تعليم المراة
موقع فاطمة
منذ 8 سنواتتعليم المرأة
أهميّة العلم
قد لا نجد بين الأديان والمذاهب والمعتقدات تقديساً للعلم وحثّاً
عليه كما هو موجود في الإسلام، حتّى كانت أوّل آية خوطب بها النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم عند نزول الوحي كما هو مشهور عند المفسّرين:﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾1.
فقرن القراءة بذكره تعالى للإشارة إلى علاقة العلم بالإيمان بالله عزّ وجلّ. ثمّ جعل العلم أحد موازين التفاضل بين الناس، فقال تعالى:﴿... قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ...﴾2.ثمّ مدح أهل العلم ورفعهم إلى مراتب خاصّة:﴿... يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ...﴾3.حتّى صار فقدهم ثلمة لا يسدّها شيء، فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "المؤمن العالم أعظم أجراً من الصائم القائم الغازي في سبيل الله، وإذا مات ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدّها شيء إلى يوم القيامة"4.
فلماذا هذه الأهميّة التي أعطاها الله تعالى للعلم؟ ولماذا كلّ هذا البعد المعنويّ والدرجات والفضل التي أعطاها للعالم؟
ضرورته للإنسان
لم يأتِ الاهتمام بالعلم بهذا الشكل من فراغ، بل لهذا الاهتمام مدلولاته الخاصّة التي أشارت إليها الروايات، فللعلم ارتباط وثيق بالدين الإلهيّ الصحيح الذي نزل من عند الله تعالى، هذا الارتباط الذي يشير إليه النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: "العلم حياة الإسلام وعماد الدين"5.
فالله تعالى هو الحقّ، وكلّما ازداد الإنسان علماً وبصيرة ازداد قرباً من الحق، يقول تعالى:﴿وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾6.
ويقول تعالى:﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾7.
والعلم لا يختص بأمر دون آخر أو بمرحلة دون أخرى بل هو خير أينما حلّ، وفي الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: "العلم أصل كلّ خير، والجهل أصل كلّ شر"8.
ولنشر هنا إلى شيء من أدوار العلم:
1- اكتساب المعرفة: إنّ المعرفة أمر مطلوب بنفسه، ولا تحتاج لأمر آخر حتّى يبرّرها، خصوصاً المعارف الأساسيّة التي تتعلّق بالمبدأ والمعاد، من هنا يعلّمنا القرآن الكريم أن لا نشبع من المعرفة بل نستزيد على الدوام، يقول تعالى: ﴿... وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾9.
2- مقدّمة العمل: إنّ كلّ عمل مهما كان صغيراً أو عظيماً يحتاج إلى مقدّمات علميّة كلّما عرفها الإنسان وعمل على هداها كلّما كان عمله محكماً ومتقناً وفي الرواية عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "... ولكنّ الله يحبّ عبداً إذا عمل عملاً أحكمه"10.
3- رشد المجتمع: إذا كان الجهل هو سمة المجتمعات، فلا شكّ أنّ الحاكم عليها لن يكون سوى شريعة الغاب، فالجهول بطبيعته لا يرتدع بالعقل وإنّما يرتدع إذا أحسّ بقوّة أكبر من قوته. من هنا نجد الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: "لا يردع الجهول إلّا حدّ الحسام"11.
4- حلّ لكل المشاكل: حيثما دخل الجهل كان الفساد معه، لذلك قد نجد الكثير من المشاكل الاجتماعية ترجع في منشئها إلى الجهل وعدم العلم.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "الجهل فساد كلّ أمر"12.
العلم غير مختص بالرجل
بعد أن عرفنا ارتباط العلم بالدين ومعرفة الله تعالى، وارتباطه بإتقان الأعمال ورشد المجتمع وأنّ الجهل أساس الفساد... هل يمكن بعد ذلك كلّه تخصيص العلم بالرجل وسلبه عن المرأة؟
إنّ اختصاصه بالرجل يعني أنّ الدين ومعرفة الله وإتقان الأعمال والرشد... كلّ ذلك مختص بالرجل! وهذا ما لم يقله أحد.من هنا نجد الرواية عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ومسلمة، ألا إنّ الله يحبّ بُغاة العلم"13. فالعلم غير مختصّ بالرجل لأنّ مبرّراته غير مختصّة به. فتعليم المرأة ليس أمراً غير ممنوع فحسب، بل هو أمر مطلوب وراجح.
وعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "من كانت له ابنة فأدّبها وأحسن أدبها وعلّمها فأحسن تعليمها فأوسع عليها من نعم الله التي أسبغ عليه كانت له مِنعة من النار"14.
