تكوين الأسرة المسلمة والبيت المسلم
موقع بلاغ
منذ 10 سنواتانّ الأسرة هي الخلية الأساسية التي يتركب منها جسم المجتمع الكبير، وما المجتمعات إلا مجموعة أسر تعيش معاً، ترتبط فيما بينها بقوانين وأنظمة تحكمها، وبذا تتكون الدولة ويكون الوطن.
فإذا كانت الخلية الأساسية (الأسرة) سليمة قوية كان المجتمع كلّه سليماً قوياً، وإذا كانت الأسرة مفككة في علاقاتها، متباينة في الفكر والسلوك، انعكس ذلك كلّه على المجتمع فأصبح مفككاً مهزوزاً ومهزوماً، ولقد اهتم ديننا الحنيف بمراحل بناء الأسرة حتى تستقيم مهامها وتؤتي ثمارها كخلية صالحة في المجتمع ليصلح المجتمع كله.
وأوّل مراحل بناء الأسرة هو اختيار الزوجة، حيث انّها أهم ركن من أركان الأسرة، إذ انّها المنجبة للأولاد، وعنها يرثون كثيراً من المزايا والصفات، وفي أحضانها تتكون عواطف الطفل وتتربى ملكاته، ويكتسب كثيراً من عاداته وتقاليده، ويتعرف دينه، ويتعود منها السلوك الاجتماعي إلى حد كبير.
وانّ رسول الله (ص) قد أرشدنا لأن ننتقي الأزواج فنختار الأفضل منهنّ، صاحبة الدين والخلق، قال (ص) "تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك".
ومعنى ذلك انّ الناس يقصدون في العادة من المرأة هذه الخصال الأربع، فاحرص أنت على ذات الدين واظفر بها واحرص على صحبتها والزواج منها.
فاختيار الزوجة الصالحة أول خطوات السير الصحيح لبناء الأسرة القوية المتحابة المترابطة، القادرة على تنشئة الأبناء نشأة سليمة، حيث تربيهم على أدب الإسلام وتصقلهم بالإيمان وبمثل هذه الأسرة يقوم المجتمع كله على أساس كريم وبناء متين، يضطر كلّ من يعيش فيه أن يتخلق بعاداته ويتأدب بآدابه.
ولما كانت تربية الأطفال هي الخطوة الأولى التي تبدأ بها الأسرة مهماتها، لذا فلابدّ من العناية التامة بتلك الغراس الصغيرة واللبنات اللينة حتى تشب على أساس متين وفكر سليم وسلوك قويم، وصدق رسول الله (ص) في قوله: "كفى بالمرء اثماً أن يضيع من يعول".
فالطفل بجوهره خلق قابلاً للخير والشر جميعاً، وانما أبواه يميلان به إلى أحد الجانبين، قال (ص): "كل مولود يولد على الفطرة، وانما أبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه".
والأولاد والزوجة إنما هم أمانة عند الآباء، وفي صحائفهم يكتب ما يفعلون، وانّهم عند الله تعالى عنهم المسئولون، فحذار من ضياعهم وإهمالهم. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (الأنفال/ 27-28).
ولكي يكون البيت مسلماً حقا والأسرة التي تملؤه قوية متحابة، لابدّ أن تكون أعمالهم نموذجاً عملياً لما يطلبه الإسلام، وقدوة حسنة لمن حولهم من الجيران، وعلى المسلم أن يستشعر عظم مسؤوليته تجاه أهل بيته وانّهم أمانة في عنقه، وعليه أن يتقي الله فيهم رعاية وعناية وتربية وسلوكاً، يقول (ص): "كلكم راع ومسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في مال أبيه وهو مسؤول عن رعيته، فكلكم راع ومسؤول عن رعيته".
وبما انّ الأمر بهذه الخطورة فإليك بعض التوصيات الخاصّة بالبيت المسلم في مختلف الجوانب، آملين أن يتدارسها الآباء والأبناء والأُمّهات بعناية ودقة، ويقوموا بالعمل على تحقيقها في بيوتهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، راجين أن يكون فيها الفلاح والصلاح في الدنيا والآخرة:
ففي الجانب التعبّدي:
· أن يقوم الأفراد المكلفون بأداء الفرائض في أوقاتها، وأن تؤدى الصلوات في جماعة في بيوت الله ما أمكن، لقوله تعالى: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) (التوبة/ 18).
· أن يخصص كلّ فرد في الأسرة من البالغين كلّ يوم وقتاً لتلاوة جزء من كتاب الله تعالى، لوصية رسول الله (ص): "اقرؤا القرآن في شهر" قال رجل: يا رسول الله إنِّي أجد قوة، قال: "اقرأه في أسبوع..." فعلى المسلم أن يقرأ في كلّ يوم جزءاً، فإذا تعسر ذلك يتلو بعضه، وعلى مسمع من أهل البيت جميعاً لكسب الثواب وبركة القرآن الكريم.
