مريم العذراء في بيت المقدس
الشيخ مهدي المجاهد
منذ 4 سنواتعندما نذرت والدة السيدة مريم بنت عمران حنة حملها أن يكون خادماً لبيت المقدس، وكان هذا النوع من الخدمة مختصا بالذكور؛ لأنها كانت تظنه ذكرا بموجب البشارة التي قال بها زوجها، ودعت الله أن يتقبل نذرها:
﴿ إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ (1)
المحرر من التحرير، وكان يطلق هذا المصطلح في ذلك الزمان على الأبناء المعينين للخدمة في المعبد؛ ليتولوا تنظيفه وخدماته، وليؤدوا عباداتهم فيه وقت فراغهم؛ ولذلك سمي الواحد منهم " المحرر "، إذ هو محرر من خدمة الأبوين، وكان ذلك مدعاة لافتخارهم.
وبما أن والدة السيدة مريم نذرت أن يكون ما في بطنها من الحمل خادما في بيت المقدس، فكان من الواجب أن يقوم شخص بتكفلها؛ لكي تكون تحت رعايته في المعبد.
وقد اختار الله زكريا النبي على نبينا وآله وعليه السلام؛ كي يتكفل مريم؛ إذ أن أباها عمران مات قبل ولادتها، فجاءت بها أمها إلى بيت المقدس وقدمتها لعلماء اليهود، وقالت: هذه المولودة قد نذرت لخدمة بيت الله، فليتعهد أحدكم بتربيتها. ولما كانت مريم من أسرة معروفة " آل عمران "، أخذ علماء بني إسرائيل يتنافسون في الفوز بتعهد تربيتها، وأخيرا اتفقوا على إجراء القرعة بينهم، فجاؤوا إلى شاطئ نهر، وأحضروا معهم أقلامهم وعصيهم التي كانوا يقترعون بها. كتب كل واحد منهم اسمه على قلم من الأقلام، وألقوها في الماء، فكل قلم غطس في الماء خسر صاحبه، والرابح يكون من يطفو قلمه على الماء: غطس القلم الذي كتب عليه اسم زكريا، ثم عاد وطفا على سطحه، وبذلك أصبحت مريم في كفالته، وقد كان في الحقيقة أجدرهم بذلك، فهو نبي وزوج خالة مريم. (2)
كبرت مريم تحت رعاية زكريا، وكانت غارقة في العبادة والتعبد حيث أنها - كما يقول ابن عباس - عندما بلغت التاسعة من عمرها كانت تصوم النهار، وتقوم الليل بالعبادة، وكانت على درجة كبيرة من التقوى ومعرفة الله حتى أنها فاقت الأحبار والعلماء في زمانها. (3)
﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ (4)
وكان رزقها ينزل من السماء عليها وهذا ما حظيت هذه السيدة العظيمة من مقامات شامخة قل نظيرها في الخلق.
وعن علي بن إبراهيم: في قوله تعالى: ﴿يٰا مَرْيَمُ إِنَّ اللّٰهَ اصْطَفٰاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفٰاكِ عَلىٰ نِسٰاءِ الْعٰالَمِينَ﴾ (5) قال: اصطفاها مرتين:
أما الأولى فاصطفاها، أي: اختارها.
وأمّا الثانية فإنها حملت من غير فحل، فاصطفاها بذلك على نساء العالمين. (6)
نعم هذا الاصطفاء والتفضيل على نساء أهل زمانها وعالمها، ولكن سيدة النساء على الإطلاق لم تكن هي؛ لأن هذا ما أختصت به السيدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها كما جاء في روايات متعددة عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وأهل البيت صلوات الله عيلهم أجميعن بأن هي سيدة النساء العالمين ونذكر هنا رواية واحدة تفي بالغرض.
