كيف نتحدّث إلى زينب عليها السّلام في زيارتها
الدكتور أسعد علي
منذ 16 سنةوصلِّ اللهم على محمد حبيبك المصطفى وآله الأطهار كما صليت وسلمت وباركت على خليلك المجتبى إبراهيم وآله الأطهار. والسلام عليكم وكل عام وأنتم بخير أيها الأخوات والإخوة الأحرار... كل عام وأنتم بألف ألف خير.
كيف تجمعون كلمة ( سلام ) ؟ هل تقولون ( سلامات ) ؟ إن ( سلامات ) جمع لكلمةٍ ( سلامة )، وهكذا يصير ( السلام ) متضمناً ( السلامة ) بكل ما تعنيه جسدياً واجتماعياً ومصيرياً.
يبدو أنني اخترت هذه الكلمة في رباعية تقول:
بالوحي الحيِّ علا الشانُ سلامـاتِ محمدَ زُرنـا | ذكـرٌ ثَبَّتـهُ الرحمـانُ والـرادودُ بنـا لقمـانُ |
لماذا يكون لقمان هو الرادود ؟ إن لقمان هو أبو المعمَّرين على سطح المعمورة وعاش عمر سبعة أنسُر، ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة. وكما نقول ( إبراهيم أبو الأنبياء ) و ( آدم أبو البشرية ) نقول ( لقمان أبو الحكماء وأبو المعمَّرين ). وقد أحَبّ اليوم أن يتشرف بزيارة السيّدة زينب عليها السّلام والمشاركة في مولدها الجديد في هذه الحضرة الزينبية المقدسة.
لا يوجد في الشريعة حكم إلاّ وهناك استدلال عليه، ولا فرع إلا وهو مستخرج من أصل. وقد حضر لقمان اليوم لأن سورة لقمان رقمها 31 وفق ترتيب الجمع، وهذا الرقم هو السبب في فتح النافذة بيني وبين لقمان، وجئنا لتحيّتكم في مولد السيّدة زينب.
قد تتساءلون: ( ما علاقة الواحد والثلاثون اللقمانية بالسيّدة زينب ) ؟ والجواب: أنكم تزورون السيّدة زينب وتقرؤون الزيارة، فهل خطر لأحدكم أن يتأمل في مفاصل الزيارة واللازمة الموسيقية التي تتكرر بعد كل مقطع ؟ هل خطر لأحدكم أن كلمة ( السلام ) مكررة في الزيارة 31 مرة ولذلك جاء في الرباعية ( بسلاماتِ محمدَ زرنا والرادودُ بنا لقمانُ ). إن هذا الرادود غريب وعجيب، فهو يعلّمنا الحكمة عن طريق الشكر كما سمعتم اليوم من هذه الشلالات الهادرة بالبلاغة والفصاحة، وهذا نوع من الشكر تعبر عنه هذه ( الشلاّلية ) والحماسية. إذن الشكر يعبر عن الحكمة من جهة. ومن جهة أخرى فإنك مهما تحدّثت عن الفضل وعن ذي الفضل العظيم ولو أنّما في الأرض من شجرة إقلام والبحر يمدّه من بعده سبعةُ أبحر ما نفدت كلماتُ الله ، وهذا كلام لقمان سجّله الله له. ويقولون أن سبب عيش لقمان هذا العمر الطويل أنه كان قد اكتشف هذا السر.
اليوم وعلى غير المقاييس المعتادة أخَذَتني أوجادٌ مع السيّدة العظيمة العزيزة في هذا الميلاد العزيز وخطر لي أن أكتب شيئاً طالما حَضَرَت الحال. لكنني أريد اليوم أن أقف على خط الاستواء، وأين يقع هذا الخط في زيارة السيّدة زينب ؟.. أريدكم أن تفكروا مع السيّدة زينب في هذا اليوم، فقد جرى على لسان الشيخ محمد حبش كلام عجيب غريب فهمت منه أن هذه السيّدةٍ تفكّر، فقيادة الأحوال الاجتماعية في ظروف كظروف السيّدة زينب استدعى مخّاً كمخّ السيّدة زينب ندر أن حمل الأرض مثل في الإدارة الإعلامية والتنظيم الكلامي. وهناك سيدة إيطالية تدعي ( لاورا ) كتبت رسالة دكتوراه حول السيّدة زينب وفيها تقطع قطعاً أنه ( ما عرفت الأرضُ امرأةً مثل السيّدة زينب المقدسة )، وأعطيت العلامة التامة في إيطاليا وهي ( 110 ).
