عناية الإسلام بالجانب الأخلاقي بين الزوجـين (١)
عبّاس الذهبي
منذ 9 سنواتتشكّل الأخلاق حجر الزاوية في إدامة التماسك والألفة بين أفراد الاُسرة
كمجتمع صغير وبينها وبين المجتمع الكبير ، ومن هنا جاء في موعظة النبي صلى الله عليه وآله وسلم للإمام علي عليه السلام : « ... يا عليّ ، أحسن خُلقك مع أهلك وجيرانك ومن تعاشر وتصاحبُ من الناس ، تُكتب عند الله في الدّرجات العُلى » (1).
وفي جهة اُخرى فان سوء الخلق يغرس في محيط العائلة بذور الخلاف ، وينتج النفرة من البيت ، ويولّد الملل للأهل ، يقول أمير المؤمنين عليه السلام : « سوء الخلق يوحش القريب ويُنفر البعيد » (2) ويقول أيضاً في خطبته المعروفة بـ « الوسيلة » : « ومن ضاق خُلقه ملّه أهله » (3). والملاحظ في ضوء النصوص الدينية أنها تركز على أربع خصال أخلاقية لها مدخلية كبرى في توثيق وإدامة الحياة الزوجية وهي :
أ ـ الصبر الجميل :
وهو تحمل الزوجين لتصرفات أحدهما الآخر بدون بثّ الشكوى للآخرين الذي يؤدي إلى تدخلات تعيق مسير الحياة الزوجية ، علما بأن هذا الصبر سوف يكسب الزوجين الثواب الجزيل ، قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في خطبته الجامعة في المدينة قبيل رحيله : « .. ومن صبر على سوء خلق امرأته واحتسبه ، أعطاه الله تعالى بكلِّ يوم وليلة يصبر عليها من الثواب ما أعطى أيّوب عليه السلام على بلائه ، وكان عليها من الوزر في كلِّ يوم وليلة مثل رمل عالج .. ومن كانت له امرأة لم توافقه ولم تصبر على مارزقه الله تعالى وشقّت عليه وحملته ما لم يقدر عليه ، لم يقبل الله منها حسنة تتقي بها حرَّ النار ، وغضب الله عليها ما دامت كذلك » (4).
وقد ضرب أهل البيت عليهم السلام أروع الأمثلة على الصبر الجميل مع أهلهم وما ملكت أيمانهم ، فعن الإمام الصادق عليه السلام ، قال : « سمعتُ أبا جعفر عليه السلام يقول : إنّي لأصبر من غلامي هذا ومن أهلي على ما هو أمرّ من الحنظل .. (5) ».
ب ـ العفّة وعدم الخيانة :
لاشكّ أن خلع حزام العفة من قبل الزوجين أو أحدهما موجب للخيانة التي سرعان ما تقوّض أركان الأسرة وتسيء إلى سمعتها وتكسب أفرادها الإثم والعار.
والملاحظ أن الإسلام يذهب إلى أن سقوط الزّوج في هاوية الرذيلة يؤدي إلى سقوط الزوجة أيضاً في تلك الهاوية ، حسب قاعدة « كما تدين تدان » ، روى الإمام علي عليه السلام : أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : « لا تزنوا فيذهب الله لذة نسائكم من أجوافكم ، وعفّوا تعفّ نساؤكم ، إنّ بني فلان زنوا فزنت نساؤهم » (6).
ويروي الإمام الصادق عليه السلام أنّه قد أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام : « .. لاتزنوا فتزني نساؤكم ، ومن وطىء فرش أمرىء مسلم وُطىء فراشه ، كما تدين تُدان » (7).
ضمن هذا السياق نجد في النصوص الدينية استنكاراً شديداً للخيانة الزوجية وتهديداً مغلَّظاً للأزواج الذين يخلعون ثوب الفضيلة ويوبقون أنفسهم بارتكاب الرذيلة ، ولهذا قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم متوعّداً : « ... ومن فجر بامرأة ولها بعل تفجّر من فرجهما صديد واد مسيرة خمسمائة عام ، يتأذى به أهل النّار من نتن ريحهما ، وكان من أشدّ الناس عذاباً .. (8) ».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) تحف العقول : 14 مواعظ النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحكمه.
2) غرر الحكم ح 5593.
3) تحف العقول : 97.
4) عقاب الأعمال ، للصدوق : 339 باب يجمع عقوبات الأعمال.
5) وسائل الشيعة 11 : 209 / 5 من أبواب جهاد النفس.
6) مكارم الأخلاق : 238 من نوادر النكاح ، الفصل العاشر.
7) عقاب الأعمال : 338.
8) عقاب الأعمال : 338.
التعلیقات