فاطمة الزهراء أسوة للفتيات في الأمور العائلية
السيد حسين الهاشمي
منذ يومينتُعتبر فاطمة الزهراء سلام الله عليها ابنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، رمزًا من رموز العطاء والتضحية في التاريخ الإسلامي. لقد جسدت حياتها القيم النبيلة والمبادئ السامية التي يمكن أن تُلهم الفتيات في مختلف مجالات الحياة. من خلال شجاعتها وحنكتها في مواجهة التحديات، أصبحت فاطمة الزهراء سلام الله عليها نموذجًا يُحتذى به للفتيات. حيث تعكس قيم الاحترام والصبر والإيمان القوي. فيجب على جميع المؤمنين والمؤمنات خصوصا الفتيات المؤمنات أن ينظرن إلى سيدة النساء عليها السلام بكونها أسوة لهن في جميع أمور الحياة. لأنه قد ورد عن صاحب العصر والزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداء: « و في إبنةِ رسول الله لي أسوةٌ حسنةٌ » (1). ففي هذه المقالة نسعى أن نُبيّن لكم كيف تكون فاطمة الزهراء سلام الله عليها أسوة للفتيات المؤمنات في الأمور العائلية.
العائلة وتربية الأولاد
تُعتبر تربية الأبناء واحدة من أهم واجبات الوالدين، وبالأخص الأمهات، في أي مجتمع. فالأم، بوصفها المصدر الأول والأقرب للطفل، تلعب دورًا حيويًا وأساسيًا في تشكيل شخصية وسلوكياته. تُعتبر الأمهات المصدر الأول للحب والعاطفة بالنسبة للأبناء، ولها تأثير عميق على الصحة النفسية لهم. العلاقة العاطفية الإيجابية مع الأم تعزز شعور الأمان والثقة بالنفس لدى الأطفال. هذه المشاعر تُعتبر أساسًا للعلاقات الاجتماعية والعاطفية في المستقبل. فنرى أن فاطمة الزهراء سلام الله عليها كانت تعتني بأولادها مع المشاكل الموجودة في البيت. فقد روي عن سلمان الفارسي: « كانت فاطمة جالسة قدامها رحى تطحن بها الشعير ، وعلى عمود الرحى دم سائل والحسين في ناحية الدار يتضور من الجوع ، فقلت : يابنت رسول الله دبرت كفاك وهذه فضة ، فقالت أوصاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تكون الخدمة لها يوما ، فكان أمس يوم خدمتها قال سلمان : قلت : إني مولى عتاقه ما أنا أطحن الشعير أو اسكت الحسين لك؟ فقالت: أنا بتسكينه أرفق وأنت تطحن الشعير ، فطحنت شيئا من الشعير فإذا أنا بالاقامة ، فمضيت وصليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما فرغت قلت لعلي ما رأيت فبكى وخرج ثم عاد فتبسم فسأله عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : دخلت على فاطمة وهي مستلقية لقفاها والحسين نائم على صدرها ، وقدامها رحى تدور من غير يد ، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال : ياعلي أما علمت أن لله ملائكة سيارة في الأرض يخدمون محمدا وآل محمد عليهم السلام » (2).
