البساطة في المهر والصداق
عبّاس الذهبي
منذ 9 سنواتليس خافياً على أحد بأنّ الإسلام يسعى لإزالة العوائق التي تحول دون نسج العلائق
الشرعية بين الجنسين والتي تتمثل ـ أساساً ـ في الزواج.
والملاحظ أنّه يتخذ موقفاً توفيقياً بين الزوجين ، ففي الوقت الذي يجعل للمرأة المهر ، ويأمر الرجل باعطائه لها على الوجه الأكمل ، وفق قوله تعالى : ( وآتوا النّساء صدُقاتهنَّ نحِلة .. ) (1) ، فإنّه يحث النساء وأولياءهنّ على عدم تجاوز الحدود المعقولة للصداق ، وعلى عدم التعسف عند استيفائه.
إنَّ الغلو في المهور يشكّل عقبة اقتصادية تحول دون الإقدام على الزواج ، وعليه يمارس الإسلام حواراً إقناعياً مع النساء وأولياء أمورهن ويُرَّغبهم في تيسير المهر ، قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : « إنَّ من يُمن المرأة تيسير خطبتها ، وتيسير صداقها .. » (2) وقال أيضاً : « أفضل نساء أُمتي أحسنهن وجهاً ، وأقلهن مهراً » (3).
وفي مقابل أُسلوب الترغيب اتّبع الإسلام مع المتشدّدين في المهور أُسلوب التوبيخ والتنفير ، وفي هذا الصدد يقول الإمام الصادق عليه السلام : « الشؤم في ثلاثة أشياء : في الدابة ، والمرأة ، والدار. فأمّا المرأة فشؤمها غلاء مهرها ... ».
وفي حديث آخر يجمع بين الاُسلوبين ، فيقول : « من بركة المرأة قلّة مؤونتها ، وتيسير ولادتها ، ومن شؤمها شدّة مؤونتها ، وتعسير ولادتها » (4).
ويذهب الإسلام أبعد من ذلك فهو يعد المرأة التي تتصدق بصداقها على زوجها بالثواب الجزيل وينظر إليها بعين الإكبار والاجلال ، فعن الإمام الصادق عليه السلام ، عن آبائه عليهم السلام قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما من امرأة تصدّقت على زوجها بمهرها قبل أن يدخل بها إلاّ كتب الله لها بكلِّ دينار عتق رقبة » (5).
جدير ذكره أن الإسلام قد حذّر من المعطيات السلبية النفسية فضلاً عن الاقتصادية التي تترتب على المغالات في المهور ، ولعل من أبرزها العداوة والضغينة التي قد تجد متنفساً لها في إثارة المشاكل لأهل المرأة من طرف الزوج الذي يحس بالاجحاف والتعسف ، فيُبيّنت نية السوء لالحاق الأذى بالمرأة وأهلها فيما بعد ، ومن أجل ذلك قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : « تياسروا في الصداق ، فإن الرّجل ليعطي المرأة حتى يبقى ذلك في نفسه عليها حسيكة » (6).
وقال أمير المؤمنين عليه السلام : « لا تغالوا في مهور النساء فيكون عداوة » (7).
وهنا يبدو من الضرورة بمكان الاشارة إلى أن الإسلام يحثُّ على عدم تجاوز السُنّة المحدّدة للصداق ، وهي خمسمائة درهم ، يقول السيد محسن العاملي : ( إنَّ الروايات مختلفة في قدر مهر الزهراء عليها السلام والصواب أنَّه كان خمسمائة درهم ، اثنتي عشرة أوقية ونصفاً ، وأوقية أربعون درهماً ؛ لأنه مهر السُنّة كما ثبت من طريق أهل البيت عليهم السلام ) (8).
والظاهر أن نبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم أراد من تحديده لمهر الزهراء عليها السلام بهذا المقدار ، أن يضع حداً مثالياً يمثل الحل النسبي والوسط الذي ينسجم مع العقل والمنطق لقضية الصداق ، خصوصاً إذا ما علمنا بأن اليد الغيبية كانت من وراء تحديد مهر الزهراء عليها السلام ، فعن جابر الانصاري قال : ( لما زوّج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة عليها السلام من علي عليه السلام أتاه أُناس من قريش فقالوا : إنّك زوَّجت عليّاً بمهر خسيس ، فقال : ما أنا زوّجت عليّاً ، ولكن الله زوّجه ) (9).
وبنظرة فاحصة نجد أن الإسلام عالج هذه القضية بمنتهى المرونة إذ إنّه لم يجعل مهر السُنّة الذي هو مهر الزهراء عليها السلام واجباً على الجميع ، بل جعله حداً لا يجوز تعديه وتجاوزه من قبل ذوي الثراء والاغنياء بشكل يجعل الزواج متعسراً سيما على الفقراء وذوي الدخول المحدودة الذين فتح لهم الإسلام الباب على مصراعيه في الحث على تزويجهم ولو بتعليم سورة من القرآن.
___________________
1) سورة النساء : 4 / 4 ، وفي الآية 20 من هذه السورة المباركة ما يدل على وجوب دفع الصداق كاملاً للمرأة وان كان كبيراً ، وورد في الحديث تحذير من العواقب المترتبة على غصب مهور النساء ، منه ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام : إنَّ أقذر الذنوب ثلاثة : قتل البهيمة ، وحبس مهر المرأة ، ومنع الأجير أجره وقوله عليه السلام : من تزوج امرأة ولم ينوِ أن يوفيها صداقها فهو عند الله عزَّ وجلَّ زانٍ مكارم الأخلاق : 207 و 237.
2) كنز العمال 16 : 322 / 44721.
3) مكارم الأخلاق : 198.
4) مكارم الأخلاق : 198.
5) المصدر السابق : 237.
6) كنز العمال 16 : 324 / 44731.
7) مكارم الأخلاق : 237.
8) في رحاب أئمة أهل البيت عليهم السلام 1 : 162 ـ 163 دار التعارف ط 1400 هـ.
9) مكارم الأخلاق : 208.
التعلیقات