موانع التربية الدينية
موقع فاطمة
منذ 8 سنواتموانع التربية الدينية
إنَّ معرفة الموانع والآفات التي تعيق عملية التربية الدينية الصحيحة
والكاملة للأطفال وتحول دون تطبيقها بنحو صحيح، هي مسألة ضرورية لا يمكن الاستغناء عنها. والموانع والآفات هي عبارة عن مجموع العوامل المهمّة والمؤثّرة التي تُحدِث اختلالاً في سير عملية التربية الدينيّة، وتجعل منها صعبة أو متعذّرة. وفيما يلي نستعرض بعضاً من هذه الموانع:
الموانع الناشئة من المربّين
هناك بعض المعوّقات قد تنشأ من ناحية الوالدين، والبعض الآخر من المربّين التربويّين تؤثّر في التربية الدينيّة والأخلاقيّة للأبناء، منها:
1. تراخي الوالدين:
الجسم والروح ساحتان مهمّتان في وجود الإنسان، بحيث يمكن أن تُصاب كلّ واحدة منهما بالآفات والأمراض. والأب والأمّ كما أنّهما يلتفتان إلى الأمراض التي قد تصيب أجساد أبنائهم ويسعيان لتوفير سلامتهم الجسدية، ينبغي أن يكونا ـ أيضاً ـ متحسّسَيْن تجاه أمراضهم الروحيّة والنفسيّة، وأن يسعيا في سبيل تأمين سلامتهم الروحيّة والنفسيّة.
يقول الإمام علي عليه السلام للإمام الحسن عليه السلام: "أَيْ بُنَيَّ... وَوَجَدْتُكَ بَعْضِي، بَلْ وَجَدْتُكَ كُلِّي، حَتَّى كَأَنَّ شَيْئاً لَوْ أَصَابَكَ أَصَابَنِي، وَكَأَنَّ الْمَوْتَ لَوْ أَتَاكَ أَتَانِي، فَعَنَانِي مِنْ أَمْرِكَ مَا يَعْنِيني مِنْ أَمْرِ نَفْسِي، فَكَتَبْتُ إِليْكَ كِتَابِي هَذا، مُسْتظْهِراً بِهِ إِنْ أَنا
بَقِيتُ لَكَ أو فَنِيتُ"، ثمّ يقول: "أَيْ بُنَيَّ..... وَإِنَّمَا قَلْبُ الْحَدَثِ كالأرض الْخَالِيَةِ مَا أُلْقِيَ فِيهَا مِنْ شَيء قَبِلَتْهُ، فَبَادَرْتُكَ بِالأَدَبِ قَبْلَ أَنْ يَقْسُو قَلْبُكَ، وَيَشْتَغِلَ لُبُّكَ"1.
والحقيقة المرّة هي أنّ قسماً مهمّاً من موانع تديّن الأحداث والشباب في عصرنا الحالي، سببه تراخي الوالدين وتهاونهما واتّباعهما أسلوب التساهل والتسامح غير المنطقي، وإهمالهما لحجم المسؤولية تجاه تربية أبنائهم.
رويَ أنّ النبي صلى الله عليه واله وسلم نظر إلى مجموعة من الأطفال، فقال: "ويل لأطفال آخر الزمان من آبائهم، فقيل يا رسول الله من آبائهم المشركين، فقال: لا من آبائهم المؤمنين؛ لا يعلّمونهم شيئاً من الفرائض، وإذا تعلّموا أولادهم منعوهم، ورضوا عنهم بعَرَضٍ يسيرٍ من الدنيا. فأنا منهم بريءٌ وهم منّي براء"2.
كما أنّ بعض العائلات، ومن أجل تعلّم لغة إضافية مثلاً، أو الأمور الفنّيّة والإعلاميّة، ينفقون أموالاً طائلة، ولكنّهم يتردّدون في إرسال أولادهم إلى صفّ لتعليم القرآن، أو شراء الكتب والمجلات والوسائل الدينيّة، أو في رفع مستوى رؤية أبنائهم الدينية ومعرفتهم.
ومن الواضح أنّ اتّباع سياسة كهذه، يُورث الطِّفل فقراً ثقافيّاً، وحرماناً معرفياً في مجال المعارف الدينيّة عند الكِبَر.
2. التعامل السلبي بين الوالدين:
إنَّ بعض الصفات من قبيل الوقار، والأدب، والعظمة، والحزم، والقاطعية، واجتناب الأعمال السفيهة، وعدم الإفراط في المزاح، والاعتداد بالنفس، وأمثال ذلك، هي عوامل تؤدّي إلى تعزيز الإحترام بين الناس واحترام الأبناء لأهلهم أيضاً.
