الإمام الجواد عليه السلام والاهتمام بالعائلة
السيد حسين الهاشمي
منذ 5 أيامالإمام الجواد عليه السلام هو الإمام التاسع من أئمة أهل البيت عليهم السلام الذين فرض الله سبحانه وتعالى علينا طاعتهم وجعلهم معصومين من الذنوب والآثام والخطايا. فأفعالهم وأقوالهم حجة علينا ويجب علينا أن نتعلم منهم. واليوم التاسع والعشرون من شهر ذي القعدة هو يوم استشهاد الإمام الجواد عليه السلام. ولهذه المناسبة أردنا أن نستلهم من سيرته العطرة ونتعلم منه عليه السلام كيف يجب أن تكون معاملتنا مع العائلة والأسرة، وما هي الصفات الأخلاقية التي يجب علينا أن نتحلى بها كي تكون عائلتنا عائلة سعيدة وموفقة.
ضرورة معرفة السيرة العائلية للمعصومين عليهم السلام خصوصا الإمام الجواد عليه السلام
تواجه الأسرة المعاصرة اليوم تحديات غير مسبوقة تهدد بنيانها واستقرارها، من تفكك العلاقات، وتراجع القيم، وتضارب الأدوار، إلى هيمنة المفاهيم المادية على الحياة الزوجية. وفي خضمّ هذه الأزمة، تبرز الحاجة الملحّة إلى العودة إلى النماذج القيمية التي قدمها الإسلام، لاسيّما من خلال سيرة المعصومين عليهم السلام، حيث نجد في حياتهم تجسيداً حياً للمبادئ الأخلاقية والعلاقات الإنسانية الرفيعة، التي يمكن أن تشكل دليلاً عملياً في معالجة التصدعات التي تعاني منها الأسرة اليوم.
من بين هؤلاء الأئمة، يبرز الإمام محمد الجواد عليه السلام، الذي رغم قصر عمره الشريف، قدّم مثالاً راقياً في التعامل الزوجي والعائلي. فيجدر بالأسر المسلمة اليوم أن تعيد قراءته والتأمل فيه.
زواج أم الفضل مع الإمام الجواد عليه السلام
أم الفضل هي ابنة المأمون العباسي، الذي غصب خلافة الإمام الرضا عليه السلام. للمأمون أولاد كثيرون، من بينهم اثنان هما جعفر بن المأمون وأم الفضل. وهي تُعتبر من النساء العاصيات لله تبارك وتعالى في تاريخ الإسلام. ورد في الكتب التاريخية وبعض الروايات أنّ المأمون عندما قبل الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام، ولاية العهد، فرح كثيرا لأنه في الحقيقة بجعل الإمام وليّ العهد له، قوى على التجسس وقتل الإمام الرضا عليه السلام. فالمأمون على نفس السياق والفكرة زوّج إبنته أم الفضل مع إبن الإمام الرضا، محمد بن علي الجواد عليهما السلام والإمام في سنّ السادسة عشرة وبعد استشهاد الإمام الرضا عليه السلام (1). وعندما استشهد الإمام الرضا عليه السلام، دعى المأمون العباسي الإمام الجواد عليه السلام إلى بغداد وبقى الإمام عليه السلام مع أم الفضل في بغداد وقام المأمون باستقباله في بغداد حتى لاتثور الشيعة ومحبي الإمام عليه. (2).
علل قبول الإمام الجواد عليه السلام الزواج مع أم الفضل
يوجد هنا سؤال مهم وهو إنّ الإمام محمد بن علي الجواد عليه السلام كان يعلم بغدر المأمون وعداوته للأئمة المعصومين عليهم السلام. فلماذا قَبِلَ الزواج مع إبنته؟
هناك علل متعددة لقبول الإمام الجواد عليه السلام، منها إجباره ووجوب حفظ النفس. فقد كان الإمام الجواد عليه السلام مثل الإمام الرضا عليه السلام، في حالة من الضيق والإجبار من قبل المأمون. فإذا لم يقبل الإمام الجواد عليه السلام التزويج من أم الفضل، كان مهددًا بالقتل. وكان وجود الإمام الجواد عليه السلام في ذلك الوقت وهداية الناس والشيعة في تلك الظروف الصعبة من الضروريات. لذا قام الإمام الجواد بحفظ نفسه بقبول التزويج من أم الفضل.
