التفسير المريض لقوة المرأة
حقوق المرأة
منذ 15 سنة
ماذا تعني المطالبة بقوة المرأة؟ ما المقصود بقوة المرأة؟ ثم مقابل من تكون؟ ومقابل من تستخدم هذه القوة؟ التفسير المريض يرى أن قوة المرأة ليس لها معنى سوى أن تكون مقابل الرجل، وفي مواجهة الزوج، لتكون سلطة لا تُطوّع ولا تًسمع ولا تقبل التنازل.
ولعل هذا التفسير ناشئ من تصوير العلاقة بين الزوجين وكأنهما في ساحة حرب وصراع، يسيطر عليها الأقوى والأعنت والأشد . فالدعوة إلى قبول ومساعدة الزوجة على القوة تعتبر إخلالا بميزان القوى بين الطرفين، وقد يفضي إلى بروز الضعيف كمارد لا يروّض.
هذا ما أوحت به بعض التعليقات التي قرأتها على المقالين السابقين، فبعضها أشار إلى أن الرجل هو المظلوم وليس المرأة، وبعضها كان عاتبا باعتباري أكتب إلى جانب المرأة متغافلا وضع الرجل، وأخيرا الإشارة إلى أن هذا النوع من الخطاب هو تأثر بالضغوط العالمية المعادية، التي حاولت ولاتزال تحقن المرأة في مجتمعاتنا لتحولها إلى قنبلة قابلة للانفجار في أية لحظة.
ثمة قضايا مهمة في حياتنا الزوجية تحتاج إلى قوة واقعية وراسخة في شخصية المرأة ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
1/ دورها التربوي:
قوة الشخصية في هذا الدور الحيوي للمرأة ليست كمالية يمكن الاستغناء عنها، لأن شخصيتها وصلابة إرادتها ستتسلل إلى شخصية أطفالها بنسب عالية، وستنعكس على طريقتهم في فهم الحياة، واتخاذ المواقف، والتعامل مع من حولهم من الناس، وما حولهم من قضايا تحتاج إلى قراراتهم وحسم أمورهم، وسينعكس ذلك أيضا على صلابتهم في محن الزمان وتقلباته. فالأم بشخصيتها ـ قوية كانت أم ضعيفة ـ ستكون حاضرة غالبا في لا وعي الجيل الذي ربته وأرضعته، وستكون مساهمة في حسم الكثير من أموره وقضاياه.
ولو استدعينا التاريخ قليلا لوجدنا تفسير العرب الحضر لإرضاع أولادهم في البادية واضحا جليا، فهم يبحثون عن مرضعة تجتمع فيها صفات يرونها ضرورية في تحسين رجولة هؤلاء الأطفال، وفي مقدمة تلك الصفات الحميدة الشجاعة وصلابة الشخصية، وقوة الارادة، وكرم الأخلاق، لاعتقادهم الصائب أن هذه الصفات ستكون مؤثرة فيهم عبر الإرضاع ثم التربية التي سيكون للمرضعة والمربية فيها دور ميداني أساسي.
2/ التغيرات المحسوبة وغير المحسوبة التي تطرأ على حياة الناس. فالحياة حبلى بالنوائب والخطوب، والدهر لا أمان له، فريثما يرتد الطرف قد يحصل ما لم يخطر بالبال، ولم يفكر فيه الإنسان فضلا عن أن يحسب له حسابا، أو يعد له جوابا.
أسر وعوائل كثيرة غشتها محن الزمان في لحظات غفلة واسترخاء، فوجدت نفسها في أقل من لحظة أمام عالم صعب لا يرحم، وقد عايشنا أسرا مستورة عصفت بها الرياح، وعاكستها الأماني حين رأت الأمهات أنفسهن أمام أولاد صغار غيب الموت والدهم، أو فتك به المرض فلا يستطيع متابعة شئونهم.
الزوجة هنا هي من ستحمل العبء كله، وهو حمل يثقل الرجال، فكيف إذا كان المعد له هو امرأة ضعيفة مكسورة؟ قد يسلينا البعض قائلا : لكل حادث حديث، والأزمات تقوي الضعيف وتشد عضده، وترفع قابلية التحدي لديه، وهذا كلام صحيح في عمومه، لكن إلى أن يشتد العود، وتتصلب الإرادة، وتدرك الأمور على حقيقتها، ستدفع أثمانا باهظة، بعضها سيسترد بعد زمن طويل وبعضها الآخر غير قابل للاسترداد، كما أن بعض تلك الأثمان ستكون من نصيب الصغار والأطفال، فلماذا ندفع ما نحن في غنى عن دفع ولو بعضه بإعداد المرأة في شخصية قوية ومتماسكة؟
3/ الكثير من الزوجات اليوم يمارسن أعمالا وظيفية، يخرجن من بيوتهن صباحا ولا يعدن إليها إلا بعد ساعات طويلة، بعضهن في مناطق بعيدة، وبعضهن يشاركن الرجال في نقاط العمل، بعضهن تكون أعمالهن مرهقة، وبعضهن يكون المسئولون عنهن مرهقين ومتعبين، وبعضهن وبعضهن إلى آخر المعزوفة.
لكل تلك الظروف هناك انعكاسات على شخصية المرأة، وهذه الانعكاسات لن تقتصر على منطقة العمل، وساعات الدوام، بل سترافق المرأة في منزلها مع زوجها وأطفالها وأسرتها، وهنا ستكون نسبة ما تتأثر به المرأة من تلك الظروف والاحتكاكات خاضعة لقوة شخصيتها وإحساسها بذاتها وقيمتها. وبمقدار تحمل الرجل للحياة مع زوجة قوية، وذات شخصية صلبة، يكون مرتاحا هو وعياله من كل التداعيات السلبية لتلك الظروف الصعبة.
التعلیقات