هند بنت عتبة، قاتلة حمزة سيد الشهداء
السيد حسين الهاشمي
منذ 6 أشهرمرحبا بكم في قناة ريحانة. بمناسبة حلول شهر شوال المعظّم وذكرى وقوع غزوة أحد واستشهاد حمزة بن عبدالمطلب، عمّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، في هذا الشهر، قررنا أن نكتب لكم عن المرأة التي أمرت بقتل حمزة بن عبدالمطلب، الملقب بسيد الشهداء من قبل النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.
نسب هند بنت عتبة
هند بنت عتبة، هي مَن عُرِفت بآكلة الأكباد. وهي بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، وأبوها مِن زعماء قريش، وأمها صفية بنت أمية بن حارثة، وقيل إنها كانت مِن أجمل نساء قريش، واللواتي كانت لهنّ رأي وعزة. كما نسبت بعض المصادر أشعارا إليها. تزوجت هند من حفص بن المغيرة بن عبد الله المخزومي -عمّ خالد بن الوليد- وأنجبت له ولداً باسم أبان، وبعد فترة انفصلت منه، فوجّهت اللؤم إلى أبيها؛ فإنه زوّجها من حفص من دون استشارتها، واستطلاع رأيها، ثمّ تزوجت من أبي سفيان، وولدتْ له معاوية وعتبة، وجويرية وأم الحكم، وبناء على ما ذكره الذهبي طلّقها أبو سفيان في أواخر عمره، واقترضت في عصر الخليفة الثاني أربعة آلاف درهم من بيت المال، واتجرت به.1
زواجها مع أبي سفيان بن حرب
ذكروا أن هند بنت عتبة بن ربيعة قالت لأبيها: يا أبت، إنك زوجتني من هذا الرجل ولم تؤامرني في نفسي، فعرض لي معه ما عرض فلا تزوجني من أحد حتى تعرض علي أمره، وتبين لي خصاله. فخطبها سهيل بن عمرو وأبو سفيان بن حرب، فدخل عليها أبوها وهو يقول:
أتاك سهيل وابن حرب وفيهما رضاً لك يا هند الهنود ومقنع
وما منهما إلا يعاش بفضله وما منهما إلا يضر وينفع
وما منهما إلا كريم مرزأ وما منهما إلا أغر سميدع
فدونك فاختاري فأنت بصيرةٌ بل ولا تخدعي إن المخادع يخدع
قالت: يا أبت، والله ما أصنع بهذا شيئاً، ولكن فسر لي أمرهما وبين لي خصالهما، حتى أختار لنفسي أشدهما موافقة لي. فبدأ يذكر سهيل بن عمرو، فقال: أما أحدهما ففي سطةٍ من العشيرة وثروة من العيش، إن تابعته تابعك، وإن ملت عنه حط عليك، تحكمين عليه في أهله وماله. وأما الآخر فموسع عليه منظور إليه، في الحسب والحسيب، والرأي الأريب، مدره أرومته، وعز عشيرته، شديد الغيرة، كثير الطيرة، لا ينام على ضعة، ولا يرفع عصاه عن أهله. فقالت: يا أبت، الأول سيد مضياع للحرة، فما عست أن تلين بعد إبائها، وتصنع تحت جناحه، إذا تابعها بعلها فأشرت، وخافها أهلها فأمنت، فساءت عند ذلك حالها، وقبح عند ذلك دلالها، فإن جاءت بولد أحمقت، وإن أنجبت فعن خطأ ما أنجبت، فاطو ذكر هذا عني ولا تسمه لي. وأما الآخر فبعل الفتاة الخريدة، الحرة العفيفة، وإني للتي لا أريب له عشيرة فتغيره، ولا تصيبه بذعر فتضيره، وإني لأخلاق مثل هذا لموافقة، فزوجنيه. فزوجها من أبي سفيان. فولدت له معاوية.2
مشاركتها في الحروب ضد المسلمين
قد شاركت هند بنت عتبة في الحروب ضد المسلمين ولغرض تبييد الإسلام عن وجه الأرض. فقد شاركت في غزوة أحد وكانت تحثّ الرجال المشركين بالقتال مع المسلمين وكانت تشجّع الرجال على أن يقتلوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولايبقوا للإسلام من باقية.3