عَن الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِي فَاطِمَةَ: «إِنَّهَا سَيِّدَةُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ» أَهِيَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ عَالَمِهَا؟
قَالَ:«ذَاكَ لِمَرْيَمَ كَانَتْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ عَالَمِهَا، وفَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مِنَ الْأَوَّلِينَ والْآخِرِينَ». (7)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
﴿ إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ (1)
المحرر من التحرير، وكان يطلق هذا المصطلح في ذلك الزمان على الأبناء المعينين للخدمة في المعبد؛ ليتولوا تنظيفه وخدماته، وليؤدوا عباداتهم فيه وقت فراغهم؛ ولذلك سمي الواحد منهم " المحرر "، إذ هو محرر من خدمة الأبوين، وكان ذلك مدعاة لافتخارهم.
وبما أن والدة السيدة مريم نذرت أن يكون ما في بطنها من الحمل خادما في بيت المقدس، فكان من الواجب أن يقوم شخص بتكفلها؛ لكي تكون تحت رعايته في المعبد.
وقد اختار الله زكريا النبي على نبينا وآله وعليه السلام؛ كي يتكفل مريم؛ إذ أن أباها عمران مات قبل ولادتها، فجاءت بها أمها إلى بيت المقدس وقدمتها لعلماء اليهود، وقالت: هذه المولودة قد نذرت لخدمة بيت الله، فليتعهد أحدكم بتربيتها. ولما كانت مريم من أسرة معروفة " آل عمران "، أخذ علماء بني إسرائيل يتنافسون في الفوز بتعهد تربيتها، وأخيرا اتفقوا على إجراء القرعة بينهم، فجاؤوا إلى شاطئ نهر، وأحضروا معهم أقلامهم وعصيهم التي كانوا يقترعون بها. كتب كل واحد منهم اسمه على قلم من الأقلام، وألقوها في الماء، فكل قلم غطس في الماء خسر صاحبه، والرابح يكون من يطفو قلمه على الماء: غطس القلم الذي كتب عليه اسم زكريا، ثم عاد وطفا على سطحه، وبذلك أصبحت مريم في كفالته، وقد كان في الحقيقة أجدرهم بذلك، فهو نبي وزوج خالة مريم. (2)
كبرت مريم تحت رعاية زكريا، وكانت غارقة في العبادة والتعبد حيث أنها - كما يقول ابن عباس - عندما بلغت التاسعة من عمرها كانت تصوم النهار، وتقوم الليل بالعبادة، وكانت على درجة كبيرة من التقوى ومعرفة الله حتى أنها فاقت الأحبار والعلماء في زمانها. (3)
﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ (4)
وكان رزقها ينزل من السماء عليها وهذا ما حظيت هذه السيدة العظيمة من مقامات شامخة قل نظيرها في الخلق.
وعن علي بن إبراهيم: في قوله تعالى: ﴿يٰا مَرْيَمُ إِنَّ اللّٰهَ اصْطَفٰاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفٰاكِ عَلىٰ نِسٰاءِ الْعٰالَمِينَ﴾ (5) قال: اصطفاها مرتين:
أما الأولى فاصطفاها، أي: اختارها.
وأمّا الثانية فإنها حملت من غير فحل، فاصطفاها بذلك على نساء العالمين. (6)
نعم هذا الاصطفاء والتفضيل على نساء أهل زمانها وعالمها، ولكن سيدة النساء على الإطلاق لم تكن هي؛ لأن هذا ما أختصت به السيدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها كما جاء في روايات متعددة عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وأهل البيت صلوات الله عيلهم أجميعن بأن هي سيدة النساء العالمين ونذكر هنا رواية واحدة تفي بالغرض.
عَن الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِي فَاطِمَةَ: «إِنَّهَا سَيِّدَةُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ» أَهِيَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ عَالَمِهَا؟
قَالَ:«ذَاكَ لِمَرْيَمَ كَانَتْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ عَالَمِهَا، وفَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مِنَ الْأَوَّلِينَ والْآخِرِينَ». (7)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ سورة مريم: الآية 35.
2ـ الأمثل: ج 2، ص 497.
3ـ مجمع البيان: ج 2 ص 436.
4ـ سورة مريم: الآية 37.
5ـ سورة مريم: الآية 42.
6ـ تفسير القمي: ج 1، ص 102.
7ـ معاني الأخبار: ص 107.
التعلیقات