وقائع وأعمال شهر ربيع الأول
زهراء الكواظمة
منذ سنتينيقول الميرزا جواد آغا ملكي التبريزي في كتاب المراقبات:
وهذا الشهر كاسمه ربيع الشهور، لما ظهر فيه من آثار رحمة الله جلّت آلاؤه، ونزل فيه من ذخائر بركاته وأنوار جماله على الأرض، حيث اتّفق فيه ولادة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي يمكن أن يدّعي مدّع أنه ما نزل ـ منذ خلقة الأرض ـ عليها رحمة مثلها . فمقدار عظمة هذه الرحمة على غيرها يساوق عظم شرافة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على سائر المخلوقات، فكما أنّه أعلم خلق الله وأشرفهم وسيّدهم وأقربهم إلى الله وأطوعهم له، وأحبّهم لديه، فكذلك شرف هذا اليوم على سائر الأيّام، فكأنّه يوم بنيت فيها من الهدايات أتمّها، ومن الكرامات أعظمها، ومن الرّحمات أشملها، من البركات أشرفها، ومن الأنوار أبهاها، ومن الأسرار أخفاها.(1)
الليلة الأولى: في السنة الثالثة عشرة من البعثة هاجر النبي صلى الله عليه وآله من مكة إلى المدينة المنورة، فاختبأ في هذه الليلة في غار ثور، وفداه أمير المؤمنين صَلَواتُ الله وسَلامُهُ عَلَيهِ بنفسه، فنام في فراشه غير مجانب سيوف قبائل المشركين، وأظهر بذلك على العالمين فضله ومواساته وإخاءه النبي صلى الله عليه وآله فنزلت فيه الآية: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾.(2)
اليوم الأول: قال العلماء يستحب فيه الصيام شكراً لله على ما أنعم من سلامة النبي وأمير المؤمنين صَلَواتُ الله وسَلامُهُ عَلَيهِما، ومن المناسب زيارتهما عليهما السلام في هذا اليوم.(3)
اليوم الثامن: سنة مائتين وستين توفي الإمام الحسن العسكري عليه السلام، فنصب صاحب الأمر عليه السلام إماماً على الخلق ومن المناسب زيارتهما عليهما السلام في هذا اليوم.(4)
اليوم التاسع: عيد عظيم وهو عيد البقر وشرحه طويل مذكور في محله.(5)
وروي أن من أنفق شَيْئاً في هذا اليوم غفرت ذنوبه. وقيل يستحب في هذا اليوم إطعام الإخوان المؤمنين وإفراحهم والتوسُّع في نفقة العيال ولبس الثياب الطيِّبة وشكر الله تعالى وعبادته. وهو يوم زوال الغموم والأحزان وهو يوم شريف جداً،(6) واليوم الثامن من الشهر كان يوم وفاة الإمام الحسن العسكري عليه السلام، فهذا اليوم يكون أوّل يوم من عصر إمامة صاحب العصر أرواح العالمين له الفداء، وهذا ممّا يزيد اليوم شرفاً وفضلاً.
اليوم الرابع عشر: سنة أربع وستين مات يزيد بن معاوية، فأسرع إلى دركات الجحيم،(7) وفي كتاب (إخبار الدول) أنه مات مصاباً بذات الجنب في حوران، فأتي بجنازته إلى دمشق، ودفن في الباب الصغير وقبره الآن مزبلة، وقد بلغ عمره السابعة والثلاثين ودامت خلافته ثلاث سنين وتسعة أشهر انتهى.(8)
اليوم السابع عشر: ميلاد خاتم الأنبياء محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله على المشهور بين الإمامية، والمعروف أن ولادته كانت في مكة المعظمة في بيته عند طلوع الفجر من يوم الجمعة في عام الفيل(9) في عهد أنوشروان العادل. وفي هذا اليوم الشريف أيضاً في سنة ثلاث وثمانين ولد الإمام جعفر الصادق عليهالسلام، فزاده فضلاً وشرفاً.(10) والخلاصة أن هذا اليوم يوم شريف جداً وفيه عدة أعمال:
الأول: الغسل.
الثاني: الصوم، وله فضل كثير، وروي أن من صامه كتب له صيام سنة. وهذا اليوم هو أحد الأيام الأَرْبعة التي خصّت بالصيام بين أيام السنة.
الثالث: زيارة النبي صلى الله عليه وآله عن قرب أو عن بعد.
الرابع: زيارة أمير المؤمنين عليه السلام بما زار به الصادق عليه السلام وعلمه محمد بن مسلم من ألفاظ الزيارة .
