الشورى الأُسرية
موقع بلاغ
منذ 10 سنوات◄الحلّ الأمثل للمواجهة بين الآباء والأبناء، فكما هو معلوم أنّ طرق التفاهم كثيرة، لكنّنا نطرح
هنا مشروعاً للتفاهم والانسجام، ونترك لكلِّ أسرة أن تجرِّبه وتنقِّحه على حسب طبيعة تلك العائلة.
فماذا لو عملنا على تشكيل (مجلس شورى) في البيت؟
الأمر لا يحتاج إلى تعقيدات المجالس الشعبية أو البرلمانية.. إنّ مجرّد الاتفاق على عقد لقاء أسبوعي أو دوري بين أفراد الأُسرة للتداول في شؤونها، يحقِّق المرجوّ من هذا الاقتراح.
يقول الرسول (ص): "الولد سيِّد سبع سنين، وعبد سبع سنين، ووزير سبع سنين".
وما يهمّنا من الحديث شطره الأخير "ووزير سبع سنين"، أي أنّ هناك نقلة نوعية في حياة الشاب يتحوّل فيها إلى (مُستشار) لوالديه، يتشاور ويتحاور معها ويُبادلهما الرأي، فلقد باتَ من حقِّه أن يبدي رأيه – صحيحاً كان أم خاطئاً – ولابدّ أن يُحترَم رأيه في الحالين بأن يُثنى على صحّة رأيه وأن يُنبِّه إلى خطئه بالتي هي أحسن. أما كلمات من قبيل "نفِّذ ثمّ ناقِش" أو "اعمل ولا تُجادل"، فأسلوب سلطوي يمقته الشاب ويتمرّد عليه.
فممّا لا شكّ فيه أنّ من أهم عوامل الانسجام هو احترام الجميع والوقوف من جميع أفراد الأسرة على مسافة متقاربة.
وقد قال النبيّ (ص): "جُبلَت القلوبُ على حُبِّ مَن أحسَنَ إليها، وبَغْضِ مَن أساءَ إليها".
وقال (ص): "لو اجتَمْعْتُم على البرِّ لتحاببتم".
فلا شيء أكثر تأثيراً في تربية الأبناء والبنات من حقّ إبداء الرأي واحترام الشخصية. وهذا ما أشارت إليه كلمة (الوزير) في قول الرسول (ص)، والتي تنطوي على المشاورة والمعاونة والتعاطي الاجتماعي على النحو الذي يرتفع بالشاب من مستوى طفل مسيّر ومأمور وربّما سلبي، إلى شخصية إيجابية مساهمة وفعّالة.
ويمكن إعداد صيغة تتناسب وطبيعة كلّ عائلة، فقد يكون المجلس العائلي ندوة مفتوحة للمناقشة في شؤون المنزل. وقد يكون فيه تعيين أو انتخاب للإدارة والتصويب على بعض الآراء وتثبيت محضر بالجلسة لتدوين القرارات والتوصيات ومتابعتها في الجلسة القادمة.
ولسنا نتوقّف كثيراً عند الشكل، فأيّة صيغة اعتُمدت فإنّ الهدف يجب أن يكون تقوية أواصر المحبّة والتعاون والتفاهم بين أفراد الأُسرة. ففي هذا المجلس يمكن انضاج الكثير من الأفكار التي تدور في ذهن الوالدين أو ذهن الأبناء بالحوار الهادئ والمناقشة التي يسودها الحبّ والتفاهم والاقناع وتقديم المقترحات والحلول للمشكلات التي تواجه بعض أفراد العائلة أو الأُسرة ككلِّ.
وممّا تجدر الإشارة إليه أنّ نقاء نفوس وطهارة قلوب الصغار والشبّان – بناتٍ وبنين – قد يساعد في تقديم تصوّرات مهمّة عن شؤون البيت ربّما لا تخطر حتى على بال الأبوين نفسيهما.
أمّا ما يمكن أن نجنيه من هذه الشورى أو هذا المجلس، فهو:
1- تتحوّل الأُسرة من مجرّد تجمّع كمِّي إلى مكان يتبادل فيه الجميع الخبرات والتصورات والآراء.