لنحاول أن نعلي من طريقة تنظيم السيّدة زينب بالكلمات والإشارات. وإذا أردنا أن نقف عند خط الاستواء من زيارتها فيجب أن نقف عند ( السلام السادس عشر ). ماذا يقول هذا السلام ؟ إنه يقول: ( السلام عليكِ يا من أرهَبَتِ الطغاة في صلابتها، وأدهشت العقول برباطة جأشها، ومثّلت أباها علياً في شجاعتها، وأشبهت أمّها الزهراء في عظمتها وبلاغتها ). السلام السادس عشر كعبة مرّبعة. وعلينا أن نلبي حول هذه الكعبة. ولكن كيف تكون التلبية ؟ وُلدت السيّدة زينب في الخامس من الشهر الخامس ( 5 / 5 ). وقد اجتمعت مؤخراً في بيروت 55 دولة تمثل الدول الفرنكوفونية أي التي تتحدث الفرنسية. ولو أردنا أن نزور السيّدة زينب باللغة الفرنسية لصار لزاماً علينا أن نقول ( لابّيه ) إحدى وثلاثين مرة وهنا يتبادر إلى الذهن ( لبيك اللهمّ لبيك ). إذن في كل مرة تردد ( السلام عليكِ يا زينب ) فإننا نلبي لرب زينب ورب أهل بيت زينب الذي أطعم هذا الخلق من جوع وآمنهم من خوف. وقد احتفل معنا في هذا اليوم أبو المعمرين في العالم إضافة إلى جميع اللغات التي يكون السلام عندها تلبية.
أعود إلى الرباعية. وهي كلام السيّدة زينب لكنها بحُلّة جديدة بناء على رأي أبيها أمير الكلام وحكيم الإسلام الذي يقول ( الأدب حُلَل مُجَدَّدة )...
بالوحي الحيّ ( فوالله لا تُميتُ وَحْيَنا ). علا الشان ( لا نُدرك أمَدَنا )... ذكرٌ ثبّته الرحمان ( ولا تمحو ذِكرَنا ).. بسلاماتِ محمدَ زُرنا.. والرادودُ بنا لقمانُ.
وأنا بكل لغات الأنام أقول: عليكم من زينب وآل بيت زينب سلام، بل سلامات.
[2]
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء، وصلِّ اللهم على حبيبك المصطفى أبي القاسم محمد وآل محمد كما صليت وسلمت على خليلك المجتبى إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد. والسلام عليكم وعليكنّ ورحمة الله تعالى وبركاته، وكل عام وكل خاص وكل ثانية من ثواني صاحب الزمان وأنتم بألف ألف بخير...
لقد امتلأتُ بأرواح الكلم الطيّب الذي ألهمَه المتكلمون والمحبّون والمحتفون، ولكن تخطر لي أحياناً أرقام أحبّ أن أجعل قلبها مقرّاً لما ينبغي أن يبقى راسخاً. البارحة كان اليوم الأوّل من ولادة السيّدة زينب. وبين البارحة واليوم كبرت زينب وأصبحت في اليوم الثاني من عمرها بحساب هذا المولد الجديد. وقد كنت أفكر في معنى كلمة ( ذِبْح ) في قوله تعالى وفديناه بذِبْحٍ عظيم هو فداء لإسماعيل بن إبراهيم من هاجر وقد يكون من أجل كل الذريّة التي جاءت من إسماعيل. وقد فكرت وفق منهج النظرية النسبية التي تعني أننا نستخرج طاقة ما من كتلة بضرب هذه الكتلة مربع سرعة الضوء، أي أن نقدّم ذِبحاً ما لنستخرج أمةً ما. ونحن اليوم في مولد زينب بنت إسماعيل وبنت هاجر. وهذا قد يكون هذا شطحاً. ولكن كي أتحرّر من الشطح سأقول لكم رباعية اليوم. ونصطلح على هذه الكلمات التي ليست كثيرة وهي كل الكلام الذي أريد أن أقوله اليوم.