· أن يعتاد أفراد الأسرة على صيام التطوع ولو يوماً في الأسبوع على الأقل.
· أن يعوّد الرجل أهله على قيام الليل ولو مرة في الأسبوع كذلك.
· أن يكون الرجل قدوة لزوجه وأبنائه وسائر أهله في الالتزام بالعبادات والمداومة عليها في أوقاتها.
· أن يعلِّم الرجل أهله وأبناءه بعض الأذكار الواردة عن رسول الله (ص) في المساء والصباح وحين الحاجة، مع صدق التوجه إلى الله تعالى عند الدعاء، والاستعانة بالله وحده لا شريك له.
أما في الجانب السلوكي:
· فيلزم ربّ الأسرة أن ينفِّر أهله ويحذرهم من سائر العيوب الاجتماعية السارية والتي حذر منها الإسلام، كالغيبة والنميمة والشتم والسخرية من الآخرين وإيذائهم والكذب وغير ذلك، لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الحجرات/ 11).
· الزام أهل بيته من الإناث بارتداء الزي الشرعي الكامل والظهور بمظهر القدوة الحسنة للناس وتعويدهنّ على ذلك منذ الصغر، والأدلة على ذلك ظاهرة في كتاب الله تعالى وسنة رسوله.
· تعويد أهل بيته الآداب الإسلامية في الأكل والشرب، كالأكل باليمين والبدء باسم الله، لتوجيه رسول الله (ص) لأحد أصحابه "سمّ الله وكل بيمينك وكل ما يليك"، وكذلك تعليمهم أدب المعاملة مع الآخرين، مثل طرح السلام والإحسان إلى الناس وصلة الأرحام واحترام الكبير والعطف على الصغير وأدب الاستماع ونحو ذلك.
· أن يعوّد أهل بيته الصدق والصراحة في القول مع مراعاة الأدب في ذلك، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (التوبة/ 119).
· أن يحذرهم المجالس المختلطة ويرشدهم إلى الابتعاد عنها ما أمكن، ويراقب سلوك الأبناء خارج البيت ويتابع تصرفاتهم ويسأل عنهم ويتعرف على أقرانهم وأصدقائهم ونوعياتهم، فيحذرهم من مخالطة الأشرار ويحثهم على مصاحبة الأخيار حفاظاً على أخلاقهم وسلوكهم.
في الجانب التثقيفي:
· على ربِّ الأسرة أن يعمل على تزويد بيته بمكتبة ثقافية هادفة تتناسب مع مستوى الزوجة والأبناء ما أمكن، فيحرص على تزويدهم بالمجلات الإسلامية النافعة والكتب الثقافية الهادفة، إضافة إلى كتب في الفقه الميسر والحديث الشريف والسيرة النبوية.
· تخصيص وقت في الأسبوع ولو مرة واحدة تلتقى فيه الأسرة على مدارسة موضوع فقهي أو تربوي هادف.
· أن يكون الأب ضابطاً حازماً عند استخدام جهاز التلفاز بحيث يمنع مشاهدة ما تضرّ مشاهدته من برامج وأفلام وأغانٍ لا تتناسب مع أدب الإسلام وأخلاقه.
· أن يعود أهله على استماع الأخبار المحلية والدولية لتكوين وعي عام عندهم عما يجري في العالم، وكذلك يحثهم على سماع البرامج العلمية والثقافية الهادفة.
· يحذر أهله أماكن الفساد، كالسينما ودور اللهو وكل مكان فيه شبهة تجر إلى الفساد والرذائل.
· يحذرهم من التقليد والتشبه بغير المسلمين في عاداتهم وسلوكياتهم، لأنّ من تشبه بقوم فهو منهم، سيما ما يقام من أعياد الميلاد لأفراد الأسرة أو عيد الأُم أو نحو ذلك، ومحاربة مثل هذه البدع والعادات الدخيلة ومحاولة طمسها من المجتمع، وتبصير الناس بأنّ هذه الأعياد وهذا السلوك تَشَبُّه بغير المسلمين، وقد نهانا الإسلام عن التشبه بهم فقال (ص): "من تشبه بقوم فهو منهم".
وفي الختام أوجه إليك يا أخي، بل أذكرك بنداء الله تعالى لك في كتابه العزيز، لتستيقظ إن كنت في غفلة من أمرك، فتتعرف مهمتك في الدنيا ومسؤوليتك يوم لقاء ربّك، يقول جلّ جلاله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم/ 6).
هذه نصيحتي إليك أيها القارئ الكريم، وما أردت إلا الاصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وهو رب العرش العظيم.
التعلیقات
٣