القراءة وصعوباتها عند الأطفال
مجلة الزهراء سلام الله عليها
منذ 8 سنواتأهمية القراءة :
(اقرأ باسم ربك الذي خلق)(1) أمر إلهي يدعو الناس إلى القراءة، مؤكداً على تعلمها وتعليمها. وفي ذلك إشارة إلى محو الأمية ومحاربة الجهل، باعتبار القراءة أحد الأبواب التي تقود إلى المعرفة والهداية(2) .
ويدعو في آية أخرى لتعلم الكتابة (الذي علّم بالقلم)(3)؛ أي "علّم الكاتب أن يكتب بالقلم لرسم ما يدور في فكرة على القرطاس مما ينتفع به هو أو غيره"(
4) .
وتعتبر القراءة والكتابة ركيزتين أساسيتين؛ لتحقيق النجاح في المدرسة، وتسهيل مستقبل الطفل العلمي بالكامل أولاً، وفي حياته العملية فيما بعد.
"(أقرأ لطفلك) شعار يدعو الآباء لاعتبار القراءة مصدراً أساساً لنمو أطفالهم، وعنصراً مهماً لا تكتمل رعايتنا لصغارنا بدونه. وتنطلق هذه الدعوة من نتائج علمية تؤكد أهمية القراءة؛ لنمو قدرات الطفل العقلية والوجدانية"(5).
من هنا كان التأكيد على تعليم القراءة والكتابة في سن مبكرة، من قبل المختصين في مجال التربية المبكرة للأطفال، على ضوء الدراسات العلمية، التي يتم إجراوها، والتي تؤكد على أهمية هذه المرحلة في حياة الإنسان، وتتحدد قدراته اللغوية والمنطقية على أساسها.
فنشرت وزارة التربية والتعليم البريطانية سنة 1984 تقريراً كوثيقة، تحت عنوان تعلم الإنكليزية من سن الخامسة إلى سن السادسة عشرة. ننقل منه الفقرة التالية:
"إذا لم يصل الطفل إلى مستوى أساس من القراءة والكلام في السابعة من عمره، أصبح من المتعذر عليه تحقيق مستوى مقبول من التعلم في المواضيع الأخرى، التي يعتمد معظمها على القدرة على القراءة والتسميع الشفوي والتسجيل الكتبي. وقد تدوم هذه الآثار السلبية. بل تتفاقم خلال المرحلة الابتدائية وتمتد إلى المراحل التي تليها، وغالباً ما نرى أنّ الأطفال الذين يعانون من صعوبات في القراءة في نهاية المرحلة الابتدائية ، يتأخرون في الدراسة في المرحلة الثانوية، برغم كونهم في الأساس في مستوى طبيعي من الذكاء"(6).
لكن هل يستطيع عقل الطفل استيعاب كل هذا؟
تؤكد البحوث العلمية أنّ ما يدركه الطفل يفوق ما نتصوره، حيث يبدأ نشاطه العقلي وهو جنين في رحم الأم، وتنشط قدراته العقلية تبعاً لما نقدمه له منذ ميلاده. فنحن نعرف أنّ ما يحققه الطفل من نمو؛ نتيجة تفاعل عاملين: الأول ما وهبته إياه الطبيعة من قدرات، وهي العوامل الوراثية، والثاني: العوامل البيئية: كالتعليم، وظروف التربية؛ لذلك فإنّ القراءة للطفل تفتح أمامه العالم بثرائه، فتنشط ما لديه من قدرات، وتساعده على تحقيق درجات عالية من النمو، كما أنّها تخلق لدى الطفل ألفة بالكتاب والصورة والكلمات، وبذلك تضع البذور الأولى للتعلم وحب المعرفة. ويؤكد العلماء أنّ القراءة للطفل هي المرحلة الأولى أو الصورة الأولى، التي يتعلم من خلالها القراءة في المستقبل.
ومن الأمثلة على ذلك تجربة صغيرة تدعم ما قدمناه، حيث قام أحد الباحثين في مجال التعلم والطفولة المبكرة بتجربة، فطلب من الأمهات أن يقرأن لأطفالهن بلغة غير لغتهم الأصلية، كل مساء ولمدة محددة. ثم قام بمتابعة هؤلاء الأطفال بعد التحاقهم بالمدرسة، وتعلمهم هذه اللغة الأجنبية، وقارن بينهم وبين الأطفال الذين لم تشملهم التجربة، فوجد أنّ الأطفال الذين استمعوا إلى قراءة الأمهات في طفولتهم المبكرة أكثر تفوقاً من الأطفال الآخرين(7).
