حقوق الوالدين والأولاد (٢)
موقع راسخون
منذ 10 سنوات
ومن آثار العقوق:
أنه موجب لشقاء العاق، وعدم ارتياحه في الحياة، لسخط الوالدين ودعائهما
عليه.
وقد جاء في الحديث النبوي: «إياكم ودعوة الوالد، فانها أحدّ من السيف».
ومن آثار العقوق:
ان العاق يشاهد أهوالاً مريعة عند الوفاة، ويعاني شدائد النزع وسكرات الموت.
فعن أبي عبد اللّه عليه السلام: «ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حضر شاباً عند وفاته، فقال له: قل لا إله الا اللّه. قال: فاعتقل لسانه مراراً.
فقال لامرأة عند رأسه: هل لهذا أم؟
قالت: نعم، انا أم
قال: أفساخطة أنت عليه؟قالت: نعم، ما كلمته منذ ست حجج.
قال لها: ارض عنه. قالت: رضي اللّه عنه برضاك يا رسول اللّه.
فقال له رسول اللّه: قل لا إله الا اللّه. قال: فقالها.
فقال النبي صلى اللّه عليه وآله: ما ترى؟
فقال أرى رجلاً أسوداً قبيح المنظر، وسخ الثياب، منتن الريح، قد وليني الساعة فأخذ بكظمي.
فقال له النبي: قل «يا من يقبل اليسير ويعفو عن الكثير، إقبل مني السير واعف عن الكثير، انك انت الغفور الرحيم». فقالها الشاب.
فقال النبي صلى اللّه عليه وآله: أنظر، ماذا ترى؟
قال: أرى رجلاً أبيض اللون، حسن الوجه، طيّب الريح، حسن الثياب قد وليني، وأرى الأسود قد تولى عني.
قال: أعد. فأعاد.
قال: ما ترى؟ قال: لست أرى الأسود، وأرى الأبيض قد وليني ثم طغى على تلك الحال»(21)
ومن آثار العقوق:
انه من الذنوب الكبائر التي توعد اللّه عليها بالنار، كما صرحت بذلك الأخبار.
والجدير بالذكر، أنه كما يجب على الأبناء طاعة آبائهم وبرهم والاحسان اليهم، كذلك يجدر بالآباء أن يسوسوا أبناءهم بالحكمة، ولطف المداراة، ولا يخرقوا بهم ويضطروهم الى العقوق والعصيان.
فعن الصادق عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: «يلزم الوالدين من العقوق لولدهما اذا كان الولد صالحاً ما يلزم الولد لهما»(22)
وقال صلى اللّه عليه وآله: «لعن اللّه والدين حملا ولدهما على عقوقهما، ورحم اللّه والدين حملا ولدهما على برهما»(23)
حقوق الأولاد:
الأولاد الصلحاء هم زينة الحياة، وربيع البيت، وأقمار الأسرة، وأعز آمالها وأمانيها، وأجل الذخائر وأنفسها. لذلك أثنى عليهم أهل البيت وغيرهم من الحكماء والأدباء.
عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: «الولد الصالح ريحانة من رياحين الجنة»(24).وفي حديث آخر، قال صلى اللّه عليه وآله: «من سعادة الرجل الولد الصالح»(25)
وقال أبو الحسن عليه السلام: «إن اللّه تعالى اذا أراد بعبد خيراً لم يمته حتى يريه الخلف»(26)
وقال حكيم في ميت: «إن كان له ولد فهو حي، وإن لم يكن له ولد فهو ميت».
وفضل الولد الصالح ونفعه لوالديه لا يقتصر على حياتهما فحسب، بل يسري حتى بعد وفاتهما وانقطاع أملهما من الحياة.
عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر الا ثلاث خصال: صدقة أجراها في حياته وهي تجري بعد موته، وسنّة هدي سنّها فهي يعمل بها بعد موته، أو ولد صالح يدعو له»(27)
وعن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: مرّ عيسى بن مريم بقبر يعذّب صاحبه، ثم مرّ به من قابل فاذا هو لا يعذّب. فقال: يا ربّ، مررت بهذا القبر عام أول وكان يعذب!. فأوحى اللّه اليه. انه ادرك له ولد صالح فأصلح طريقاً، وآوى يتيماً، فلهذا غفرت له بما فعل ابنه. ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: ميراث اللّه من عبده المومن ولد يعبده من بعده. ثم تلا أبو عبد اللّه عليه السلام آية زكريا على نبينا وآله وعليه السلام: «فهب لي من لدنك وليّاً يرثني ويرث من آل يعقوب، واجعله ربيّ رضيا» (28)
ومن الواضح أن صلاح الأبناء واستقامتهم لا يتسنيان عفواً وجزافاً، وانما يستلزمان رعاية فائقة واهتماماً بالغاً في إعدادهم وتوجيههم وجهة الخير والصلاح.
من أجل ذلك وجب على الآباء تأديب أولادهم وتنشئتهم على الاستقامة والصلاح، ليجدوا ما يأملون فيهم من قرة عين، وحسن هدى وسلوك.
قال الامام السجاد عليه السلام: «وأما حق ولدك: فان تعلم انه منك، ومضاف اليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وانك مسؤول عمّا وليته من حسن الأدب، والدلالة له على ربه عز وجل، والمعونة له على طاعته. فاعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الاحسان اليه، معاقب على الاساءة اليه»(29)
فالآباء مسؤولون عن تهذيب أبنائهم وإعدادهم إعداداً صالحاً، فان أغفلوا ذلك أساؤا الى اولادهم، وعرضوهم لأخطار التخلف والتسيب الديني والاجتماعي.
ويحسن بالآباء أن يبادروا ابناءهم بالتهذيب والتوجيه، منذ حداثتهم ونعومة أظفارهم، لسرعة استجابتهم الى ذلك قبل تقدمهم في السن، وروسوخ العادات السيئة والاخلاق الذميمه فيهم، فيغدون آن ذاك اشد استعصاءاً على التأديب والاصلاح.
حكمة التأديب:
وهكذا يجدر بالآباء ان يتحروا القصد، والاعتدال في سلطتهم، وأساليب تأديب أبنائهم، فلا يسوسونهم بالقسوة والعنف مما يعقّدهم نفسياً، ويبعثهم على النفرة والعقوق. ولا يتهاونوا في مؤاخذتهم على الاساءة والتقصير، فيستخفون بهم ويتمردون عليهم، فان «من أمن العقوبة أساء الأدب».
وخير الأساليب في ذلك هو التدرج في تأديب الأبناء وتقويمهم، وذلك بتشجيعهم على الاحسان، بالمدح والثناء وحسن المكافأة، وبنصحهم على الاساءة. فان لم يجدهم ذلك، فبالتقريع والتأنيب، والا فبالعقوبة الرادعة، والتأنيب الزاجر.
المدرسة الأولى للطفل:
والبيت هو المدرسة الأولى للطفل، يترعرع في ظلاله، وتتكامل فيه شخصيته، وتنمو فيه سجاياه، متأثراً بأخلاق أبويه وسلوكهما. فعليهما أن يكونا قدوة حسنة، ومثلاً رفيعاً، لتنعكس في نفسه مزاياهم وفضائلهم.
منهاج التأديب:
1- وأول ما يبدأ به في تهذيب الطفل، تعليمه آداب الأكل والشرب: كغسل اليدين قبل الطعام وبعده، والأكل بيمينه، وإجادة المضغ، وترك النظر في وجوه الآكلين، والرضا والقنوع بالمقسوم من الرزق. ونحو ذلك من الآداب.
2- ويراض الطفل على أدب الحديث، والكلام المهذب، والقول الحسن. ومنعه عن الفحش، والبذاء، والاغتياب، والثرثرة. وما الى ذلك من مساوئ اللسان وأن يحسن الاصغاء، كما يحسن الحديث، فلا يقاطع متحدثاً حتى ينتهي من حديثه.