الاستقامة والمقاومة ضد الظلم
فاطمة الزهراء عليها السلام كانت تجسد القيم النبيلة والمبادئ الإسلامية. عاشت حياتها وفقًا لتعاليم الإسلام، وكانت مثالًا في الصبر والصدق والعدل. هذه الاستقامة في القيم تُعد درسًا مهمًا للفتيات، حيث تعلّمهن أهمية التمسك بالمبادئ وعدم التنازل عنها في وجه التحديات. عندما تعرضت حقوقها وحقوق أهل بيتها للظلم، وقفت فاطمة الزهراء عليها السلام بشجاعة وثبات. كانت تُعبّر عن موقفها بوضوح، وتدافع عن حقوقها وحقوق زوجها أميرالمؤمنين عليه السلام وأبنائها عليهم السلام. إن هذه المقاومة ضد الظلم تُظهر أهمية الدفاع عن الحقوق والكرامة، وتشجع الفتيات على أن يكنّ قويات في مواجهة الظلم. سواء كان في الأسرة أو المجتمع. فقد روي عنها في قضية غصب فدك من قبل الظالمين والغاصبين: « لَمَّا بَلَغَ فَاطِمَةَ عَلَیهَا السَّلَامُ إِجْمَاعُ أَبِی بَکرٍ عَلَى مَنْعِهَا فَدَك، لَاثَتْ خِمَارَهَا عَلَى رَأْسِهَا وَ اشْتَمَلَتْ بِجِلْبَابِهَا وَ أَقْبَلَتْ فِی لُمَةٍ مِنْ حَفَدَتِهَا وَ نِسَاءِ قَوْمِهَا تَطَأُ ذُیولَهَا، مَا تَخْرِمُ مِشْیتُهَا مِشْیةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ حَتَّى دَخَلَتْ عَلَى أَبِی بَکرٍ وَ هُوَ فِی حَشَدٍ مِنَ الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ وَ غَیرِهِمْ فَنِیطَتْ دُونَهَا مُلَاءَةٌ، فَجَلَسَتْ ثُمَّ أَنَّتْ أَنَّةً أَجْهَشَ الْقَوْمُ لَهَا بِالْبُکاءِ، فَارْتَجَّ الْمَجْلِسُ، ثُمَّ أَمْهَلَتْ هُنَیئَةً حَتَّى إِذَا سَکنَ نَشِیجُ الْقَوْمِ وَ هَدَأَتْ فَوْرَتُهُمْ، افْتَتَحَتِ الْکلَامَ بِحَمْدِ اللَّهِ وَ الثَّنَاءِ عَلَیهِ وَ الصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم ... فَقَالَتْ عَلَیهَا السَّلَامُ:... یا ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ، أَ فِي کتَابِ اللَّهِ أَنْ تَرِثَ أَبَاك وَ لَا أَرِثَ أَبِي؟! لَقَدْ جِئْتَ شَیئاً فَرِیا. أَ فَعَلَى عَمْدٍ تَرَکتُمْ کتَابَ اللَّهِ وَ نَبَذْتُمُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِکمْ إِذْ یقُولُ: وَ وَرِثَ سُلَیمانُ داوُدَ؟! وَ قَالَ فِیمَا اقْتَصَّ مِنْ خَبَرِ یحْیى بْنِ زَکرِیا (ع) إِذْ قَالَ: فَهَبَّ لِی مِنْ لَدُنْک وَلِیا یرِثُنِی وَ یرِثُ مِنْ آلِ یعْقُوبَ، وَ قَالَ: إِنْ تَرَك خَیراً الْوَصِیةُ لِلْوالِدَینِ وَ الْأَقْرَبِینَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِینَ، وَ زَعَمْتُمْ أَنْ لَا حُظْوَةَ لِي وَ لَا أَرِثَ مِنْ أَبِي وَ لَا رَحِمَ بَینَنَا» (3).
تستمر قصة فاطمة الزهراء سلام الله عليها في إلهام الأجيال الجديدة من الفتيات. من خلال دراسة حياتها ومواقفها، يمكن للفتيات أن يستلهمن القوة والعزيمة لمواجهة التحديات التي قد يواجهنها في حياتهن. إن القيم التي تمثلها فاطمة الزهراء تُعتبر مرشدًا للفتيات في سعيهن لتحقيق العدالة والمساواة.