مشاركتها في غزوة أحد واستشهاد حمزة بن عبدالمطلب
قد برز جيش المسلمين إلى أحد للمواجهة مع الكفار، يوم السبت 7 شوال أو النصف منه. فعلى رواية قالت ابنة الحارث لـوحشي بن حرب -وكان عبداً لها- : إنّ أبي قتل يوم بدر، فإن أنت قتلت أحد الثلاثة فأنت حرّ، إن قتلت محمّداً، أو حمزة بن عبد المطّلب، أو علي بن أبي طالب، فإني لا أرى في القوم كفواً لأبي غيرهم. ولكن القول الصحيح في التاريخ أن التي أمرت وحشيا بهذا هي هند بنت عتبة. فذكروا أهل التاريخ بأنّ هند بنت عتبة كانت قد أعطت وحشياً عهداً لئن قتل النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أو أميرالمؤمنين عليه السلام أو حمزة سيد الشهداء عليه السلام لأعطيته رضاه. وفي رواية أخرى كانت قَد نذرت لئن قدرت على حمزة لتأكلنّ من كبده. وكان وحشي يريد قتل أميرالمؤمنين عليه السلام في بادئ الأمر إلّا أنه كان قد خرج عليه وهو حذر مرس، وكثير الإنتباه، فانصرف إلى حمزة بن عبدالمطلب وهو يصول ويجول، فترصد له حتى إذا حانت الفرصة فرماه وأرداه قتيلاً. وعلى رواية كان حمزة بن عبد المطلب يقاتل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد بسيفَين ويقول: (أنا أسد الله وأسد رسوله) وجعل يقبل ويدبر، فبينما هو كذلك إذ عثر عثرة فوقع على ظهره، وبصر به الأسود، فزرقه بحربة فقتله. وقيل طعَنه الحبشي بحربة أو رمح فبقره. وكان ذلك في النصف من شوال، أو السابع منه على أشهر الأقوال.4
قام وحشي بقتل وشقّ بطن حمزة وأخرج كبده فجاء بها إلى هند بنت عتبة بن ربيعة، فمضغتها، ثمّ لفظتها. يقال بأنّ هند بنت عتبة بعد أن جاءها وحشي بكبد حمزة وقدّمها إليها، نزعت ثيابها و حليّها، فأعطتها له ووعدته بعشرة دنانير إذا قدم مكة. ثمّ جاءت فمثّلت بحمزة، وجعلت من ذلك مسكتين ومعضدين وخدمتين حتّى قدمت بذلك مكة. فلقّبت بـآكلة الأكباد.5
وذكرت المصادر بأنّ رسول الله صلى الله عليه وآله لما وقف على حمزة حيث استشهد فنظر إلى منظر لم ينظر إلى شئ قط كان أوجع لقلبه منه ونظر إليه قد مثل به.
و نقول: إن بكاءه «صلى اللّه عليه و آله» على حمزة لا مانع منه، و أما ما سوى ذلك مما ذكر آنفا، فنحن نشك في صحته. و نعتقد أنه كقضية ممارسة عمل المثلة الشنيع المنسوب له «صلى اللّه عليه و آله» زورا و بهتانا، قد وضع بهدف إظهار رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» كأحد الناس، الذين يتعاملون مع القضايا من موقع الإنفعال و العصبية للقبيلة و الرحم، و لتبرر بذلك جميع المخالفات التي ارتكبها و يرتكبها الحكام الظالمون.
كما أن ذلك يسقط قول و فعل الرسول «صلى اللّه عليه و آله» عن الاعتبار و الحجية، فلا يبقى لما ورد عنه «صلى اللّه عليه و آله» من ذم لمن يحبهم بعض الناس تأثير يذكر.
ماذكره السيد جعفر مرتضى العاملي عندما ذكر الرواية في كتابه (الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله نويسنده : العاملي، السيد جعفر مرتضى جلد : 8 صفحه : 263)
فنزل جبرئيل بآية 126 من سورة النحل (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين.).