2- تحقّق قدراً لا بأس به من الشعور بالمسؤولية الجماعية التضامنية، وسيكون شعار كلّ فرد فيها "إدارة البيت وسعادته مسؤوليتنا جميعاً".
3- ستكون عملية توزيع المهام والتكاليف وتقسيم الأعمال والوظائف مهمّة سهلة ومقبولة من لدُن جميع الذين يشعرون أنّ الفرص تتكافأ أمامهم.
4- ما يجري من حوار ونقاش واحترام للرأي وللرأي الآخر، هو عملية إعداد وتأهيل للمستقبل الذي سيخرّج أبناء وبنات هذا البيت الذي يعتمد أسلوب الحوار ليواجهوا الحياة بثقةً أكبر، وسيتعلّمون كيف يُخطِّطون وكيف يواجهون مشاكلهم، بل ويمتدّ أثرها إلى مستقبل تربيتهم لأبنائهم.
5- من شأن هذه المجالس أن تذوِّب الفواصل والاحتكاكات والغيبة والاتهامات، بل وتعكس الصورة إلى التوافق والانسجام والتجانس بما توفِّره، من أجواء التدريب على النقد الذاتي والاجتماعي.
لكنه المشروع على ما ينطوي عليه من سهولة في الطرح والتصوّر إلّا أنّه عملي ويحتاج إلى فترة زمنية كافية حتى يؤتي ثماره الطيِّبة، كما يحتاج إلى شروط إنجاح، فلابدّ للأب كمدير للجلسة أو المجلس من التوافر على ما يلي:
1- أن يكون قادراً على ترجيح كفّة (الحاجات) الأساسية على (الرغبات) العابرة، أي أن تكون له القدرة على تقدير الأولويات.
2- أن يكون مُلمّاً بتطوّر العصر وإيقاعه والظروف المتغيِّرة، لأنّه يتعامل مع جيل جديد خُلِقَ لزمان غير زمانه، وأن تكون لديه قدرة على الاقناع، واستعداد للاقتناع.
3- أن يكون مثقّفاً بالثقافة الشرعية والحدود التي يميِّز فيها بين حلال المسائل وحرامها.
4- أن يكون منفتحاً في تقبّل جميع الآراء حتى تلك التي تبدو مُزعجة أو غير معقولة، وأن يناقشها مع باقي أفراد الأسرة بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن يبدي المشورة والنّصح لمن يحتاجهما، وأن يفضّ النزاع بين الإخوة كحكم عدل.
5- أن يتمتّع بصفة حسن الإصغاء للجميع وعدم المقاطعة كونه مديراً للجلسة، وأن يعطي الحقّ في الكلام للجميع، ويعطي حقّ الردّ والدفاع لمن يريد أن يُدافع عن وجهة نظره، أو عن اتهام وُجِّه إليه، كما أنّ الهدوء وإيضاح بعض الآراء التي قد لا يحسن الأبناء تقديمها، واختيار طبقة الصوت المشفوعة بالحبّ والإخلاص والعطف.. كلّ ذلك من متطلّبات نجاح هذه المجالس.
وممّا ينبغي الالتفات إليه أيضاً هو أنّ هذه المجالس بالأمانات، أي أنّ أسرارها يجب أن لا تتسرّب إلى الخارج، فنقل بعض الأُمور التي تعدّ شأناً داخليّاً لا يصحّ من أي فرد من أفراد مجلس الشورى العائلي لاسيّما إذا كان الأمر متعلِّقاً بأحد أفراد الأُسرة المعروفين لدى السامع خشية أن يجرح ذلك إحساسه، ومَن يدري فقد يقاطع جلسات المجلس إذا افتضح أو كشف سرّه أمام الآخرين.
وخلاصة القول، إنّ أهم حصاد يمكن أن يحصل عليه الوالدان من ذلك، هو بناء أسرة متفاهمة متحاورة، تناقش القضايا المشتركة، وتذوِّب الحواجز، وتحلّ مشاكلها بالتعاون، وتعدّ لمستقبل أفضل لأبناء واثقين من أنفسهم وآرائهم.
التعلیقات