ومنها حفظ الإسلام الحقيقي من التحريف. إنّ الإمام الجواد عليه السلام حيث صار في مركز الحكومة وصار صاحب صوت في حكومة المأمون، قام بتعديل أفعال المأمون في المقابلة مع الدين المبين وقام بتبليغ الدين الحق، في المجامع الحكومية والاجتماعية. حيث نرى في مناظراته مع كبار الأديان الأخرى والمقامات الحكومية ومع نفس المأمون أنّ الإمام كان يبلّغ دين الإسلام ويحفظ عليه بشكل أساسي.
استشهاد الإمام الجواد عليه السلام
تشير الروايات على أن أم الفضل دسّت السم إلى الإمام الجواد عليه السلام. رغم بشاعة هذا الفعل، لم يُنقل أن الإمام عليه السلام واجه زوجته أو أساء إليها، بل قابل ذلك بالصبر والتسليم لقضاء الله ولم يلوث لسانه بالشتائم ولا يده بالانتقام بل سار على نهج جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله. فيقول المسعودي: « وبويع للمعتصم أبي اسحاق محمد بن هارون في شعبان سنة ثماني عشرة ومائتين. فلما إنصرف أبو جعفر عليه السّلام إلى العراق لم يزل المعتصم وجعفر بن المأمون يدبرون ويعملون في الحيلة في قتله فقال جعفر لأخته أم الفضل وكانت لأمه وأبيه في ذلك؛ لأنّه وقف على إنحرافها عنه وغيرتها عليه لأنّها لم ترزق منه ولدا. فأجابت أخاها جعفرا وجعلوا سمّا في شيء من عنب رازقي وكان يعجبه العنب الرازقي. فلما أكل منه ندمت وجعلت تبكي. فقال لها: ما بكاؤك؟ واللّه ليضربنك اللّه بفقرٍ لا ينجي و بلاء لا ينستر. فبليت بعلّة في أغمض المواضع من جوارحها صارت ناسورا ينتقض عليها في كلّ وقت. فأنفقت مالها وجميع ملكها على تلك العلّة حتى احتاجت الى رفد الناس» (3).
أقوال الإمام الجواد عليه السلام حول العائلة والأسرة
قال أبو جعفر محمد بن على الجواد عليه السلام: « المؤمن يحتاج إلى ثلاث خصال : توفيق من الله ، وواعظ من نفسه ، وقبول ممن ينصحه » (4).
إن أول ما يحتاجه المؤمن في مسيرة التربية، هو التوفيق من الله سبحانه وتعالى. فمهما امتلك الوالدان من علم وخبرة، ومهما بذلا من جهد وتضحية، فإنهما لن ينجحا في مهمة التربية إلا بتوفيق الله وعونه. وهذا التوفيق لا يأتي إلا بالدعاء والتضرع إلى الله، وبالإخلاص في النية والعمل، وبالالتزام بتعاليم الدين الحنيف. المسألة الثانية هي أنه يجب أن يكون الوالدان قدوة حسنة لأبنائهم في أقوالهم وأفعالهم، وأن يتصفا بالأخلاق الحميدة والسلوك القويم. فالأبناء يتأثرون بوالديهم أكثر من أي شخص آخر، وهم يقتدون بهم في كل شيء. وكذلك يجب على الوالدين أن يحاسبا أنفسهما باستمرار، وأن يقوما بتقويم سلوكهما وأخلاقهما. المسألة الثالثة هي أن يكون المؤمن متواضعًا، ويتقبل النصح والتوجيه من الآخرين، خاصة ممن هم أصحاب علم وخبرة. وفي مجال التربية، يجب على الوالدين أن يكونا منفتحين على النصيحة والتوجيه من أهل الاختصاص، وأن يتقبلا النقد البناء من الآخرين. ففي هذا السياق يقول أميرالمؤمنين عليه السلام: « إسمعوا النّصيحة ممّن أهداها إليكم و اعقلوها على أنفسكم » (5). وعنه عليه السلام أيضا: « اِتَّعِظوا مِمَّنْ كان قبلَكُم قَبلَ أَن يَتّعِظَ بِكُم مَن بعدَكُم » (6).