ومن الأمور المهمّة في التربية، هو كيفية تعاطي الوالدين مع بعضيهما. فالتعاطي الحميمي والمحترم بين الأمّ والأب، ومراعاة شؤون كلّ منهما وخصوصيّاته من قبل
الآخر؛ له تأثير كبير في إيجاد حسّ الاحترام لدى الأبناء تجاههما. وعليه، فإذا كان ثمّة مشاكل ومسائل عالقة بين الأب والأمّ، فلا ينبغي لهما إثارتها أمام الأبناء، أو أن يوجّه أحد الطرفين النقد والكلام السيّىء إلى الطرف الآخر في غيابه. فهذا النوع من التعاطي يزيل احترام الأبناء وثقتهم بوالديهما، وإلا فكيف يمكن أن يُتوقّع من الأبناء إظهار الاحترام والتقدير لأهلهم مع تصرّفات كهذه؟!
3. الازدواجيّة بين القول والعمل:
إنّ الازدواجية بين أقوال الوالدين وسلوكهما العملي يخلّ في سَيْر تربيتهم للأولاد. فإذا لم تترافق أقوال الوالدين وغيرهما من المربّيين مع سلوكهم العملي، فلن يكون لتربيتهم أيّ أثر.
ولذلك ترى القرآن الكريم يذمّ الأقوال التي لا يصاحبها سلوك عملي، فيقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾3. وفي آية أخرى يذمّ بني إسرائيل فيقول: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾4.
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ العالم إذا لم يعمل بعلمه زلّت موعظته عن القلوب؛ كما يزلّ المطر عن الصفا"5.
فإذا لم يصاحب العملُ القولَ فإنّه سيكون له أضرارٌ بالغة على تربية الأبناء؛ ومن جملة تلك الآثار؛ أنّه سيزلزل اعتقادات الأبناء، وسيضرب ثقتهم بأهلهم، وسيسري انعدام الثقة هذا إلى أبعاد أخرى من حياتهم؛ كالقِيم، والاعتقادات الإنسانية والدينيّة، كما وستسقط مكانة أهلهم من نظرهم، ويجرّؤهم ذلك على ارتكاب الذنوب، والكذب، ويحملهم على الرياء والنفاق.
4. عدم الإشراف والمراقبة:
بعض الآباء والأمّهات يتركون أبناءهم ويغفلون عن تربيتهم الدينيّة والأخلاقيّة، حتى أنّهم لا يُظهِرُون أيّ ردود فعل تجاه جُنُحاتهم وأخطائهم، وهذا النمط من السلوك يؤدّي إلى تسافل الأبناء، ويجعل منهم أفراداً؛ لامبالين، متعنّتين، متملّقين، غير منضبطين، ومتمرِّدين.
الموانع الناشئة من اتّباع الأساليب الخاطئة
بعض المعوّقات منشؤها جملة من الأساليب التربوية الخاطئة، والتي، أهمّها:
1. التربية على الغنج والدلال والرفاهية:
إنّ الإفراط في إظهار المحبّة، والتدليل، والملاطفة دون ضوابط، وعدم التعاطي بحزم مع الأبناء، وتربيتهم على الغنج؛ لها ضررٌ جدّي على صعيد التربية؛ بحيث تنتج أفراداً ضعفاء عاجزين في ساحة الحياة.
إنّ الحياة كلّها عبارة عن مواجهة المشاكل والتحدّيات، وفي دروب الحياة هناك الذلّة والرفعة، المحرومية، والإخفاق، والمصائب. والمربّي الجدير هو الذي يربّي الإنسان جسداً وروحاً بنحوٍ جيّدٍ، ويجهّزه ويعدّه للمواجهة والنضال في ساحة الحياة المليئة بالصعاب.
يقول الإمام الكاظم عليه السلام: "يستحبّ غرامة الغلام في صغره؛ ليكون حليماً في كبره"6.
والتعاليم الإسلاميّة تلوم بقوّة أولئك الذين يفرطون ويغالون في إظهار المحبّة لأبنائهم والعطف عليهم وتذمّهم لأنهم يجعلون من أبنائهم أناساً مبتلين بأمراض أخلاقية؛ كالعجب، والأنانية، وحبِّ الذات، كما يقول الإمام الباقر عليه السلام: "شر الآباء
من دعاه البرّ إلى الإفراط"7.