تتزيّى بهاجـر مَن تُحيّى | زمزمت زينب السلام بُكِيّا |
( بُكِيّا ) كلمة تصف زكريا ويحيى وإبراهيم وغيرهم من الأنبياء المذكورين قبل هذه الآية، والذين إذا تليت عليهم آيات القرآن خرّوا سجّداً وبُكيّاً. وقد كان للسيّدة زينب مجلس قرآني في الكوفة تجتمع عندها السيّدات فتشرح لهن سور القرآن. وقد ناقشها والدها أبو الحسن ذات مرة حول سورة مريم وكيف أنها سورة آل البيت. وفي هذه السورة نجد أن ( بُكيّا ) فيهم مَن قُطعت عنقه وسُلّم رأسه إلى سالومي البغيّ الراقصة، وفيهم من خرج من الأرض بلا موت. وهذان الرمزان ـ يحيى وإدريس ـ هما رمزان لوضع آل البيت. إذ يمكن أن تُحزّ أعناقهم في الأرض ولكنهم يرتفعون إلى الجنّة بلا موت.
كيف يبني محمد وعليٌّ | رحمةَ العالمين يا زكريا |
لقد بكت هاجر قليلاً فتفجّر قلب الصحراء مشاركة، وكان زمرم إلى اليوم يسقي الناس. وكذلك بكت زينب ليتفجر زمزم المعرفة.. وزمزم الوعي.. وزمزم " ذِكرُ رحمةِ ربك عبدَه زكريّا ".. زمزم الذين يَخِرّون مع آيات الله سجّداً وبكيّا.. لذلك قلت زينب بنت إبراهيم.. وبنت هاجر.. وأخت إسماعيل. ارجعوا إلى قراءات السيّدة زينب لسورة مريم لتشاهدوا كيف زمزمت الآيات وجعلت من وعيها زمزماً حياً جارياً ومعرفة دائمة.
كيف يبني محمّد وعلي رحمة العالمين يا زكريا ؟ ذكر رحمة ربك عبده زكريا لقد ذكر الله تعالى زكريا بأمر سيجري؛ لأن زكريا كان يريد أن يلتقي بيحيى وأن يعرف لماذا كان يكتئب عندما يذكر الحسين. وهذا الذي بعث فيما بعد رحمة للعالمين رآه زكريا ورأى أسرته وآل بيته والحسين وكربلاء وزينب. لذلك فإن زكريا زكريانا ويحيى يحيانا ورأس يحيى عزيز علينا كرأس الحسين وكلاهما تاج التيجان.
إذا أردتم إكمال الدرس فاذهبوا إلى المقام واقرؤوا الزيارة، وعند السلام العشرين قفوا فهناك مغارة.. هناك زمزم لا يحسب وهو السلام مرتين على زين العابدين، لأنّه يبقى مختبئاً في حضن زينب وحضن البقاء، وإذا حسبناه فسيصبح لدينا 22 سلاماً أي الإخلاص وإذا حسبنا السلامين مع ما بقي من السلامات فسيصبح لدينا 13 سلاماً وهو مولد الأب الإمام علي بن أبي طالب في 13 رجب. أما العشرون السابقة فهي مولد الأم فاطمة الزهراء في 20 جمادى الأخرة والمجموع 33 وهذه الآية في سورة مريم تقول بلسان عيسى والسلام علَيَّ يوم وُلدتُ ويوم أموت ويوم أُبعثُ حَيّا .