الخامس: أن يصلي عند ارتفاع النهار ركعتين يقرأ في كل ركعة بعد الحمد سورة (إنا أنزلناه) «عشر مرات» والتوحيد «عشر مرات»، ثم يجلس في مصلاه، ويدعو بالدعاء: اللّهُمَّ أَنْتَ حَيُّ لاتَمُوتُ ... الخ وهو دعاء مبسوط لم أجده مسنداً إلى المعصوم لذلك رأيت أن أتركه رعاية للاختصار فمن شاء فليطلبه من زاد المعاد.(11)
السادس: أن يعظم المسلمون هذا اليوم، ويتصدقون فيه، ويعملوا الخير، ويسرّوا المؤمنين، ويزوروا المشاهد الشريفة. والسيد في الإقبال قد بسط القول في لزوم تعظيم هذا اليوم، وقال: وجدت النّصارى وجماعة من المسلمين يعظّمون مولد عيسى عليه السلام تعظيماً لا يعظمون فيه أحداً من العالمين وتعجبت كيف قنع من يعظم ذلك المولد من أهل الإسلام كيف يقنعون أن يكون مولد نبيهم الذي هو أعظم من كل نبي دون مولد واحد من الأنبياء.(12)
اليوم السادس والعشرون كان فيه صلح الإمام الحسن المجتبى عليه السلام مع معاوية
أما وثيقة الصلح فقد ورد مفادها على ما يلي:
«بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما صالح عليه الحسن بن علي بن أبي طالب معاوية بن أبي سفيان: صالحه على أن يسلم إليه ولاية أمر المسلمين، على أن يعمل فيهم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسيرة الخلفاء الصالحين.
وليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهدا، بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين.
وعلى أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله في شامهم، وعراقهم، وحجازهم، ويمنهم .
وعلى أن أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم، وأموالهم، ونسائهم، وأولادهم.
وعلى معاوية بن أبي سفيان بذلك عهد الله وميثاقه وما أخذ الله على أحد من خلقه بالوفاء، وبما أعطى الله من نفسه، وعلى أن لا يبغي للحسن بن علي ولأخيه الحسين، ولا لأحد من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله غائلةً سرا ولا جهرا، ولا يخيف أحدا منهم في افق من الآفاق.
شهد عليه بذلك وكفى بالله شهيدا».(13)
والموثوق أنّ محل الصُلح كان مسكن ساباط؛ قريباً من موقع مدينة بغداد اليوم، حيث كان معسكر الإمام الحسن عليه السلام هناك، فلمّا أن تمّ ذلك رجع الإمام عليه السلام بمَن معه إلى الكوفة.
نقض العهد
بعد الصلح سار معاوية إلى النخيلة ـ موضع قريب الكوفة ـ وكان يوم الجمعة، فصلّى الضحى عند ذلك، وخطبهم، فقال في خطبته: إِنِّي –واللهِّ- ما قاتلتُكم؛ لتُصلُّوا، ولا لتصوموا، ولا لتحجّوا، ولا لتزكُّوا، إِنّكم لتفعلونَ ذلكَ، ولكنِّي قاتلتُكم لأتأمّرَ عليكم، وقد أعطاني اللهُّ ذلكَ وأنتم له كارِهونَ. ألا ِوانِّي كنتُ منَّيتُ الحسنَ وأعطيتُه أشياءَ، وجَمِيعُها تحتَ قَدَمَيَّ لا أفي بشيءٍ منها له.
ثم سار حتّى دخل الكوفة فأقام بها أيّاماً، فلما استتمّت البيعة له من أهلها، صعد المنبر، فخطب النّاس، وذكر أمير المؤمنين عليه السلام، فنال منه، ونال من الحسن، وكان الحسن والحسين صلوات الله عليهما حاضرين، فقام الحسين ليرد عليه، فأخذ بيده الحسن، فأجلسه، ثمّ قام فقال: «أيّها الذاكر عليّاً، أنا الحسن وأبي عليّ، وأنت معاوية وأبوك صخر، وأمّي فاطمة وأمك هند، وجدي رسول الله وجدك حرب، وجدّتي خديجة وجدتك قتيلة، فلعن الله أخملنا ذكراً، وألأمنا حسباً، وشرنا قدماً، وأقدمنا كفراً ونفاقاً»، فقال طوائف من أهل المسجد: آمين آمين.(14)
1ـ المراقبات: الميرزا جواد الملكي التبريزي / المجلّد: 1 / الصفحة: 43.
2ـ سورة البقرة: الآية 207.
3ـ زاد المعاد / العلامة المجلسي / المجلّد: 1 / صفحة: 252.
4ـ زاد المعاد / العلامة المجلسي / المجلّد: 1 / الصفحة: 252؛ الإرشاد / الشيخ المفيد / المجلّد: 2 / الصفحة: 336.
5ـ زاد المعاد / العلامة المجلسي / المجلّد: 1 / الصفحة: 252.
6ـ زاد المعاد / العلامة المجلسي / المجلّد: 1 / الصفحة: 257.
7ـ مصباح المتهجد / الشيخ الطوسي / المجلّد: 1 / الصفحة: 791.
8ـ أخبار الدول وآثار الأول / أحمد بن يوسف القرماني /المجلّد: ٢ / الصفحة: ١٤.
9ـ الإقبال بالأعمال الحسنة / السيد بن طاووس / المجلّد: 3 / الصفحة: 122 / ط الحديثة.
10ـ إعلام الورى بأعلام الهدى / الشيخ الطبرسي / المجلّد: 1 / الصفحة: 514 / ط- الحديثة.
11ـ زاد المعاد / العلامة المجلسي / المجلّد: 1 / الصفحة: 268.
12ـ مفاتيح الجنان / الشيخ عباس القمي / المجلّد: 1 / الصفحة: 384.
13ـ بحار الأنوار / العلامة المجلسي / المجلّد: 44 / الصفحة: 65 / ط مؤسسة الوفاء.
14ـ الإرشاد / الشيخ المفيد / المجلّد: 2 / الصفحة: 14.
التعلیقات