فعندما يواجه الطِّفل حوادث غير مرضية؛ كأن يضرب رأسه بالحائط، أو يقع على الأرض، فهو يتوقّع من والديه مواساته واحتضانه، والوالدان لا شعورياً في موارد كهذه يظهرون محبّة في غير موضعها من قبيل احتضانهم، وتقبيلهم، والمسح على العضو المتضرّر، وغير ذلك... بالإضافة إلى إظهار مستويات من الانزعاج والتأثُّر، وأحياناً ولأجل إرضاء الطِّفل، يضرب الأهل الأرض والحائط. وتكون ردود فعل الطِّفل في هذه الحالات بكاءً وعويلاً وتأوّهاً وأنيناً؛ لأنّه يرى أنّه يستحقّ الملاطفة والمواساة في مقابل كلّ حادثة. ومع تكرار هذا النوع من المحبّة التي هي في غير محلّها، تنمو تدريجياً الأنانية، والعجب، والغرور، وحبّ الذات في كيان الطِّفل، وتجعل منه طفلاً مدلّلاً مغناجاً.
2. توهين الولد وتحقيره:
عندما يكون التعامل مع الأبناء مصحوباً بتوهينهم وتحقيرهم، أو ذمّهم وملامتهم بشكل متواصل أو عدم إعطائهم قيمة، أو عدم احترامهم بحضور الآخرين؛ سيظنّون أنفسهم تدريجيّاً بلا قيمة ولا اعتبار، وسيفقدون إحساسهم بالكرامة والشخصيّة، وهذا الإحساس هو بداية السقوط والانحطاط.
ففي بعض العائلات، يستخدم الأب أو الأمّ ألفاظاً فيها طعنٌ وقدحٌ، فيحقّران أبناءهما في حضورهم وفي حضور الغرباء، دون أن يعلما أنّهما بهذا العمل يلقّنان أبناءهما تلك الخاصّّية القبيحة، ويصنعان منهم أناساً بلا قيمةٍ ولا اعتبار؛ مستعدّين لارتكاب كلِّ فعل حقير ومنحرف.
فالإحساس بالحقارة وعقدة النقص، تضعضع أسس الثقة بالنفس. فالإحساس بعقدة الذنب، الخجل، الإحباط، واليأس، واعتزال المجتمع، الحقد والانتقام، والميل لارتكاب
الذنوب والمعاصي، النفاق، والرياء؛ كلّها نتائج غير مرغوبٍ فيها لمثل هذا النوع من السلوك والتعاطي. يقول أمير المؤمنين علي عليه السلام: "نفاق المرء من ذلّ يجده في نفسه"8.
3. الإجبار والإكراه:
إنّ استخدام أسلوب التسلّط، وإصدار الأوامر والنواهي الباعث على اللجاجة والعناد، هو من الأساليب غير النافعة والضارّة في التربية الدينيّة والأخلاقيّة. فالوالدان هنا، بدلاً من أن يتعاملا بحميمية وصداقة مع أبنائهما، يُكرهانهم ويُجبرانهم. وفي الأُسر التي يستخدم فيها الوالدان هذا الأسلوب الاستبدادي، يكون ارتباط الوالدين وعلاقتهما اليوميّة بأبنائهما قائمةً على التسلّط والقسوة، وعلى الأبناء أن يفعلوا فقط ما يُقال لهم. وفي حال رفضوا يحتمل أن تكون ردّة الفعل الأولى هي التأديب الجسدي. وأمّا الاهتمام بآراء الأبناء ومحاورتهم بخصوص المسائل العائلية، يُعدّ أمراً نادراً، بل مستحيلاً، بل أكثر ما يتّخذ كلام الوالدين وخطابهما مع أبنائهما شكل الأوامر، ويكون مصاحباً للنقد والتأديب، حتى أثناء ترغيبهم وتشجيعهم؛ لأجل الإقدام على السلوك المناسب.
يشير أسلوب الهداية في القرآن المجيد إلى ضرورة اجتناب الإكراه والإجبار؛ إذ يدلّ القرآن على الطريق المستقيم، ويجعل انتخاب الطريق على عاتق الفرد نفسه، فهو لا يطيق الإكراه في قبول هذه الدعوة.
جاء في الذكر الحكيم: "لا إكراه في الدين قد تبيّن الرشد من الغي"9.
