ملائكة الأرض، نظرة إلى هلال الأحمر ودور النساء في إنقاذ الأرواح
السيد حسين الهاشمي
منذ 13 ساعةيصادف الثامن من شهر مايو من كل عام اليوم العالمي للهلال الأحمر، حيث يحتفل العالم في هذا اليوم بتقدير جهود المتطوعين والعاملين في جمعيات الهلال الأحمر حول العالم. إنهم الذين يسهرون الليل لتقديم العون والمساعدة للمحتاجين والمتضررين في أوقات الأزمات والكوارث.
لذا، قررنا أن نكتب لكم عن الهلال الأحمر والجهود التي تبذلها هذه الجمعيات في جميع المجالات.
قبل أن نبدأ بالكلام، أريد منكم شيئا مهما. أريد منكم أن تكتبوا لنا عن مشاعركم تجاه المتطوعين والعاملين في جمعيات الهلال الأحمر والعمل الذي يفعلونه في هذه الجمعيات. تخيلوا أنفسكم أو عائلتكم محصورين في حريق أو في بيت مخروبة بسبب زلزال عظيم وقد تمّ إنقاذكم أو إنقاذ عائلتكم من قبل جمعيات الهلال الأحمر. ما هو إحساسكم في ذلك الحين تجاه هؤلاء المتطوعين والمتطوعات؟ أكتبوه لنا.
إنقاذ الأرواح، نبض الإيمان وضمير الإنسانية
إن حياة كلّ شخص محترمة وإنقاذها هو قمّة الفضيلة وهذا الأمر موجود في كيان كلّ دين ومكنون في أعماق ضمير كلّ إنسان.
حينما نراجع المتون الدينية في جميع الأديان الإلهية نشاهد أن الحياة وديعة إنسانية وأمانة يجب الحفاظ عليها وصونها. والشريعة الإسلامية أكمل الشرايع الإلهية وهذا الأمر مزدهر فيها بشكل واضح. فيقول الله سبحانه وتعال في كتابه الكريم بعد أن يحكي حكاية إبني النبي آدم عليه السلام وهما هابيل وقابيل وحكاية قتل هابيل بيد قابيل: ﴿ مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ﴾ (1). فإذا تأملنا جيدا في هذه الآية الشريفة نرى أن الله سبحانه وتعالى يحترم حياة كلّ شخص بصورة عجيبة حتى يقارن سبحانه وتعالى بين قتل شخص واحد وبين قتل جميع الناس. وأيضا يقارن بين إنقاذ حياة شخص واحد وبين إنقاذ جميع الناس. ومن هنا نفهم قيمة عمل المتطوعين والعاملين في جمعيات الهلال الأحمر بشكل واضح.
وأيضا هذا الأمر من أوضح الواضحات من وجهة نظر إنساني. لأنه بغض النظر عن الدين أو المعتقد، إن إنقاذ الأرواح هو واجب أخلاقي وإنساني يقع على عاتق كل فرد في المجتمع. فكل إنسان له الحق في الحياة ولا يجوز لأحد أن يعتدي على هذا الحق أو يتسبب في إزهاق الأرواح. إن إنقاذ الأرواح يتطلب منا أن نكون مستعدين لتقديم المساعدة للمحتاجين والمتضررين في أوقات الأزمات والبلايا ويتطلب منا أن نكون رحماء ومتعاطفين مع الآخرين وأن نضع أنفسنا مكانهم. يتطلب منا أن نكون مستعدين للتضحية من أجل إنقاذ حياة إنسان آخر.
الهلال الأحمر والصليب الأحمر، رمزان للإنسانية في ثوبين مختلفين
لطالما كانت الإغاثة الإنسانية وتقديم العون للمحتاجين والمتضررين من الحروب والكوارث مهمة نبيلة تتجاوز الحدود والجنسيات والأيديولوجيات. وفي هذا السياق، تبرز الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر كمنظمة عالمية تسعى جاهدة لتخفيف المعاناة الإنسانية وحماية كرامة الإنسان في جميع أنحاء العالم. ولكن، قد يتبادر إلى ذهن البعض سؤال مهم: لماذا تستخدم هذه الحركة رمزين مختلفين، هما الصليب الأحمر والهلال الأحمر؟ وما هي الأسباب الموجودة وراء هذا الاختلاف؟ إذا كنتم تعلمون سبب هذا الاختلاف في الرموز أو لديكم حدس حول سبب الاختلاف شاركو آرائكم معنا في التعليقات فإن آرائكم تهمنا.
