زيارة الأربعين صدى عاشوراء
موقع وارث
منذ 7 سنواتتحديداً قبل 1378 عاماً من يومنا هذا و في يوم عاشوراء 1 و بعدما لقي أصحاب الامام الحسين عليه السلام مصرعهم و لم يبق منهم أحد يذبّ عن حرم رسول الله صلى الله عليه و آله
، وجد الحسين نفسه وحيداً بين جيش العدو، فلما التفت يميناً و شمالاً و لم ير أحداً، أخذ ينادي قائلاً: هل من ذابٍّ يذبّ عنا؟
فخرج ولده علي بن الحسين زين العابدين من الفسطاط و كان مريضاً لا يقدر أن يحمل سيفه.
و أم كلثوم تنادي خلفه: يا بني ارجع.
فقال علي بن الحسين: يا عمّتاه ذريني أقاتل بين يدي ابن رسول الله.
و إذا بالحسين عليه السلام ينادي: يا أم كلثوم خذيه لئلاّ تبقى الأرض خالية من نسل آل محمد.
نعم قتلوا الحسين شهيداً مظلوماً و انتهكوا حرمته و سبوا حريمه و أطفاله، و دسوا جسده بحوافر خيولهم لكي لا يدعوا أثراً لريحانة رسول الله.
لكن هيهات من أن يمحوا ذكر الحسين، إنما تمكنوا من قتل الحسين جسداً، و لم يتمكنوا من قتل الحسين روحاً و فكراً، كما لم يتمكنوا من القضاء على المشروع الحسيني، و هو إحياء دين جده المصطفى و إحياء القيم و المـُثل الانسانية و مقارعة الظالمين و الجبابرة و الطغاة المتسترين بعباءة الدين.
نعم استشهد الحسين لكن بقي نداؤه حياً يدوي في أسماع المؤمنين و المؤمنات و هم أجنة بَعدُ في أرحام الأمهات و أصلاب الأباء رغم سبات الامة حين إنطلاقة هذه الصرخة الحزينة.
ثم جاء الجواب من جابر بن عبد الله الانصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه و آله ملبياً ريحانة النبي ليغرس البذرة الأولى فزار الحسين عليه السلام في العشرين من شهر صفر سنة 61 أي بعد مقتله بأربعين يوماً، ليقول لبيك يا حسين.
و رغم قساوة الأعداء في التعامل مع الزيارة الحسينية عبر التاريخ فلقد تتالت الأصوات من الحناجر المؤمنة لتقول لبيك يا حسين في ازدياد مستمر وفاءً بعهدها و ميثاقها، فهاهي الجموع المليونية و الحشود البشرية التي تنحدر انحدار السيول لتلتحق بالحسين و بمشروعه التربوي المبارك، فتقول بلسان حالها: لَبَّيْكَ داعِيَ اللهِ، إِنْ كانَ لَمْ يُجِبْكَ بَدَنِي عِنْدَ اسْتِغاثَتِكَ وَلِسانِي عِنْدَ اسْتِنْصارِكَ فَقَدْ أَجابَكَ قَلْبِي وَسَمْعِي وَبَصَرِي سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً.
نعم أنه وعد إلاهي تنبأت به العقيلة زينب عليها السلام و هي تخاطب ابن أخيها زين العابدين عليه السلام تهدأه: ما لي أراك تجود بنفسك يا بقية جدتي و إخوتي، فوالله إن هذا لعهد من الله إلى جدك و أبيك، و لقد أخذ الله ميثاق أناس لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض و هم معروفون في أهل السماوات أنهم يجمعون هذه الأعضاء المقطعة، و الجسوم المضرجة فيوارونها و ينصبون بهذا الطف علما لقبر أبيك سيد الشهداء لا يدرس أثره، و لا يمحى رسمه على كرور الليالي و الأيام، و ليجتهدن أئمة الكفر و أشياع الضلال في محوه و طمسه، فلا يزداد أثره إلا علوا.
و لقد صدقت مولاتنا زينب الكبرى عليها السلام عندما خاطبت الطاغية يزيد بن معاوية بعد واقعة الطف الأليمة و قالت فيما قالت: فكِدْ كَيْدكَ واسْعَ سَعْيَكَ وناصِبْ جُهْدَكَ، فواللهِ لا تَمحْو ذِكرَنا، و لا تُميتُ وَحيَنا، و لا تُدرِكُ أمَدَنا، و لا تُرحِضُ عنك عارَها...