ويقول العلّامة الطباطبائي{ في تفسيره لهذه الآية: "في قوله تعالى: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْد﴾، نفي الدين الإجباري؛ لما أنّ الدين؛ وهو سلسلة من المعارف العلمية التي تتبعها أخرى عمليّة يجمعها أنّها اعتقادات، والاعتقاد والإيمان من الأمور القلبيّة التي لا يَحْكُمُ فيها الإكراه والإجبار؛ فإنّ الإكراه إنّما يؤثّر في
الأعمال الظاهرية والأفعال والحركات البدنيّة الماديّة، وأمّا الاعتقاد القلبي فله عِلل وأسباب أخرى قلبيّة من سنخ الاعتقاد والإدراك، ومن المحال أن ينتج الجهل علماً، أو تولّد المقدّمات غير العلميّة تصديقاً علميّاً"10.
فالتربية عبارة عن إيجاد الاعتقاد والتصديق، وإحلال الإيمان في قلوب الأبناء. وعلى حدّ قول الشهيد مطهرّي: إنّ الإيمان لا يمكن فرضه بالإكراه والإجبار. إنّ ما يريده الأنبياء هو الإيمان، لا الإسلام الظاهري، والإيمان لا يُفرض؛ لأنّه اعتقاد، وعلاقة، وانجذاب. لا يمكن إيجاد الاعتقاد في شخص ما بالقوّة... إذا كان شاب لا يحبّ فتاة، والفتاة لا تحبّ الشاب، أيستطيع أبواهما أن يحملاهما على أن يحبّ أحدهما الآخر؟ كيف يفعلان ذلك؟ أبالضرب والفلقة؟ أجل، قد يؤدّي ذلك إلى حملهما على القول بأنّهما يحبّ أحدهما الآخر، ولكنّهما يكونان كاذبين دون أدنى رَيْب، فحتى لو كسَّرا كلّ عصي العالم عليهما فلا يمكن إدخال حبّ أحدهما في قلب الآخر؛ لأنّه مستحيل بهذه الطريقة، وإذا شئت أن تُدخِل الإيمان في القلوب فليس طريقه القوّة والإكراه، بل هو الحكمة والموعظة الحسنة: ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾12.11
4. الشدّة والعنف في غير محلّهما:
يخاطب الله رسوله الأكرم صلى الله عليه واله وسلم في كتابه العزيز:﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ﴾13.
يظهر من هذه الآية أنّه إذا كان الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم في تعامله مع الناس وإصلاحهم؛ فظّاً غليظاً لا يُداري، فهو عندئذ غير قادر على إصلاحهم، وسيبعث هذا الأمر على
امتناع الناس عن قبول الإسلام، وحرمانهم من نعمة الهداية.
ولا شكّ، أنّه يمكن أن تشمل هذه الحقيقة الأسرة وعملية تربية الأبناء أيضاً. فما أكثر الأفراد الذين غدوا ضحايا عنف الوالدين وقسوتهما، وخاصّة الأب وحرموا من تربية سليمة. فهم، وبسبب معاملتهم بعنف وقسوة، راحوا يشعرون بعقدة الحقارة، وعقدة الحقارة نفسها تولِّد الكثير من السلوكيّات غير الصحيحة.
إنّ التعاطي بعنف وقسوة سواء أكان من قِبَل الأم أم الأب يُفقد المنزل أجواءه الحميميّة والانسجام، وينثر بذور الحقد والعداوة في وجدان الأبناء.
5. التمييز وعدم الانصاف:
على الوالدين أن يتعاطيا مع أبنائهما بعدالة، وإذا كانا لسببٍ ما يحبّان أحد أبنائهما أكثر من إخوته، لا ينبغي لهما أن يُظهرا محبّتهما؛ لأنّ الأبناء حسَّاسون جدّاً تجاه هذه المسألة، ويصعب عليهم تحمّلها.
أحياناً تكون بعض المشاكل السلوكيّة عند الأبناء والأحداث ناشئةً من أنّهم يشعرون بأنّ آبائهم وأمّهاتهم يهتمّون بهم ويحبّونهم أقلّ من إخوتهم، وبما أنّه لا يمكن الاعتراض علناً، فإنّ ذلك الشعور يبقى ويُحفظ في القلب على شكل عقدةٍ نفسيّة. وبعد مدّة تظهر هذه العقدة العاطفيّة بأشكال متنوّعة، من قبيل: التمرّد، والعصيان، والمشاكسة، والعدوانية، وحالات الاضطراب، وغير ذلك. وأحياناً يُصاب هذا النوع من الأشخاص بالإحباط والكآبة النفسيّة، وتقلّ فرص نجاحهم الدراسيّة.