إسلامها الظاهري
عندما منّ الله على المسلمين بفتح مکّة، وجاءت النساء لبيعة الرّسول الأعظم صلى الله عليه وآله وکانت هند زوجة أبي سفيان من ضمن النساء اللواتي جئن لبيعة الرّسول أيضاً، هذه المرأة التي ينقل عنها التاريخ قصصاً مثيرة في ممارساتها الإجرامية، وما قصّة فعلها بحمزة سيد الشهداء في غزوة اُحد، ذلک العمل الإجرامي القبيح، إلاّ مفردة واحدة من الصور السوداء لهذه المرأة المشينة. وبالرغم من أنّ الظروف قد إضطّرتها إلى الإنحناء أمام عظمة الإسلام فأعلنت إسلامها ظاهرياً، إلاّ أنّ قصّة بيعتها تعکس أنّها في الواقع کانت وفّية لما إرتبطت به من عقائد جاهلية سابقة، لذا فليس عجباً ما إرتکبه آل اُمية وأبناؤهم بحقّ آل الرّسول، بصورة لم يکن لها مثيل.6
استثنائها من العفو العام في فتح مكة
قد ذكر في الكتب التاريخية أن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم عندما فتح مكة، أعطى العفو العام لجميع المشركين. لكنه استثنى بعضهم. ومن الذين استثنوا من العفو العام هي هند بنت عتبة. لكن هذا القول غير صحيح ولم يثبت صحته في كتب التاريخ وهو مخالف لرحمة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم. 7
يوجد علتين لاستثناء هند من العفو. الأول أن هند هذه هي التي أمرت بقتل حمزة بن عبدالمطلب في غزوة أحد ومثّلت به وأخرجت كبده الشريف وجعلته في فمه. وبهذا الفعل آذت قلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. الثاني عندما أراد أبوسفيان، تسليم مكة، قال: يا معشر قريش هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به. ثم قال: من دخل داري فهو آمن. ومن دخل المسجد فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن. فأقبلت امرأته هند فأخذت بلحيته وقالت: يا آل غالب اقتلوا هذا الشيخ الأحمق. فقال: أرسلي لحيتي واقسم لئن أنت لم تسلمي لتضربن عنقك، ادخلي بيتك! فتركته.
لكن هاتين العلتين غيركافيتين في عدم العفو. وأيضاً إنّ حكاية بيعة النساء تدلّ على عفوها من قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم: روي أن النبي بايعهنّ وكان على الصفا، وهند بنت عتبة متنقبة متنكرة خوفا من أن يعرفها رسول الله، فقال أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئا، فقالت هند: انّك لتأخذ علينا أمرا ما أخذته على الرجال. وذلك انه بايع الرجال يومئذ على الإسلام والجهاد فقط، فقال رسول الله: ولا تسرقن. فقالت هند: إن أبا سفيان ممسك وانّي أصبت من ماله هنات فلا أدري أيحلّ لي أم لا؟ فقال أبو سفيان: ما أصبت من مالي فيما مضى وفيما غبر فهو لك حلال. فضحك رسول الله وعرفها فقال لها: وانك هند بنت عتبة. فقالت: نعم فاعف عمّا سلف يا نبي الله عفا الله عنك. فقال: ولا تزنين. فقالت هند: أو تزني الحرّة؟ فبتسم عمر بن الخطاب لما جرى بينه وبينها في الجاهلية. فقال: ولا تقتلن أولادكن. فقالت هند: ربيناهم صغارا وقتلتموهم كبارا وأنتم وهم أعلم. وكان ابنها حنظلة بن أبي سفيان قتله علي بن أبي طالب يوم بدر. وقال النبي: ولا تأتين ببهتان قالت هند: والله إنّ البهتان قبيح وما تأمرنا إلا بالرشد ومكارم الأخلاق، ولما قال: ولا يعصينك في معروف قالت هند: ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء.
هذه كانت جملة من مواقعها الإجرامية طوال حياتها.
1) تاريخ الإسلام، شمس الدين الذهبي، ج3، ص298، نشر دار الكتب الإسلامية، بيروت، الطبعة الأولى.
2) العقد الفريد، إبن عبد ربه، ج2، ص421، نشر دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية.
3) تفسير القمي، علي بن إبراهيم القمي، ج1، ص116، نشر دار الكتب، قم، الطبعة الثالثة.
4) المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، إبن جوزي، ج3، ص179، نشر دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية.
5) الإرشاد، محمد بن محمد الشيخ المفيد، ج1، ص83، نشر كنكرة الشيخ المفيد، قم، الطبعة الأولى.
6) تاريخ مدينة دمشق، إبن عساكر، ج70، ص183، نشر دار الفكر، بيروت، الطبعة الاولى.
7) السيرة النبوية، أبي شهبة، ج2، ص451، نشر دار الكتب العربية، بيروت، الطبعة الثانية.
التعلیقات