3- وأهم ما يعني به في توجيه الأولاد، غرس المفاهيم الدينية فيهم، وتنشئتهم على العقيدة والايمان، بتعليمهم أصول الدين وفروعه بأسلوب يلائم مستواهم الفكري، ليكونوا على بصيرة من عقيدتهم وشريعتهم، محصنين ضدّ الشبه المضللة من أعداء الاسلام «يا أيها الذين امنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة، عليها ملائكة غلاظ شداد، لا يعصون اللّه ما أمرهم ويفعلون مايؤمرون»(30)
4- وعلى الآباء ان يروّضوا أبناءهم على التخلق بالأخلاق الكريمة والسجايا النبيلة: كالصدق، والأمانة، والصبر، والاعتماد على النفس. وتحريضهم على حسن معاشرة الناس: كتوقير الكبير، والعطف على االصغير، وشكر المحسن، والتجاوز ما وسعهم عن المسيء، والتحنّن على البؤساء والمعوزين.
5- ومن المهم جداً منع الأبناء من معاشرة القرناء المنحرفين الأشرار، وتحبيذ مصاحبة الأخدان الصلحاء لهم، لسرعة تأثرهم بالأصدقاء، واكتسابهم من أخلاقهم وطباعهم، كما قال النبي صلى اللّه عليه وآله: «المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل».
وقد شهد الناس كثيراً من مآسي الشباب الذين انحرفوا عن النهج السوي، وتدهوروا في مهاوي الرذيلة والفساد، لتأثرهم بقرناء السوء، وأخدان الشر.
وهكذا يحسن بالآباء أن يستطلعوا مواهب أبنائهم وكفاءاتهم، ليوجهوهم، في ميادين الحياة وطرائق المعاش، حسب استعدادهم ومؤهلاتهم الفكرية والجسمية: من طلب العلم، أو ممارسة الصناعة، أو التجارة. ليستطيعوا الاضطلاع بأعباء الحياة، ويعيشوا عيشاً كريماً.
المصادر :
1- لقمان: 14 – 15
2- الاسراء: 23 - 24
3- الوافي ج 3 ص 93، عن الكافي
4- الوافي ج 3 ص 91 - 92، عن الكافي
5- الوافي ج 3 ص 155، عن الكافي
6- البحار م 16 ج 4 ص 24، عن كشف الغمة الأربلي
7- البحار م 16 ج 4 ص 21، عن أمالي الشيخ الصدوق، وأمالي ابن الشيخ الطوسي
8- الوافي ج3 ص92 ، عن الكافي
9- البحار م 16 ج 4ص 23، عن بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار
10- رسالة الحقوق للامام السجاد عليه السلام
11- عن شرح الصحيفة السجادية للسيد علي خان
12- الوافي ج 3 ص 92، عن الكافي
13- الوافي ج 13 ص 90 عن الكافي والتهذيب
14- الوافي ج 3 ص 93، عن الكافي
15- البحار م 16 ج 4 ص 26، عن كتاب الامامة والتبصرة لعلي بن بابويه
16- الوافي ج 3 ص 155، عن الكافي
17- الوافي ج 3 ص 155، عن الكافي
18- الوافي ج 3 ص 155، عن الكافي
19- البحار م 16 ج 4 ص 23، عن أمالي أبي علي ابن الشيخ الطوسي
20- المحاسن والمساوئ، للبيهقي ج 2 ص 193
21- البحار م16 ج4 ص 23، عن امالي ابي علي ابن الشيخ الطوسي
22- البحار م 16 ج 4 ص 22، عن خصال الصدوق
23- الوافي ج 14 ص 50، عن الفقيه
24- الوافي ج 12 ص 196، عن الكافي
25- الوافي ج 12 ص 196، عن الفقيه
26- الوافي ج 12 ص 197، عن الفقيه
27- الوافي ج 13 ص 90، عن الكافي
28- الوافي ج 12 ص 197، عن الكافي/(مريم: 5 - 6)
29- رسالة الحقوق، للامام علي بن الحسين عليه السلام
30- التحريم: 6
التعلیقات