إحترام الوالدين والعائلة
فاطمة الزهراء سلام الله عليها كانت تُظهر احترامًا عميقًا لوالديها، النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم والسيدة خديجة سلام الله عليها. لقد كانت تُعبّر عن حبها وتقديرها لوالديها في كل الأوقات. مما يُظهر أهمية الاحترام في العلاقات الأسرية. إن احترام الوالدين يُعتبر قيمة أساسية في الإسلام، وقد جسدتها فاطمة الزهراء من خلال سلوكها وأفعالها. فنشاهدها تعتني بأبيها في جميع الأحوال. فقد روي عن سيرتها سلام الله عليها: « لما نثر ذلك السفيه على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك التراب ، دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته والتراب على رأسه ، فقامت إليه فاطمة الزهراء سلام الله عليها ، فجعلت تغسل عنه التراب وهي تبكي ، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لها: لا تبكي يا بنية ، فإن الله مانع أباك . قال : ويقول بين ذلك: ما نالت مني قريش شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب » (4).
وأيضا روي حول مراعاة فاطمة الزهراء لأبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: « وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه جاع في زمن قحط فأهدت له فاطمة رغيفين وبضعة لحم آثرته بها فرجع بها إليها فقال : هلمي يا بنية وكشفت عن الطبق فاذا هو مملوء خبزا ولحما فبهتت وعلمت أنها نزلت من الله فقال لها : أنى لك هذا قالت هو من عندالله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: الحمد لله الذي جعلك شبيهة سيدة نساء بني إسرائيل ثم جمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علي بن أبي طالب والحسن والحسين وجميع أهل بيته حتى شبعوا وبقي الطعام كما هو وأوسعت فاطمة على جيرانها » (5). فهذا يوضح لنا أن فاطمة الزهراء سلام الله عليها كانت تُعزز من قيمة الترابط الأسري. كانت تُشارك في المناسبات العائلية وتُعبر عن حبها لأقاربها وأهلها. هذا يُظهر أهمية التواصل والترابط بين أفراد العائلة، ويُعطي درساً للفتيات حول كيفية تعزيز العلاقات الأسرية والمحافظة عليها. فهي كانت تحترم عائلتها وأبويها إلى أن قال أميرالمؤمنين عليه السلام في حقها:« فو اللّه ما أغضبتها و لا أكرهتها على أمر حتّى قبضها اللّه عزّ و جلّ إليه، و لا أغضبتني و لا عصت لي أمرا، و لقد كنت أنظر إليها فتنكشف عنّي الهموم و الأحزان » (6).
فاطمة الزهراء سلام الله عليها هي رمز لاحترام الوالدين والعائلة. من خلال حياتها وتعاليمها، تُعتبر قدوة يُحتذى بها للفتيات في جميع أنحاء العالم. إن احترام الوالدين والعائلة يُعتبر قيمة أساسية في الإسلام، وقد جسدتها فاطمة الزهراء من خلال سلوكها وأفعالها. من خلال الاقتداء بها، يمكن للفتيات أن يتعلمن أهمية الاحترام والتقدير في بناء علاقات أسرية قوية ومبنية على الحب والاحترام. إن إرث فاطمة الزهراء يُستمر في إلهام الأجيال الجديدة لتحقيق قيم الاحترام والتقدير في حياتهن.
1) بحارالأنوار (للعلامة محمدباقر المجلسي) / المجلد: 53 / الصفحة: 178 / الناشر: دار إحياء التراث – بيروت / الطبعة: 1.
2) بحارالأنوار (للعلامة محمدباقر المجلسي) / المجلد: 43 / الصفحة: 29 / الناشر: دار إحياء التراث – بيروت / الطبعة: 1.
3) بحارالأنوار (للعلامة محمدباقر المجلسي) / المجلد: 29 / الصفحة: 215 / الناشر: دار إحياء التراث – بيروت / الطبعة: 1.
4) بحارالأنوار (للعلامة محمدباقر المجلسي) / المجلد: 43 / الصفحة: 170 / الناشر: دار إحياء التراث – بيروت / الطبعة: 1.
5) بحارالأنوار (للعلامة محمدباقر المجلسي) / المجلد: 43 / الصفحة: 29 / الناشر: دار إحياء التراث – بيروت / الطبعة: 1.
6) كشف الغمة في معرفة الأئمة (للمحدث الإربلي) / المجلد: 1 / الصفحة: 352 / الناشر: منشورات السيد الرضي – قم / الطبعة: 1.
التعلیقات