في بعض الأُسَر يعمد الوالدان إلى التمييز بين الفتاة والصبي، وأحياناً يصرّحان بهذه المسألة، فمثلاً إذا رزقا بمولود بنت، يظهران عدم الرضا ويعتبران الأنثى موجود شؤم. والبعض الآخر يتحيّزان لجهة البنت، وفي حال وقوع اختلاف، يلومان الصبي. فهذا النوع من التعاطي من الناحية التربوية له آثاره الهدّامة، وينبغي اجتنابه كلّيّاً.
فقد روي أنّه ذات يوم قام رجلٌ في محضر الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم بتقبيل أحد ابنيه وترك الآخر، فقال له النبي صلى الله عليه واله وسلم: "فهلّا واسيت بينهما"14.
الموانع الناشئة من البيئة
المقصود من البيئة هنا هو: الأسرة، المؤسّسة التعليميّة، ووسائل الارتباط الجماعي الأعمّ من الإذاعة، التلفزيون، السينما، المجلات والصحف، والإنترنت، والأصدقاء، والمؤسّسة السياسية والاجتماعية والثقافية الحاكمة في المجتمع.
فالعوامل التي ذُكِرَت كما أنّ بإمكانها توفير المجال للتربية الدينيّة والأخلاقيّة وتهيئة الظروف المساعدة للتربية الصحيحة والإسلاميّة، يمكنها أن تطرح ـ أيضاً ـ موانع ومعوّقات تربويّة. على سبيل المثال: من الممكن أن تكون المعوّقات الناشئة من العائلة نتيجة عوامل، من قبيل وجود أجواء ومظاهر عدم تديّن مسيطرة داخل الأسرة، أو من قبيل: الاختلافات العائلية وشجار الوالدين في حضور الأبناء، والطلاق والانفصال، وانعدام الأمن، والفقر وما شابه ذلك.
الموانع الناشئة من التغذية
يعتبر الإسلام أنّ نوعيّة الغذاء ومصدره يؤثّران بشكل كبير على الجانب المعنوي للأطفال، ولذلك أوجد عدداً كبيراً من الوصايا والأحكام الشرعية والنصائح التي تتعلّق بغذاء الطِّفل. والروايات التي تتحدّث عن الآثار المضرّة لـ"لقمة الحرام" هي ناظرة لهذه الحقيقة.
واليوم، فإنَّ الكثير من المشاكل الفرديّة والاجتماعيّة نابعةٌ من الأموال والأطعمة التي تمَّ كسبها عن طريق الحرام، وتُنفق داخل الأسرة. فالأولاد الذين يتغذُّون على هذا النوع من الأغذية، ويطوون مرحلة طفولتهم الحسّاسة على هذا النحو، يضيّعون
فطرتهم الدينيّة، ويسارعون لارتكاب كلّ ذنب بسهولة.
يقول الإمام الصادق عليه السلام عن التأثير السلبي لكسب الحرام: "كسب الحرام يبين أي يظهر في الذرّيّة"15.
فمن واجب الأب أن يسعى لتوفير رزق حلال وطاهر لعائلته، وأن يعلم أنّ نوع المدخول والكسب (بلحاظ مشروعيّته وعدم مشروعيّته) يؤثّر على روحيّته ومصيره ومصير عائلته، وأن يراعي بدقّة دفع الحقوق الإسلاميّة الواجبة، من قبيل: الخمس، والزكاة، وسائر النفقات الواجبة، وأن يراعي ـ أيضاً ـ حقوق الآخرين في المعاملات، والبيع، والشراء، وغير ذلك.
المفاهيم الرئيسة
1. إنّ عمليّة التربية قد تشوبها بعض الموانع والآفات بحيث تُحدث اختلالاً في سير عملية التربية الدينيّة، وتجعل منها صعبة أو متعذّرة. لذا يتوجّب على القيّمين على عمليّة التربية ملاحظة هذه الموانع، والعمل على رفعها.
2. للبيئة المحيطة، والغذاء، وعامل الوراثة دور في عملية التربية. لذا ينبغي العمل على رفع الموانع المرتبطة بها، والحدّ من آثارها السلبيّة.
3. إنّ قسماً مهمّاً من موانع التديّن في عصرنا الحالي؛ سببه تراخي الوالدين، وتهاونهما في المراقبة، وتساهلهما غير المنطقي، والازدواجيّة في القول والسلوك.
