حقيقة النوم والأحلام
زهراء الكواظمة
منذ سنتينإنّ من آيات الله عزّ وجل النوم في الليل والنهار، وذلك لاستراحة القوى النفسانيّة والقوى الطبيعيّة، وأشار القرآن الكريم إلى ذلك في الآية الشريفة: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾،(1) وأيضا قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا﴾،(2) وأنّه منّ علينا بأن جعل نومنا ممتدّاً طويلاً، لما في ذلك لنا من المنفعة والراحة، فإنّ السبات هو النوم، أو هو النوم الممتدّ الطويل.
وقد ورد في القرآن الكريم أيضاً أن المولى يتوفى النفس حين الممات، والنوم تقع فيه فعل وانفعلات لا نعرف حيقيقته. أهو موت أم شيء آخر؟ فنريد أن نبحث هذه الظاهرة المهمة لدى الإنسان: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾.(3)
توضح الآية الكريمة أن الحياة والموت وكل شؤون الإنسان هي بيد الله سبحانه وتعالى، وقالت الآية: الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها، وبهذا الشكل فإن النوم يعد شبيه الموت، لكن بأحد أشكاله الضعيفة؛ لأن العلاقة بين الروح والجسد تصل إلى أدنى درجاتها أثناء النوم، وتقطع الكثير من العلاقات والتداخلات بينهما.
من هذه الآية يمكن استنتاج عدة أمور:
1ـ إن الإنسان عبارة عن روح وجسد، والروح هي جوهر غير مادي، يرتبط بالجسد فيبعث فيه النور والحياة.
2ـ عند الموت يقطع الله العلاقة بين الروح والجسد، ويذهب بالروح إلى عالم الأرواح، وعند النوم يخرج البارئ عزّ وجل الروح والجسد، ولكن ليس بتلك الحالة التي تقطع فيها العلاقات بصورة كاملة. وبناء عليه، فإن الروح لها ثلاث حالات بالنسبة للجسد، وهي: ارتباط كامل وهو حالة الحياة واليقظة، وارتباط ناقص وهو حالة النوم، وقطع الارتباط بصورة كاملة وهو حالة الموت.
3ـ النوم هو أحد الصور الضعيفة للموت، والموت هو نموذج كامل للنوم.
4ـ النوم هو أحد دلائل استقلال وأصالة الروح، خاصة عندما يرافق بالرؤيا الصادقة التي توضح المعنى أكثر.
5ـ إن العلاقة التي تربط بين الروح والجسد تضعف أثناء النوم، وأحيانا تقطع تماما مما يؤدي إلى عدم يقظة النائم إلى الأبد، أي: موته.
6ـ إن الإنسان عندما ينام في كل ليلة يشعر وكأنه وصل إلى أعتاب الموت، وهذا الشعور بحد ذاته درسا يمكن الاعتبار منه، وهو كاف لإيقاظ الإنسان من غفلته.
7ـ كل هذه الأمور تجري بقدرة البارئ عزّ وجل، وإن كان قد ورد في بعض الآيات ما يشير إلى أن ملك الموت هو الذي يقبض الأرواح، فهذا لا يعني سوى أنه ينفذ أوامر البارئ عزّ وجل. وعلى أية حال، فإن المراد من قوله تعالى: إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون، هو إثبات دلائل قدرة البارئ عزّ وجل، ومسألة الخلق، والمعاد، وضعف وعجز الإنسان مقابل إرادة الله عزّ وجل.(4)
بداية الأحلام في الإنسان
لم يتّضح لنا من أنّ الأحلام والمنامات متى حدثت في الإنسان، فهل كانت مع الإنسان منذ خُلق، أو حدثت بعد مرور الزمن والأعوام على خلقه؟ فلذلك لم ينقل إلينا عن أبينا آدم عليهالسلام ما روى عن سائر الأنبياء من الرؤيا والمنامات.