والقراءة هي التي تمهد للطفل وتعدُّه للالتحاق بالروضة، التي تعتبر أول صورة من صور التعليم الرسمي، حيث تقوم بدور إيجابي يؤثر في نموه بمختلف جوانبه، وفيها يبدأ الطفل بتعلم الحروف في كتابه الجميل، وكتابتها على دفتره الصغير، فيعود إلى أمه مسروراً يُحدّثُها عن نشاطه ومغامراته طيلة النهار.
صعوبة القراءة عند الأطفال (التخلّف القرائي):
"القراءة عملية جوهرية يتوقف عليها نجاح منهجيات التعبير المنطلقة من نص مكتوب... وإن كانت تصرفات أدمغتنا مختلفة باختلاف مسارنا الشخصي، فطاقاتها متساوية في الأساس، ويبقى سر نجاحنا في تأمين الظروف والطرائق المثالية لتشغيلها"(8).
فلماذا يجد بعض الأطفال صعوبة في القراءة؟ وهل يمكن التغلب على تلك الصعوبات؟
يعود ذلك لمشاكل وأسباب عديدة، يردُّها التربويون المتفهمون لنفسية الطفل إلى ما هو جسمي أو نفسي تربوي، ومنها ما يعود إلى المعلم نفسه.
وإذا لم توضع لهذه المشاكل الحلول السليمة، تفاقمت وأثّرت محصلتها سلباً في الطفل، بحيث يصعب علاجها. ومن هذه المشاكل:
أولاً: مشكلة التخلف في النطق والقراءة:
ماذا يُقصد بصعوبات النطق ومشكلات الكلام؟ وما هي أهم مظاهرها الاجتماعية؟ وما هي أسبابها؟ وهل يمكن علاجها؟
إنّ الإنسان العادي يخرج الأصوات، وينطق الكلمات في توافق حركي سليم بين كافة أعضاء النطق، أما الإنسان غير العادي، والذي يعاني مشكلات النطق والكلام فهو الإنسان الذي لايستطيع أن يتحكم بأعضاء النطق وأجهزته، ولايمكن التوافق الحركي بينهما؛ لتخرج الكلمات سليمة متناسقة. وهذه المشكلة تظهر عند الطفل منذ بداية سنوات حياته الأولى خصوصاً.
مظاهرها: نظراً لتعدد هذه الأعضاء وتلك الأجهزة فقد تعددت مظاهر النطق والكلام، وذلك مثل الثأثأة، والتأتأة، والتمتمة، والحنف، واللثغة، والتهتهة أو اللجلجلة، التي تدور كلها حول تعثر الإنسان في نطق الكلمات، وذلك في صورة مرضية شاذة، ترجع إلى أسباب متعددة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ العلق 96 : 1 .
2 ـ يراجع: النجفي ، محمد: ارشاد الأذهان الى تفسير القرآن. ط 1 ، ىار التعارف للمطبوعات ، بيروت(1419هـ ـ 1998م) . ص 2 ـ 6 .
3 ـ العلق 96 : 4 .
4 ـ النجفي ، (م . س) ، ص 602 .
5 ـ حسن ، حسن(د): النهج الجديد في تعليم الأطفال الصغار القراءة ط 2 ، دار الفكر، بيروت، 1996م ، ص55 .
6 ـ (م ، ن) ، (ص، ن) .
7 ـ يراجع : خطوة (مجلة صادرة عن المجلس العربي للطفولة والتنمية)، العدد 14 ، ديسمبر 2001، ص28 .
8 ـ جرجورة ، حردان: القراءة السريعة. ط 1، مركز الابحاث والدراسات العربية، كلية الآداب والعلوم الانسانية، جامعة القديس يوسف، دار المشرق، بيروت، 1997 ص ص 5 ـ 6 .
9 ـ يراجع : الملف التربوي مختارات من الصحافة العربية والأجنبية، دار الحدائق للطقباعة والنشر والتوزيع، فهي مصطفى محمد: التخلف القرائي عند الاطفال، مجلة الكويت، العدد 92 ، ص10.
10 ـ يراجع: (م . ن)، (ص. ن).
11 ـ (م. ن)، (ص . ن)
12 ـ يراجع : (م . ن)، (ص . ن) .
التعلیقات