الصليب الأحمر العالمي
تعود جذور الحركة الدولية للصليب الأحمر إلى عام 1859، عندما شهد رجل الأعمال السويسري هنري دونان فظائع معركة سولفرينو في إيطاليا، حيث لقي آلاف الجنود مصرعهم أو أصيبوا بجروح خطيرة دون وجود رعاية طبية كافية. فقرر تكريس حياته لإنشاء منظمة دولية تهدف إلى تقديم المساعدة الطبية والإنسانية للمتضررين من الحروب والنزاعات. وفي عام 1863، تم تأسيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر في جنيف، سويسرا، وتم اختيار رمز الصليب الأحمر على خلفية بيضاء كشعار للحركة. وقد استوحي هذا الرمز من العلم السويسري.
الهلال الأحمر في الدول الإسلامية
بعد مرور بضعة سنوات على تأسيس الصليب الأحمر، بدأت بعض الدول الإسلامية في استخدام رمز الهلال الأحمر بدلًا من الصليب الأحمر. ويعود ذلك إلى عدة أسباب. منها ما رأت بعض الدول الإسلامية أن رمز الصليب قد يحمل دلالات دينية مسيحية، وهو يتعارض مع مبدأ الحياد الديني الذي تتبناه الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر. ومنها كان الهلال رمزًا شائعًا في الثقافة الإسلامية، ويرمز إلى الخير والعطاء والأمل. لذلك رأت بعض الدول الإسلامية أن استخدام الهلال كرمز للحركة الإنسانية سيكون أكثر ملاءمة لثقافتها وتقاليدها.
النهج الواحد بين المجتمعين
في عام 1929، تم الاعتراف رسميًا برمز الهلال الأحمر كرمز مساوٍ للصليب الأحمر من قبل المؤتمرات الدبلوماسية الدولية. وقد جاء هذا الاعتراف تأكيدًا على مبدأ احترام التنوع الثقافي والديني للشعوب، وعلى ضرورة أن تكون الحركة الإنسانية العالمية شاملة ومتاحة للجميع، بغض النظر عن خلفياتهم ومعتقداتهم
مكانة المتوطعين والمسعفين في الشريعة الإسلامية
مثلما قلنا سابقا، إن للمتطوعين في جمعيات الهلال الأحمر والمسعفين مكانة عالية ورفيعة في الشريعة الإسلامية. حيث قارن الله سبحانه وتعالى بين إحياء شخص واحد وإحياء جيمع الناس وجعلهما واحدا. وهذا بنفسه يدلّ على ما مدى أهمية عمل هؤلاء عند الله سبحانه وتعالى.
وفي الروايات المروية عن النبي الأكرم صل الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام أيضا وردت آثار عظيمة لإحياء الناس. فقد روي عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله: « أجود الناس من جاد بنفسه في سبيل الله » (2). وأيضا يقول الإمام الصادق عليه السلام: « يقول الله: من استنقذ حيرانا من حيرته سميته حميدا، وأسكنته جنتي » (3). وقال الحمران بن أعين، سألت الإمام الصادق عليه السلام عن الآية التي ذكرناها. فقلت له:« فَمَنْ أَحْيَاهَا؟ قال عليه السلام: نَجَّاهَا مِنْ غَرَقٍ أَوْ حَرَقٍ أَوْ سَبُعٍ أَوْ عَدُوٍّ » (4).
دور المرأة في مجال الإغاثة
قد يبدو العمل في مجال الإغاثة، للوهلة الأولى، نشاطاً ذكورياً يتطلب قوة بدنية وتحمل الظروف الصعبة. لكن الحقيقة هي أن الإغاثة تتطلب مجموعة واسعة من المهارات والقدرات التي تتقنها المرأة جيداً.