وممّا يؤيّد أنّها حدثت فيما بعد ما روي عن أبي الحسن الهادي عليه السلام، حيث رواه لنا الكليني عن بعض أصحابه، عن عليّ بن العبّاس، عن الحسن بن عبد الرحمن، عن أبي الحسن عليهالسلام، قال: «إنّ الأحلام لم تكن فيما مضى في أوّل الخلق، وإنّما حدثت.
فقلت: وما العلّة في ذلك؟
فقال: إنّ الله عزّ ذكره بعث رسولاً إلى أهل زمانه، فدعاهم إلى عبادة الله وطاعته.
فقالوا: إن فعلنا ذلك فما لنا، فوالله، ما أنت بأكثرنا مالاً، ولا بأعزنا عشيرة.
فقال: إن أطعتموني أدخلكم الله الجنّة، وإن عصيتموني أدخلكم الله النار.
فقالوا: وما الجنّة والنار؟
فوصف لهم ذلك.
فقالوا: متى نصير إلى ذلك؟
فقال: إذا متّم.
فقالوا: لقد رأينا أمواتنا صاروا عظاماً ورفاتاً، فازدادوا له تكذيباً، وبه استخافافاً، فأحدث الله عزّ وجلّ فيهم الأحلام، فأتوه فأخبروه بما رأواما أنكروا من ذلك.
فقال: إنّ الله عزّ وجلّ أراد أن يحتجّ عليكم بهذا، تكون أرواحكم إذا متّم وإن بليت أبدانكم تصير أرواح إلى عقاب حتّى تبعث الأبدان».(5)
قال الطريحي بعد ذكر هذا الحديث: «ويستفاد من هذا الحديث اُمور:
منها: أنّ الأحلام حادثة.
ومنها: أنّ عالم البرزخ يشبه عالم الأحلام.
ومنها: أنّ الأرواح تعذّب قبل أن تُبعث الأبدان».(6)
أقسام الأحلام
لقد صرّحت العترة الطاهرة عليه السلام تبعاً للقرآن الكريم بوجود الرؤيا والمنامات في الإنسان، وورد عنهم أيضاً عشرات من الأحاديث حول علّة الرؤيا وأقسامها، من صادقها وكاذبها، وبيان شرائطها وفوائدها، وآثارها المترتّبة.
وهنا نذكر ما أورده الإمام الصادق عليه السلام للمفضل حول حقيقة الأحلام وأقسامها، حيث قال: «فكّر يا مفضّل في الأحلام، كيف دبّر الأمر فيها، فمزج صادقها بكاذبها، فإنّها لو كانت كلّها تصدّق لكان الناس كلّهم أنبياء، ولو كانت كلّها تكذّب، لم يكن فيها منفعة، بل كانت فضلاً لا معنى له، فصارت تصدّق أحيانا فينتفع بها الناس في مصلحة يهتدي بها أو مضرّة يحذر منها، وتكذّب كثيراً لئلا يعتمد عليها كلّ الاعتماد».(7)
فعدّ الرؤيا من وجهة نظرهم نعمة من الله تبارك وتعالى، حيث ينتفع بها أحياناً في مصلحة يهتدى بها طالما لم يصل إليها إلّا من هذا الطريق، وهكذا من مضرّة يتحذّر بسبب الرؤيا.
أشخاص لا ينامون
عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: «خَمْسَةٌ لَا يَنَامُونَ الْهَامُّ بِدَمٍ يَسْفِكُهُ، وَذُو الْمَالِ الْكَثِيرِ لَا أَمِينَ لَهُ، وَالْقَائِلُ فِي النَّاسِ الزُّورَ وَالْبُهْتَانَ عَنْ عَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا يَنَالُهُ، وَالْمَأْخُوذُ بِالْمَالِ الْكَثِيرِ وَلَا مَالَ لَهُ، وَالْمُحِبُّ حَبِيباً يَتَوَقَّعُ فِرَاقَهُ».(8)
وقد ورد في القرآن الكريم أيضاً أن المولى يتوفى النفس حين الممات، والنوم تقع فيه فعل وانفعلات لا نعرف حيقيقته. أهو موت أم شيء آخر؟ فنريد أن نبحث هذه الظاهرة المهمة لدى الإنسان: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾.(3)
توضح الآية الكريمة أن الحياة والموت وكل شؤون الإنسان هي بيد الله سبحانه وتعالى، وقالت الآية: الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها، وبهذا الشكل فإن النوم يعد شبيه الموت، لكن بأحد أشكاله الضعيفة؛ لأن العلاقة بين الروح والجسد تصل إلى أدنى درجاتها أثناء النوم، وتقطع الكثير من العلاقات والتداخلات بينهما.