4. إنّ أسلوب التسلّط وإصدار الأوامر من الأساليب الضارّة جدّاً في التربية الدينيّة والأخلاقيّة، كما وإنّ توهين الأبناء وذمّهم وملامتهم بشكل متواصل سوف تفقدهم الإحساس بالقيمة والأهمّيّة، وبالتالي تؤدّي بهم إلى السقوط والانحطاط.
5. على الوالدين أن يتعاطيا مع أبنائهما بعدالة وإنصاف، فلا يُميّزون بين الأبناء بشكل ظالم؛ لأنّ الأبناء حسَّاسون جدّاً تجاه هذه المسألة، ويصعب عليهم تحمّلها.
للمطالعة
رأسمال الوطن
أنتم تعلمون أنّ هؤلاء الأطفال الموجودين هنا في المدرسة الابتدائية وبعدها سيكونون في أماكن أخرى كالثانوية ثم ينتهي بهم الأمر إلى الجامعات، هؤلاء هم رأسمال الوطن أعني رأسماله العلمي والبناء العلمي لهذا الوطن. وتعلمون أنّ هؤلاء الأطفال من بداية دخولهم إلى بيئة التعلم فإنّ لديهم نفوساً سالمة ونقية قابلة لأنواع التربية ولكل ما يُلقى إليهم. وهم من بداية دخولهم إلى دور الحضانة بمثابة أمانات إلهية بأيدي هؤلاء الذين يعلّمونهم فيها وهذه الأمانات تنتقل إلى أماكن أخرى ومعلّمين آخرين إلى أن يكبروا ويرشدوا ويصلوا إلى المراحل العليا والجامعات.
إذا تمّت تربية هؤلاء الأطفال من البداية دون أي انحراف تربيةً مناسبة لإنسانيتهم ومناسبة لفطرتهم الإنسانية النقيّة ومن خلال تربية أولئك المعلّمين في الحضانة والمدارس الابتدائية، فإنّهم ينتقلون إلى الثانويات مثلًا بنفس التربية. وإذا كانت التربية هنا أيضاً على أساس الصراط المستقيم، وقام المعلّمون هنا أيضاً بهدايتهم طبقاً لما تقتضيه فطرتهم وكانت التربية تربية إنسانية وموافقة لفطرة الإنسان التي هي: ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾16. ففي الجامعة يتلقّون أيضاً نفس هذه التربية. مثل هؤلاء الأطفال عندما يتم تقديمهم إلى المجتمع ويصبح مصير البلاد والمجتمع بأيديهم فإنّهم يقودون المجتمع نحو الأمام ويجعلونه نورانياً وإنسانياً ويربّون البلاد على أساس فطرة الله.
إذا أردتم أن تعلّموا الأطفال فقط دون أن تهتموا بجانب التعليم والتربية الإنسانية والتربية الأخلاقية، فإنّ المتعلّم يقطع مراحل، ولكن العلم دون تربية سوف يشدّهم أو يشدّ أكثرهم إلى الفساد. الإنسان لا يأتي إلى الدنيا فاسداً. في البداية يأتي إلى الدنيا بفطرة جيدة يأتي إلى الدنيا بفطرة إلهية كل مولود يولد على الفطرة والتي هي الفطرة الإنسانية، فطرة الصراط المستقيم، فطرة الإسلام، فطرة التوحيد. وأنواع التربية هي التي تُفتّح هذه الفطرة أو أنها هي التي تسدّ الطريق على الفطرة.
التربية هي التي من الممكن أن توصل المجتمع إلى كماله المنشود حسب كل مجتمع إنساني، وهي التي تجعل البلاد إنسانية نموذجية كما يريدها الإسلام. وتعليم هؤلاء دون التربية من الممكن - عندما يقع البلد بأيديهم وتقع جميع شؤون البلاد بأيديهم - أن يدفعوه نحو الدمار17.
هوامش
1- نهج البلاغة، الخطبة 31.
2- مستدرك الوسائل، ج 15، ص164.
3- الصف، 2-3.
4- البقرة، 44.
5- أصول الكافي، ج1، ص44.
6- وسائل الشيعة ج21، ص479.
7- تاريخ اليعقوبي، ج3، ص53.
8- غرر الحكم، 10485، ص458.
9- البقرة، 256.
10- تفسير الميزان، ج2، ص342.
11- النحل، 125.
12- السيرة النبوية، ص225.
13- آل عمران، 159.
14- وسائل الشيعة، ج21، ص487.
15- وسائل الشيعة، ج12، ص 53.
16- الروم، 30.
17- صحيفة الإمام الخميني، ج14، ص31.
التعلیقات