تمتلك المرأة بطبيعتها إحساساً عالياً بالتعاطف والشفقة. تستطيع التواصل بشكل جيد مع المتضررين، وخاصة الأطفال وكبار السن. وأيضا في العديد من المجتمعات، وخاصة في الثقافات التقليدية، تتواصل النساء المتضررات بسهولة أكبر مع النساء المنقذات. أظهرت الدراسات أن وجود المرأة في فرق الإغاثة يؤدي إلى توزيع أكثر عدلاً للمساعدات. تولي المرأة المنقذة اهتماماً أكبر باحتياجات الفئات الأكثر ضعفاً.
النساء المساعدات في صدر الإسلام
كان للنساء المساعدات دور مهم في الحروب والمعارك في صدر الإسلام. فلنذكر شجاعة بعض منهن.
أولهن أم عمار ونسيبة بنت كعب التي شهدت غزوة أحد. فقد روى البلاذري: « نسيبة بنت كعب، شهدت يَوْم أحد، وزوجها، وابناها، وخرجت معها بشنّ لها تسقي الجرحى. فقاتلت يومئذ وأبلت، وجرحت أثني عشر رجلًا بسيف ورمح. وكانت فِي أول النهار تسقي المسلمين والدولة لهم. ثُمَّ قاتلت حين كرّ المشركون. ... وأن النبي قال في حقها: مَا الْتَفَتُّ يَمِينًا وَشِمَالا يَوْمَ أُحُدٍ إِلا رَأَيْتُهَا تُقَاتِلُ دُونِي » (5).
ومنهن الرفيدة الأسلمية التي شاركت في بعض الغزوات وكانت تراعي الجرحى. ومن أهم الغزوات هي غزوة الخندق. فقد ذكر أهل التاريخ: « أُقيمت لها خيمة في المسجد النبوي بها تحتوي الأربطة والأدوية والأعشاب والأقطان لمداواة المرضى والجرحى ... حتى أُصيب سعد بن معاذ بسهم في غزوة الخندق. لما أصيب أكحلُ سَعْد يوم الخندق فقيل: حوِّلوه عند امرأة يقال لها رفيدة، وكانت تداوِي الجرحى » (6).
وأيضا أورد إبن هشام حولها: « كان رسول الله قد جعل سعد بن معاذ في خيمة لامرأة من أسلم، يقال لها رفيدة، في مسجده، كانت تداوى الجرحى، وتحتسب بنفسها على خدمة من كانت به ضيعة من المسلمين، وكان رسول الله قد قال لقومه حين أصابه السهم بالخندق: اجعلوه في خيمه رفيدة حتى أعوده من قريب » (7).
خلاصة الكلام
المُسعِفون هم جنود مجهولون يستحقون التقدير والاحترام. إنهم يعملون في ظروف صعبة ومحفوفة بالمخاطر، ويضحون بأوقاتهم وجهودهم من أجل إنقاذ حياة الآخرين. إنهم يستحقون منا كل الدعم والتشجيع، والدعاء لهم بالتوفيق والسداد.
تعالوا نكتب ولو جملة واحدة ونشكر من جهود المتطوعين العاملين بكلّ إخلاص وجهاد.
1) سورة المائدة / الآية: 32.
2) مستدرك الوسائل (للمحدث النوري) / المجلد: 11 / الصفحة: 18 / الناشر: مؤسسة آل البيت – قم / الطبعة: 1.
3) تحف العقول (لإبن شعبة الحراني) / المجلد: 1 / الصفحة: 382 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 2.
4) تفسير البرهان (للسيد هاشم البحراني) / المجلد: 2 / الصفحة: 283 / الناشر: مؤسسة البعثة – قم / الطبعة: 1.
5) أنساب الأشراف (للبلاذري) / المجلد: 1 / الصفحة: 325 / الناشر: دار الفكر – بيروت / الطبعة:1.
6) سير أعلام النبلاء (لشمس الدين الذهبي) / المجلد: 1 / الصفحة: 287 / الناشر: مؤسسة الرسالة – بيروت / الطبعة: 1.
7) السيرة النبوية (لإبن هشام) / المجلد: 2 / الصفحة: 137 / الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت / الطبعة: 1.
التعلیقات