من هذه الآية يمكن استنتاج عدة أمور:
1ـ إن الإنسان عبارة عن روح وجسد، والروح هي جوهر غير مادي، يرتبط بالجسد فيبعث فيه النور والحياة.
2ـ عند الموت يقطع الله العلاقة بين الروح والجسد، ويذهب بالروح إلى عالم الأرواح، وعند النوم يخرج البارئ عزّ وجل الروح والجسد، ولكن ليس بتلك الحالة التي تقطع فيها العلاقات بصورة كاملة. وبناء عليه، فإن الروح لها ثلاث حالات بالنسبة للجسد، وهي: ارتباط كامل وهو حالة الحياة واليقظة، وارتباط ناقص وهو حالة النوم، وقطع الارتباط بصورة كاملة وهو حالة الموت.
3ـ النوم هو أحد الصور الضعيفة للموت، والموت هو نموذج كامل للنوم.
4ـ النوم هو أحد دلائل استقلال وأصالة الروح، خاصة عندما يرافق بالرؤيا الصادقة التي توضح المعنى أكثر.
5ـ إن العلاقة التي تربط بين الروح والجسد تضعف أثناء النوم، وأحيانا تقطع تماما مما يؤدي إلى عدم يقظة النائم إلى الأبد، أي: موته.
6ـ إن الإنسان عندما ينام في كل ليلة يشعر وكأنه وصل إلى أعتاب الموت، وهذا الشعور بحد ذاته درسا يمكن الاعتبار منه، وهو كاف لإيقاظ الإنسان من غفلته.
7ـ كل هذه الأمور تجري بقدرة البارئ عزّ وجل، وإن كان قد ورد في بعض الآيات ما يشير إلى أن ملك الموت هو الذي يقبض الأرواح، فهذا لا يعني سوى أنه ينفذ أوامر البارئ عزّ وجل. وعلى أية حال، فإن المراد من قوله تعالى: إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون، هو إثبات دلائل قدرة البارئ عزّ وجل، ومسألة الخلق، والمعاد، وضعف وعجز الإنسان مقابل إرادة الله عزّ وجل.(4)
بداية الأحلام في الإنسان
لم يتّضح لنا من أنّ الأحلام والمنامات متى حدثت في الإنسان، فهل كانت مع الإنسان منذ خُلق، أو حدثت بعد مرور الزمن والأعوام على خلقه؟ فلذلك لم ينقل إلينا عن أبينا آدم عليهالسلام ما روى عن سائر الأنبياء من الرؤيا والمنامات.
وممّا يؤيّد أنّها حدثت فيما بعد ما روي عن أبي الحسن الهادي عليه السلام، حيث رواه لنا الكليني عن بعض أصحابه، عن عليّ بن العبّاس، عن الحسن بن عبد الرحمن، عن أبي الحسن عليهالسلام، قال: «إنّ الأحلام لم تكن فيما مضى في أوّل الخلق، وإنّما حدثت.
فقلت: وما العلّة في ذلك؟
فقال: إنّ الله عزّ ذكره بعث رسولاً إلى أهل زمانه، فدعاهم إلى عبادة الله وطاعته.
فقالوا: إن فعلنا ذلك فما لنا، فوالله، ما أنت بأكثرنا مالاً، ولا بأعزنا عشيرة.