زيارة الأربعين علامة الايمان و الولاء
رُوِيَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ الْعَسْكَرِيِّ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ : " عَلَامَاتُ الْمُؤْمِنِ خَمْسٌ : صَلَاةُ الْخَمْسِينَ 2 ، وَ زِيَارَةُ الْأَرْبَعِينَ 3 ، وَ التَّخَتُّمُ فِي الْيَمِينِ ، وَ تَعْفِيرُ الْجَبِينِ 4 ، وَ الْجَهْرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 5 " 6 .
زيارة الأربعين مهرجان القيم و المـُثل
لو نظرنا الى الزيارة الاربعينية بما تتضمنه من الاستعداد الروحي المتميز لدى الجموع المشاركة في هذه المراسيم الفريدة من أجل التفاني في المشروع الحسيني الكبير لوجدناها مهرجاناً فريداً للقيم و الـمُثل الإسلامية و الإنسانية و مدرسة نموذجية لتنمية و تعبئة الطاقات البشرية الرسالية وفقاً للقيم الإنسانية و الإسلامية بعيدا عن التحزبات السياسية و الانحيازات المصلحية، ذلك لأن رواد هذه المدرسة جعلوا أصحاب الامام الحسين عليه السلام أمثلة يحتذون حذوهم، فهم في محاولة جادة لتطبيق النمط الإسلامي للحياة على حياتهم الفردية و الاجتماعية بُغية الوصول الى الحياة الطيبة التي دعا اليها الإسلام المحمدي الخالص.
و أخيراً فإن الزيارة الحسينية الاربعينية التي تنطلق من المدن و القرى العراقية مشياً على الأقدام و يُشارك فيها عُشاق الحسين عليه السلام من مختلف الدول و بمختلف الألوان و الثقافات قد كسرت الأرقام القياسية في مختلف المجالات ــ و إن تغافلت عن هذه الحقائق المؤسسات العالمية بمختلف أشكالها ــ تحمل في طياتها تحديات كبيرة يعجر العالم عن فهمها و تفسيرها، حيث أنها ليست إلا مسيرات شعبية منبثقة من الروح الايمانية لا تخطط لها المؤسسات الكبرى و لا تدعمها الدول العظمى، و هي مع عفويتها تشكل تجسيداً للتعايش السلمي و التعبئة الايمانية الصادقة و المتنامية لنصرة الحق و هي من الأمور الممهدة للحكومة الاسلامية الشاملة بقيادة الامام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف إن شاء الله.
1. يوم عاشوراء بالمد و القصر و هو عاشر المحرم ، و هو اسم إسلامي ، و جاء عشوراء بالمد مع حذف الألف التي بعد العين ، راجع : مجمع البحرين : 3 / 405 .
و هو اليوم الذي وقعت فيه واقعة الطَّف الأليمة التي قُتل فيها سبط النبي المصطفى ( صلى الله عليه و آله ) الإمام الحسين بن علي ( عليه السَّلام ) ، خامس أصحاب الكساء و ثالث أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) مع جمع من خيرة أبنائه و أصحابه في أرض كربلاء دفاعاً عن الدين الاسلامي و قيمه .
و كانت هذه الواقعة الأليمة في يوم الجمعة العاشر من شهر محرم من سنة 61 هجرية ، الموافق لـ 12 / 10 / 680 ميلادية.
2. أي الصلوات الواجبة اليومية و نوافلها ، إذ يكون مجموع ركعاتها خمسين ركعة ، حيث أن الصلوات الخمس سبعة عشر ركعة ، و نافلة الصبح ركعتان ، و نافلة الظهر ثمان ركعات ، و كذلك نافلة العصر ثمان ركعات ، و نافلة المغرب أربع ركعات ، و نافلة العشاء ركعتان من جلوس و تُحسب ركعة واحدة لأن كل ركعة من جلوس تعادل ركعة من قيام ، و نافلة الليل إحدى عشر ركعة ، فيكون المجموع خمسون ركعة .
3. أي زيارة الإمام الحسين ( عليه السلام ) في يوم الأربعين ، أي العشرين من شهر صفر ، و يُسمَّى بالأربعين لمرور أربعين يوماً على استشهاد الامام الحسين ( عليه السلام ) في العاشر من شهر محرم الحرام .
4. أي وضع الجبهة حال السجود على الأرض و التراب .
5. أي الجهر في الصلاة بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم حتى في الصلوات الاخفاتية .
6. تهذيب الأحكام: 6 / 52، للشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ، المولود بخراسان سنة : 385 هجرية ، و المتوفى بالنجف الأشرف سنة : 460 هجرية ، طبعة دار الكتب الإسلامية ، سنة : 1365 هجرية / شمسية ، طهران / إيران.
*بتصرف
التعلیقات