السؤال ليس حرفة
عزّ الدين بحر العلوم
منذ 9 سنواتالسؤال والتكفف ليس حرفة وليس هو ـ في نفس الوقت ـ هواية ليقصد الإنسان من وراء ذلك جمع المال
، والعيش على حساب الآخرين ... بل لابد من أن يكون السؤال نابعاً عن حاجة السائل وعوزه وفي غير هذه الصورة فإن الشارع المقدس يمقت هذا النوع من التكفف ، ومد اليد إلى الآخرين وبالتالي يتوعد السائل لو تكفف من غير حاجة ، ولا احتياج.
يقول الأمام أبو عبد الله عليهالسلام :
« ما من عبد سأل من غير حاجة ، فيموت حتى يحوجه الله إليها ، ويثبت الله له بها النار » (١).
وفي حديث آخر نراه يقول :
« من سأل من غير فقر فكأنما يأكل الخمر » (٢).
وقبل أن ننتقل إلى موضوع آخر من بحثنا لابد من الإجابة على السؤال عن هذا التشديد على السائل لو سأل من غير حاجة ، فإن مثل هذا السائل أقصى ما يقال في حقه : أنه نزل إلى المستوى الواطئ فرضي بالعيش ذليلاً يطلب من هذا ، ويسأل من ذاك وهذا أمر يخصه ، وعليه ينطبق عليه قول الشاعر :
« ومن لم يكرم نفسه لم يكرم ».
فلو ارتضى الشخص لنفسه أن لا يكرم فهل يكون جزاءه النار كما في الخبر الأول ، أو انه كمن اكل الخمر ؟ والمراد بالأكل هو شربها.
سؤال ينتظر الإجابة ؟
والجواب عن ذلك : ان الإسلام لا يرضى للفرد أن يكون كلاً على الآخرين ، بل يحبذ للإنسان الاعتماد على النفس ، والجد في هذه الحياة ليأكل قوته من ثمرة جهوده التي يبذلها في الكسب ، والتجارة ، والعمل ، وقد جاء عن النبي صلىاللهعليهوآله في موارد كثيرة نهيه عن السؤال ، وإرشاد السائل بترك التكفف ، والدخول إلى معترك الحياة من الطريق الذي يحبذه الله لعباده وهو الطريق الذي سار عليه الأنبياء ، والأوصياء ، والصالحون كما حدثنا التاريخ عنهم ، وأنهم كانوا يعيشون من أعمالهم اليدوية ، أو البدنية.
يقول الإمام أبو عبد الله الصادق :
« لو أن رجلاً أخذ حبلاً فيأتي بحزمة حطبٍ على ظهره فيبيعها فيكف بها خير له من أن يسأل » (3).
وعنه أيضاً عن النبي صلىاللهعليهوآله أنه قال :
« الأيدي ثلاثة : يد الله العليا ، ويد المعطي التي تليها ، ويد المعطى أسفل الأيدي فاستعفوا عن السؤال ما استطعتم. إن الأرزاق دونها حجب ، فمن شاء قنى حيائه ، وأخذ رزقه ومن شاء هتك الحجاب ، وأخذ رزقه ، والذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبلاً ، ثم يدخل عرض هذا الوادي ، فيحتطب حتى لا يلتقي طرفاه ، ثم يدخل السوق ، فيبيعه بمدٍ من تمر فيأخذ ثلثه. ويتصدق بثلثيه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو حرموه ».
رزق حلال حصيلة جهد ، وعمل ، وربح ، وتجارة مع الناس ، ومع الله.
(١) وسائل الشيعة ـ ٦ / ٣٠٥.
(٢) وسائل الشيعة ـ ٦ / ٣٠٦.
(3) وسائل الشيعة ـ ٦ / ٣١٠.
مع الناس : فيما حصله من ثمن ما احتطبه من ثلث المال.
ومع الله : فيما أنفقه من ثلثي الحطب ، أو قيمته إلى الفقراء
، وبذلك يسد حاجته ، وحاجة غيره.
كل ذلك خير له من مد يد الذلة إلى الناس ينتظر ما تدر به عواطفهم نحوه.
على أن السائل بمد يده إنما يقصد إنساناً مثله فهو بهذه العملية يعرض عن التوجه إلى الله سبحانه ويبعد عن ساحته المقدسة ولو كانت ثقته بالله متينة ورصينة لما أعرض إلى غيره.
يقول لقمان الحكيم لولده :
« يا بني ذقت الصبر ، وأكلت لحا الشجر ، فلم أجد شيئاً امر من الفقر ، فأن بُليت به يوماً ، فلا تظهر الناس عليه ، فسيهينوك ، ولا ينفعوك بشيء إرجع الذي ابتلاك به فهو اقدر على فرجك ، واسأله فمن ذا الذي سأله فلم يعطه ، أو وثق به فلم ينجه ؟ » (١).
« فمن ذا الذي سأله فلم يعطه ، أو وثق به فلم ينجه » ؟
استفهام إنكاري يحمل بين طياته دروساً قيمةً ، فالسائل هذا الإنسان العبد المخلوق والمسؤول هو الله سبحانه.
الله : الذي كرر في آيات عديدة من كتابه الكريم ضمانه للأجابة لو دعاه العبد.
الله : الذي تطوف ملائكته في أناء الليل ، وهم ينادون :
هل من داعٍ فيستجاب له ؟
هل من طالب حاجة لتقضى له ؟
هل من تائب ليقبل الله توبته ؟
لقد نام الملوك ، وغلقوا أبواب قصورهم ، وطاف عليها حراسها ، وبابه مفتوح لمن قصده.
الله : الذي تكفل بأرزاق العباد فقال في كتابه الكريم :
( وما من دابة في الأرض الا على الله رزقها ).
بغض النظر عن مساويء العباد.
الله : يخاطب عباده في حديث قدسي قائلاً :
« عبدي أوجدت صدراً أوسع مني فشكوتني إليه ».
هذا الله العظيم هل يرد سائلاً مد يده إليه ؟
أو يوصد باب رحمته بوجه من طرق ذلك الباب ؟
أو يمنع رزقه عمن اتكل عليه ؟
إذاً لماذا يتجه السائل إلى إنسان مثله فقير إلى ربه ؟
******************************
(١) وسائل الشيعة ـ ٦ / ٣٠٧ ـ ٣١١.
التعلیقات