق فيه القول أنه غضَّ من نظره وأبعد ذلك المنظر من مخيلته.(3)
وتناولت الآية التالية شرح واجبات النساء في هذا المجال، فأشارت إلى الواجبات التي تشابه ما على الرجال، فتقول: ﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾
وبهذا حرم الله النظر بريبة إلى النساء أيضاً مثلما حرّمه على الرجال، وفرض تغطيه فروجهن عن أنظار الرجال والنساء مثلما جعل ذلك واجباً على الرجال.
النظر المحرم في لسان الروايات
ولأهمية الحفاظ على البصر والسيطرة عليه، فلقد وردت روايات مختلفة عن المعصومين عليهم السلام في مدح وثناء من يمتلكون ملكة العفة في كفّ أعينهم عن المحارم، وكذلك في ذمّ من لا يكفّ بصره عن المحرّمات التي ردع عنها الإسلام.
قال الإمام الصادق عليه السلام: «كم من نظرة أورثت حسرة طويلة».(4)
هي مجرد نظرة، ولكن إذا كانت عن شهوة تزرع في قلب الإنسان نوع من الحسرة الطويلة حيث تصحبه إلى وقت طويل في بعض الأحيان، وتشغل قلبه وفكره بالمعاصي فمن الأفضل أن يغضّ الإنسان بصره حتى لا يتحسّر. وهذا أيضاً ما أكّدت عليه الروايات كما جاء ايضاً عن الإمام الصادق عله السلام: «النظرة بعد النظرة تزرع في القلب الشهوة».(5)
وقال الإمام الصادق عليه السلام: «أوّل نظرة لك، والثانية عليك ولا لك، والثالثة فيها الهلاك».(6)
ما المقصود من هذا الحديث المبارك؟
الجواب:
1ـ النظرة الأولى: أن تكون نظرة غير مقصودة ومن دون شهوة، بمعنى النظرة التي تقع على المرأة بشكل طبيعي ومن غير قصد، فعليه أن لا يطيل النظر، ويصرف نظره على ما وقعت عينه عليه.
2ـ النظرة الثانية: فإذا أعاد النظر ورجع إليها، وكانت هذه النظرة مصحوبة بشهوة وريبة، فقد حصل على الإثم، فعليه أن يصرف ذهنه، ولا يكرّر النظر.
3ـ النظرة الثالثة: وأما إذا عاد مرة ثالثة فقد وقع في فخّ إبليس، بحيث شغل قلبه بالشهوة، وكل ما سنحت له الفرصة كرّرها، فهنا هلك قلبه بالشهوة وفي هذا الحين قد يعمل عملاً يجعله في التهلكة ما لم يتوب إلى الله، ويندم على فعلته.
1ـ سورة النور: الآية 30 ـ 31
2ـ الكافي لمحمد بن يعقوب الكليني/ المجلد: 5/ الصفحة/ 521/ ط الاسلامية.
3ـ تفسير الأمثل لشيخ ناصر مكارم الشيرازي/ المجلد: 11/ الصفحة 75.
4ـ الكافي للمحمد بن يعقوب الكليني / المجلد: 5 / الصفحة: 559/ ط الاسلامية.
5ـ وسائل الشيعة للشيخ حرّ العاملي / المجلد: 20 / الصفحة/ 192/ ط آل البيت عليهم السلام.
6ـ وسائل الشيعة للشيخ حرّ العاملي / المجلد: 20 / الصفحة/ 193/ ط آل البيت عليهم السلام.
التعلیقات