أحكام النساء المعتكفات
السيد حيدر الجلالي
منذ 5 سنواتإنّ الدُعاء والتوسل إلى الله هو أحد أبواب الفلاح وهذا الباب مفتوح للإنسان دائماً، صحيح أنّ هناك بعض الأشهر مثل شهر رجب وشعبان ورمضان الذي لهم أفضلية بالنسبة لباقي الشهور، ولكن باب الدُعاء والتوسل مفتوح للإنسان طوال السنة.
الطُرُق للوصول إلى الله عزّ وجلّ هي بعدد الخلق، حيث أيّ شخص يتقرّب إلى الله بطريقته الخاصة وأسلوبه المُعيّن لكن هناك بعض الطُرُق التي أكّد عليها المعصومين (عليهم السلام) التي هي أفضل من غيرها للوصول إلى الله.
الإعتكاف هو من تلك الطُرُق حيث يذهب الشخص إلى المسجد ويصوم ويلبث فيها ثلاثة أيامٍ وينشغل بالعبادة والإستغفار والدُعاء والتوسل، كما أنّ بعض الأنبياء (عليهم السلام) فعلوا ذلك. فإنّ سليمان (عليه السلام) كان يعتكف في مسجد بيت المقدس السنة والسنتين والشهر والشهرين وأقل وأكثر، يدخل فيه طعامه وشرابه ويتعبّد فيه (1).
أمّا الاعتكاف لغة هو اللبث الطويل، قال الله تعالى: {ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ}(2).
وأمّا في الشرع فإنّه عبارة عن لبثٍ مخصوص للعبادة، وهو مشروع في شريعتنا والشرائع السابقة، مستحب بإجماع العلماء، قال الله تعالى: {أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ} (3)، وقال تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ}(4).
کذلك قول الإمام الصادق (عليه السلام): >كانَ رَسولُ اللّه ِ (صلّى الله عليه وآله) إذا كانَ العَشرُ الأَواخِرُ اعتَكَفَ فِي المَسجِدِ، وضُرِبَت لَهُ قُبَّةٌ مِن شَعرٍ، وشَمَّرَ المِئزَرَ، وطَوى فِراشَهُ<(5).
إنّ للإعتكاف بعض الشروط والإلزامات منها: أن لا تكون أقل من 3 أيام وأن يكون مقروناً بالصوم كما قال الإمام الصادق (عليه السلام): >لَا يَكُونُ الاعْتِكَافُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَمَنِ اعْتَكَفَ صَامَ< (6)، كذلك يشترط في الاعتكاف أن يكون في مكان خاص، وقد أجمع علماء على اشتراط المسجد في الجملة، لقوله تعالى: { وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (7)، وهناك أحكام أخرى.
أمّا بالنسبة للمرأة فهناك أحكام خاصة لها دون الرجل نذكرها:
ليس للمرأة الاعتكاف في مسجد بيتها (وهو الذي عزلته وهيأته للصلاة فيه)؛ لأنّه ليس له حرمة المساجد، وليس مسجداً حقيقة، ولهذا يجوز تبديله وتوسيعه وتضييقه (8).
كذلك يشترط في صحة اعتكاف الزوجة (المندوب) إذن زوجها؛ لأنّ منافع الاستمتاع للزوج، فلا يجوز صرفها إلى غيره إلّا بإذنه (9).
كما أنّه لو طرأت على المرأة الحيض سواء كان بعد إنهاء اليوم الأول أو الثاني أو حتى أثناء اليوم الثالث من الإعتكاف، يبطل اعتكافها ويجب أن تخرج من المسجد فوراً ويجب عليها قضاء الاعتكاف على الأحوط وجوباً إلّا إذا إشترطت على نفسها ترك الاعتكاف عند حدوث أيّ مشكلة (10)، ويوجد هناك رأي آخر يقول بعدم وجوب القضاء (11).
أمّا لو استحاضت المرأة أثناء أيام الاعتكاف، يصح إعتكافها؛ لأنّ الإعتكاف كما ذكرنا هو عبادة وفي الشريعة مقرون بالصوم، فعندما تصح العبادة ويصح الصوم في حال الاستحاضة، فيجوز الاعتكاف فيها أيضاً.
هذه أحكامٌ تخص المرأة نفسها، أمّا باقي الأحكام مثل حرمة الجماع كما قال الله عزّ وجلّ: { وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (12)، كذا أجمع العلماء كافة على تحريم الوطئ للمعتكف، فإن اعتكف وجامع فيه متعمداً، فسد اعتكافه إجماعاً؛ لأنّ الوطئ إذا حَرُم في العبادة أفسدها، كالحج والصوم، نعم، إن كان ناسياً، لا يبطل لقوله النبيّ (صلى الله عليه وآله): >رفع عن أمتي.... منها: الخطأ والنسيان< (13)، والنيّة وكراهية المعاملة وعدم التكلّم وعدم الإنشغال بغير العبادة و... فإنّها تشمل كلاً من الرجل والمرأة ولا يختص أحدهما دون آخر.
1) بحار الأنوار، ج14، ص141.
2) الأنبياء : ٢.
3) البقرة : ١٢٥.
4) البقرة : ١٨٧.
5) الكافي، ج4، ص175، ح1.
6) الكافي، ج4، ص177، ح2.
7) البقرة: 187.
8) المبسوط للسرخسي، ج3، ص119.
9) تذكرة الفقهاء، ج6، ص250.
10) إستفتائات السيد السيستاني، الاعتكاف.
11) إستفتائات السيد الخامنه اي، الاعتكاف.
12) البقرة: 187.
13) الخلاف، ج6، ص136.
التعلیقات