في الذنوب وآثارها (١)
الشيخ علي المشكيني
منذ 10 سنوات
مخالفة أمر الله ونهيه والخروج عن طاعته ورضاه يسمى تارة ذنباً ؛ لكونها ذات
آثار تتبعها ومفاسد تترتب عليها ، فإن الذنب : أخذ ذنب الشيء ليجره إليه ، فيجر المذنب بذنبه مفاسد كبيرة ، وأخرى إثماً ؛ لأنها تبطيء الإنسان عن الثواب ، وتؤخره عن الخيرات والأثم : التأخير.
وثالثة : عصياناً ؛ لأن الفاعل عمل ما يجب عليه أن يحفظ نفسه من هجمة العذاب والحوادث فإن العصيان التمنع بالعصاء.
ورابعة : طغياناً ؛ لأن الفاعل خرج عن الحد ، إذ الواجبات والمحرمات حدود الله والطغيان هو : الخروج عن الحد.
وخامسة : فسقاً ؛ لأن العاصي خرج عن محيط منع الشارع كما يقال فسق التمر إذا خرج عن قشره.
وسادسة : جرماً وإجراماً ، فإن العامل جنى ثمراً مراً أو كسب سيئاً ، فإن الجرم قطع الثمر عن الشجر أو كسب اليسيء.
وسابعة : سيئة ؛ لأنها فعلة قبيحة يحكم العقل والشرع بقبحها.
وثامنة : تبعة ؛ لكونها ذات تبعات مستوخمة وتوالي مضرة مهلكة.
وتاسعة : فاحشة ؛ لعظم قبحها وشناعتها والفاحشة : هي الشيء العظيم قبحه.
وعاشرة : منكراً ؛ لأن العقل والشرع ينكرها ولا يجوز ارتكابها ويوجب إنكارها والنهي عنها.
وبالجملة : مخالفة الله تعالى ومعصيته والخروج عن طاعته من الأمور التي تنطق العقول بذمها وقبحها وتؤكد الآيات والنذر على الاجتناب عنها ، ويصرح الكتاب والسنة بترتب المضار والمفاسد عليها ، وكونها موبقة للنفس مهلكة لها بهلاك معنوي دائم وشقاوة أخروية أبدية أعاذنا الله منها.
والآيات والأخبار الواردة في المقام على أقسام :
منها : ما يرجع إلى النهي عن نفس العصيان وبيان شدة قبحه ولزوم مراقبة النفس لكيلا تقع فيه.
ومنها : ما يبين مضارها ومفاسدها التي ترجع إلى باطن العاصي وهلاك نفسه وانحطاطها عن مرتبة الانسانية.
ومنها : ما يشير إلى آثاره الراجعة إلى دنياه من المصائب والمكاره ، والحوادث المتعلقة ببدنه وماله وأهله.
ومنها : ما يشير إلى تأثير العصيان في البلاد والعباد ، أي : تأثيره في المجتمع الذي يقع فيه في أنفسهم وأراضيهم وبلادهم.
ومنها : ما يشير إلى تأثيره في آخرته وعذابها.
فما يدل على أصل النهي والذم قوله تعالى : ( لا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ) (1).
وقوله : ( وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ) (2).
وقوله : ( ولا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ) (3).
وقوله : ( وكفى به بذنوب عباده خبيراً ) (4) وقوله : ( أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون ) (5) وقوله : ( بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ) (6).
وورد في النصوص أن أشد الناس اجتهاداً ، من ترك الذنوب (7). وأنه : إن أردت أن يختم بخير عملك حتى تقبض وأنت في أفضل الأعمال فعظم لله حقه أن تبذل نعماء في معاصيه (8).
وأن الله قال : يابن آدم ، ما تنصفني أتحبب إليك بالنعم وتتمقت إليّ بالمعاصي ، خيري عليك منزل وشرك إليّ صاعد ، ولا يزال ملك كريم يأتيني عنك في كل يوم وليلة بعمل قبيح. يا بن آدم ، لو سمعت وصفك من غيرك وأنت لا تعلم من الموصوف لسارعت إلى مقته (9).
وأن الله أخفى سخطه في معصيته ، فلا تستصغرن شيئاً منها فربما وافق سخطه وأنت لا تعلم (10).
وأن الوسواس الخناس قال لكبيره إبليس بعد نزول آية التوبة في حق العاصين : أنا أعدهم وأمنيهم حتى يواقعوا الخطيئة ، فإذا واقعوها أنسيتهم الاستغفار ، فوكله إبليس لذلك إلى يوم القيامة (11).
وأنه لا تحقروا شيئاً من الشر وإن صغر في أعينكم ، فإنه لا صغيرة مع الإصرار (12).
وأن من الذنوب التي لا تغفر ، قول الرجل : ياليتني لا اُؤاخذ إلا بهذا (13).
وأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : إني لأرجو النجاة لهذه الأمة إلا للفاسق المعلن (14).
وأن من لم يبال أن يراه الناس مسيئاً فهو شرك شيطان (15).
وأنه إذا أخذ القوم في معصية الله : فإن كانوا ركباناً كانوا من خيل إبليس ، وإن كانوا رجالة كانوا من رجالته (16).
وأن الله يحب العبد أن يطلب إليه في الجرم العظيم ويبغض العبد أن يستخف بالجرم اليسير (17).
وانه : لا يغرنك ذنب الناس عن ذنبك (18).
وأنه لا تستقلوا قليل الذنوب ، فإن قليل الذنوب يجتمع حتى يكون كثيراً (19).
وأنه : احذروا سطوات الله وهي أخذه على المعاصي (20).
وأنه : لو لم يتوعد الله على معصية لكان يجب أن لا يعصى ، شكراً لنعمه (21).
وأن ترك الذنوب أهون من طلب التوبة (22).
واتقوا المعاصي في الخلوات ، فإن الشاهد حاكم (23).
وأقل ما يلزمكم الله أن لا تستعينوا بنعمه على معاصيه (24).
واذكروا انقطاع اللذات وبقاء التبعات (25).
وأشد الذنوب ما استخف به صاحبه (26).
وأن في زبور داود عليهالسلام : أن الله يقول : يابن آدم ، تسألني وأمنعك لعلمي بما ينفعك ، ثم تلح عليّ بالمسألة فأعطيك ما سألت فتستعين به على معصيتي ، فأهمّ بهتك سترك فتدعوني ، فأستر عليك ، فكم من جميل أصنع معك ، وكم من قبيح تصنع معي ، يوشك أن أغضب عليك غضبة لا أرضى بعدها أبداً (27).
________________________
1 ـ الأنعام : ١٥١.
2 ـ النحل : ٩٠.
3 ـ النور : ٢١.
4 ـ الفرقان : ٥٨.
5 ـ العنكبوت : ٤.
6 ـ الحجرات : ١١.
7 ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص٣٤٧.
8 ـ بحار الأنوار : ج٧٤ ، ص٣٠٣.
9 ـ عيون أخبار الرضا ( ع ) : ج٢ ، ص٢٨ ـ الأمالي : ج٢ ، ص١٨٣ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص٣٥٢ وج٧٧ ، ص١٩.
10 ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص٣٤٩.
11 ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص٣٥١.
12 ـ من لا يحضره الفقيه : ج٤ ، ص١٨ ـ وسائل الشيعة : ج١١ ، ص٢٤٦ ـ بحار الأنوار : ج٧٢ ، ص٣١٤ وج٧٩ ، ص٣.
13 ـ الخصال : ص٢٤ ـ وسائل الشيعة : ج١١ ، ص٢٤٧ ـ بحار الأنوار : ج٥٠ ، ص٢٥٠ وج٧٣ ، ص٣٥٥.
14 ـ الخصال : ص١١٩ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٧٦ وج٧٣ ، ص٣٥٥ وج٧٥ ، ص٣٣٧.
15 ـ غرر الحكم ودرر الكلم : ج٤ ، ص١٦٩.
16 ـ ثواب الأعمال : ص٣٠٢ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص٣٥٧.
17 ـ الكافي : ج٢ ، ص٤٢٧ ـ وسائل الشيعة : ج١١ ، ص٣٤٧ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص٣٥٩ وج٩٣ ، ص٢٩٢.
18 ـ عيون أخبار الرضا ( ع ) : ج٢ ، ص٢٩ ـ بحار الأنوار : ج٧٠ ، ص٣٨٨ وج٧١ ، ص٤٥ وج٧٣ ، ص٣٥٩.
19 ـ الكافي : ج٢ ، ص٢٨٧ ـ وسائل الشيعة : ج١ ، ص٧٢ ـ بحار الانوار : ج٦٩ ، ص٣٩٦ وج٧٣ ، ص٣٤٦.
20 ـ وسائل الشيعة : ج١١ ، ص٢٠٥ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص٣٦٠.
21 ـ نهج البلاغة : الحكمة ٢٩٠ ـ وسائل الشيعة : ج١١ ، ص٢٤٣ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص٣٦٤.
22 ـ نهج البلاغة : الحكمة ١٧٠ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص٣٦٤.
23 ـ نهج البلاغة : الحكمة ٣٢٤ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص٣٦٤.
24 ـ نهج البلاغة : الحكمة ٣٣٠ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص٣٦٤.
25 ـ نهج البلاغة : الحكمة ٤٣٣ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص٣٦٤.
26 ـ نهج البلاغة : الحكمة ٤٧٧ ـ وسائل الشيعة : ج١١ ، ص٢٤٦ ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص٣٦٤.
27 ـ بحار الأنوار : ج٧٣ ، ص٣٦٥.
التعلیقات