فقال: إن أطعتموني أدخلكم الله الجنّة، وإن عصيتموني أدخلكم الله النار.
فقالوا: وما الجنّة والنار؟
فوصف لهم ذلك.
فقالوا: متى نصير إلى ذلك؟
فقال: إذا متّم.
فقالوا: لقد رأينا أمواتنا صاروا عظاماً ورفاتاً، فازدادوا له تكذيباً، وبه استخافافاً، فأحدث الله عزّ وجلّ فيهم الأحلام، فأتوه فأخبروه بما رأواما أنكروا من ذلك.
فقال: إنّ الله عزّ وجلّ أراد أن يحتجّ عليكم بهذا، تكون أرواحكم إذا متّم وإن بليت أبدانكم تصير أرواح إلى عقاب حتّى تبعث الأبدان».(5)
قال الطريحي بعد ذكر هذا الحديث: «ويستفاد من هذا الحديث اُمور:
منها: أنّ الأحلام حادثة.
ومنها: أنّ عالم البرزخ يشبه عالم الأحلام.
ومنها: أنّ الأرواح تعذّب قبل أن تُبعث الأبدان».(6)
أقسام الأحلام
لقد صرّحت العترة الطاهرة عليه السلام تبعاً للقرآن الكريم بوجود الرؤيا والمنامات في الإنسان، وورد عنهم أيضاً عشرات من الأحاديث حول علّة الرؤيا وأقسامها، من صادقها وكاذبها، وبيان شرائطها وفوائدها، وآثارها المترتّبة.
وهنا نذكر ما أورده الإمام الصادق عليه السلام للمفضل حول حقيقة الأحلام وأقسامها، حيث قال: «فكّر يا مفضّل في الأحلام، كيف دبّر الأمر فيها، فمزج صادقها بكاذبها، فإنّها لو كانت كلّها تصدّق لكان الناس كلّهم أنبياء، ولو كانت كلّها تكذّب، لم يكن فيها منفعة، بل كانت فضلاً لا معنى له، فصارت تصدّق أحيانا فينتفع بها الناس في مصلحة يهتدي بها أو مضرّة يحذر منها، وتكذّب كثيراً لئلا يعتمد عليها كلّ الاعتماد».(7)
فعدّ الرؤيا من وجهة نظرهم نعمة من الله تبارك وتعالى، حيث ينتفع بها أحياناً في مصلحة يهتدى بها طالما لم يصل إليها إلّا من هذا الطريق، وهكذا من مضرّة يتحذّر بسبب الرؤيا.
أشخاص لا ينامون
عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: «خَمْسَةٌ لَا يَنَامُونَ الْهَامُّ بِدَمٍ يَسْفِكُهُ، وَذُو الْمَالِ الْكَثِيرِ لَا أَمِينَ لَهُ، وَالْقَائِلُ فِي النَّاسِ الزُّورَ وَالْبُهْتَانَ عَنْ عَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا يَنَالُهُ، وَالْمَأْخُوذُ بِالْمَالِ الْكَثِيرِ وَلَا مَالَ لَهُ، وَالْمُحِبُّ حَبِيباً يَتَوَقَّعُ فِرَاقَهُ».(8)
1ـ سورة الروم: الآية 23.
2ـ سورة النبأ: الآية 9.
3ـ سورة الزمر: الآية 42.
4ـ الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل / الشيخ ناصر مكارم الشيرازي / المجلّد: 15 / الصفحة: 102 ـ 103.
5ـ الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد: 8 / الصفحة: 90 / ط الاسلامية.
6ـ مجمع البحرين / فخر الدين الطريحي النجفي / المجلّد: 1 / الصفحة: 566.
7ـ بحار الأنوار / العلامة المجلسي / المجلّد: 3 / الصفحة: 85 / ط مؤسسة الوفاء.
8ـ الخصال / الشيخ الصدوق / المجلّد: 1 / الصفحة: 296.
التعلیقات