إنني أدعو إلى قراءة كلام السيّدة زينب بكل معطيات العصر الجديد. وقراءة زيارتها وفق السلامات الموجودة وبطريقتنا التي بينّاها، وتأملوا أسرار هذا السلام لأن الإسلام هو السلام في أي مكان زرنا به أحداً من آل البيت، وليس إرهاباً كما أوصله إليه المسلمون الذين لمّا يدخل الإيمان في قلوبهم. وكل اللغات تؤكد هذا السلام. ويومياً نستعمل السلام لتحية الآخرين وتحية الملكَين بعد الصلاة، وأخيراً ننتظر الدخول في دار السلام وهي المستوى الثامن من فراديس الله.
السلام عليكم بكل ما في زيارة السيّدة زينب من معانٍ، والسلام عليكم بكل ما في حنان السيّدة زينب العنيف وعنفها الحنون في كل كلامها.
على الإعلام أن يتعلم من السيّدة زينب، فهذه السيّدة زينب وحيدة في دمشق وليس معها جيش بل مجموعة من السبايا وتتكلم مع من بيده الحل والربط وتقول له: ( ليس لك ذلك إلا أن تخرج من ديننا ) بعد أن طلب الشامي من يزيد أن يهبه إحدى السبايا. وعندما عرف الشامي أنهم أهل البيت استنكر ذلك، فما كان من يزيد إلا أن قتله فمات في سبيل حب أهل البيت. وهنا استطاعت السيّدة زينب أن تحوّل هذا الرجل وتدفعه إلى ان يستميت في سبيل شرف هذه الأسرة. وعندما تقول ليزيد ( فما فَرَيتَ إلاّ لحمك ) فهي تستفز به نخوة الإنسان جرياً على منهج أخيها الحسين عندما قال: ( يا شيعة آل أبي سفيان، إذا لم تكونوا تريدون الآخرة فكونوا أحراراً في دنياكم ).
الآن يقدّمون صورة العراقيين في الإعلام على أنهم لصوص. بينما كتابي ( أضواء القرآن ) أخرجه رجل عراقي في باريس، ونحن نتحدث اليوم وتَحدَّثنا البارحة في مهرجان ثاني عشر أقامه رجل عراقي من ( الشاميّة ) وهو الدكتور عصام عباس. وقد أثارت جلسة الأمس دهشة الشيخ الدكتور محمد حبش فسألني: ( هل نحن في الأمم المتحدة ؟! لقد سمعت في هذا المهرجان أن القاهرة هي بنت السلمية وأن إخوتنا الموجدين هم أبناء فاطمة )! فقلت له ضاحكاً: ( أنتم لا تقرؤون إلا فقهاً وشريعة ) وطبعاً الشيخ حبش علاّمة ولكنه كان مندهشاً ولاحظتم اندهاشه في كلامه الذي كان كشلال الخصب.
في سورة مريم نقرأ: قال ربِّ اجعلْ لي آيةً قال آيتك ألاّ تكلم الناسَ ثلاثَ ليال سويّا وهنا أريد أن أشدد على أمور ثلاثة:
الأمر الأول: أن نقرأ كلمات السيّدة زينب في العراق والشام بلغة الإسلام الذي هو رحمة للعالمين. والأمر الثاني: أن نقرأ زيارتها ونتعلم كيف نتحدث إلى السيّدة زينب عندما ندخل إلى مقامها. أما الأمر الثالث: فأن تقع عيونكم على القرآن الكريم الذي تعمل من أجله كل العيون وتضيء وتُضاء. وهذا الكتاب النور هو الحبور.. وهو البقاء.. وهو النشور.. وهو كل شيء بالنسبة للذين يريدون أن يكونوا أهل الجنة.
أسأل الله لكم ما سألته زينب لأحباب الله. ونعرف أنه ( إن الله يحب أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه ). وكل عام وأنتم بخير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
التعلیقات