أجواء التعلّم
إنّ أجواء المدارس والمعاهد والجامعات وساحات العلم... يجب أن تكون سليمة ومساعدة على تحقيق أهداف التعلّم، فيجب أن يبقى العلم رافعاً للإنسان ومؤكّداً للقيم الإنسانيّة، وبعبارة أخرى يجب أن يكون عماد الدين وداعية إلى معرفة الخالق والتزام الأخلاق الإنسانيّة الرفيعة، وهذا يتحقّق من خلال أمرين:
1- عدم الغفلة عن الهدف من التعلّم؛ وهو تكامل الإنسان فرداً ومجتمعاً وإلّا فالغفلة أساس الضياع.
2- التمسّك بالعفاف والتزام الأحكام الشرعيّة، والسير على المنهج الذي رسمه لنا الإسلام العزيز بشخص السيّدة الزهراء عليها السلام قدوة النساء العالمات، التي كان من ألقابها "العالمة"، فعلى كلّ عالمة أو متعلّمة أن تضع دائماً نصب أعينها السيّدة الزهراء عليها السلام لتحاول أن تقتدي بها في كلّ حركة تقوم بها أو سكون تلتزمه.
أولويّات التعلّم
ما هي أولويّات التعلّم بالنسبة للمرأة؟
هناك العديد من الأمور الأساسيّة والضروريّة التي نشير إلى بعضها:
1- المعارف الأساسيّة كالعقائد والفقه والأخلاق: ورد في رواية عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّما العلم ثلاثة: آية محكمة أو فريضة عادلة أو سنّة قائمة، وما خلاهنّ فهو فضل"15.فإنّ هذه العلوم ضروريّة جدّاً لكلّ امرأة في أيّ موقع كانت، فهي قبل كلّ شيء مأمورة بإصلاح نفسها على المستوى المعرفيّ العقائديّ، والقلبيّ الأخلاقيّ، والمسلكيّ الفقهيّ. وهذا ما لا تستغني عنه امرأة في أيّ موقع كانت.
2- أساليب التصرّف العائليّ: إنّ أوّل دور تواجهه المرأة هو دورها داخل أسرتها كبنت أو أخت أو زوجة أو أم، وهذه الأدوار كلّها لها أهميّتها الخاصّة وتأثيرها الحاسم على العائلة خصوصاً الأمّ التي تخرج إلى المجتمع أبناءً صالحين من علماء ومجاهدين وشهداء وأتقياء، من هنا فعلى الأمّ أن تتعلّم وسائل التربية، وتتعرّف على خصائص الأطفال ومتغيّراتهم بحسب العمر والطبيعة، فإنّ ذلك كلّه سيفيدها كثيراً في مهمتها كأم، وكذلك الزوجة في حياتها مع زوجها، فإنّ الكثير من المشكلات والثغرات تنشأ من الجهل وعدم المعرفة، ومن الطبيعي أنّ التعرّف على هذه الأدوار ووسائلها وطرقها يحسّن أداء المرأة ويفعّل دورها.
3- الخدمات التي تساعد على تحقيق الأجواء الإسلاميّة الصحيحة:فإنّ المرأة تشكل نصف المجتمع بأقلّ تقدير وهي بحاجة لخدمات اجتماعيّة ونفسيّة وطبيّة... وإذا لم يكن في المجتمع امرأة متخصّصة في هذا الجانب قادرة على رفع حاجات المرأة ستضطر المرأة لمراجعة الرجال، وهذه حالة غير صحيّة مع عدم الاضطرار، من هنا فعلى المرأة أن تتوجه للتخصّص في المجالات التي تحتاجها النساء.
4- حاجات المجتمع: إنّ للمجتمع بشكل عام حاجات خاصّة تختلف من مكان لآخر بحسب الظروف والمتطلّبات، و الاهتمام بهذه الحاجات والتوجّه للتخصّص لرفعها هو أمر مطلوب وراجح.
*مكانة المرأة ودورها,نشر جمعية المعارف الاسلامية الثقافية,ط2, 2010م-1431هـ, ص35-44.
1- العلق، الآيات: 1 ـ 5.
2- الزمر: 9.
3- المجادلة: 11.
4- بحار الأنوار، ج2، ص17.
5- ميزان الحكمة، ج1، ص463.
6- سبأ: 6.
7- الحج: 54.
8- الحكمة، ج3، ص2064.
9- طه: 114.
10- أمالي الشيخ الطوسي، ص428.
11- ميزان الحكمة، ج1، ص462.
12- ميزان الحكمة، ج1، ص462.
13- الكافي، ج1، ص30.
14- ميزان الحكمة، ج1، ص65.
15- الكافي، ج1، ص32.
التعلیقات