وكذلك روي عن الإمام الجواد عليه السلام حول تزويج الشباب: عن علي بن مهزيار قال : كتب علي بن اسباط إلى ابى جعفر عليهالسلام في امر بناته انه لا يجد احدا مثله فكتب إليه أبو جعفر عليه السلام: « فهمت ما ذكرت من امر بناتك وانك لا تجد احدا مثلك ، فلا تنظر في ذلك يرحمك الله فان رسول الله صلى الله عليه وآله قال : إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه إلا تفعلوا ذلك تكن فتنة في الارض وفساد كبير» (7). الإمام يوجّه الكلام إلى أولياء الأمور، والذين تقع على عاتقهم مسؤولية القبول أو الرفض في مسألة الزواج. والإمام لم يذكر المال أو الجمال أو النسب أو المكانة الاجتماعية، بل قال: « من ترضون خلقه ودينه«. فالدين يدل على العلاقة بالله، والخلق يدل على العلاقة بالناس. من اجتمعت فيه هاتان الصفتان، فهو مؤهل لأن يكون زوجًا صالحًا. وهنا تتجلى رؤية الإسلام الواقعية والعميقة في أن نجاح الزواج لا يقوم على المظاهر، بل على الباطن والخلق والسلوك.
لقد ابتعد كثير من الناس اليوم عن هذا المعيار الإيماني وأصبح الزواج يُبنى على أسس مادية بحتة كالوظيفة والدخل والسيارة ومستوى الرفاه. وبهذا الخروج عن الهدي الإلهي، نشهد اليوم ارتفاع نسب الطلاق نتيجة لانعدام الانسجام الروحي والقيمي بين الزوجين وعزوف الشباب عن الزواج بسبب الشروط التعجيزية وانتشار العلاقات غير الشرعية بسبب تأخر سن الزواج. كل هذه المظاهر هي فتنة في الأرض وفساد كبير كما أشار الإمام الجواد عليه السلام قبل أكثر من ألف عام.
فيجب علينا جميعًا أن نتمسك بالعروة الوثقى الإلهية ونطيع أوامرهم كي نبني مجتمعًا أكثر انسجامًا وأقل توترًا واضطرابًا.
إذا سمعتم أو قرءتم روايات أخرى عن الإمام الجواد عليه السلام حول الأسرة وكيفية التصرف فيها، أكتبوا لنا في التعليقات كي نستفيد منكم.
1) عيون أخبار الرضا (للشيخ الصدوق) / المجلد: 2 / الصفحة: 158 / الناشر: منشورات جهان – قم / الطبعة: 1.
2) إثبات الوصية (للمسعودي) / الصفحة: 223 / الناشر: أنصاريان – قم / الطبعة: 1.
3) إثبات الوصية (للمسعودي) / الصفحة: 227 / الناشر: أنصاريان – قم / الطبعة: 1.
4) بحار الأنوار (للعلامة محمد باقر المجلسي) / المجلد: 78 / الصفحة: 358 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 1.
5) غرر الحكم ودرر الكلم (لعبدالواحد التميمي) / المجلد: 1 / الصفحة: 151 / الناشر: دار الكتاب الإسلامي – قم / الطبعة: 2.
6) غرر الحكم ودرر الكلم (لعبدالواحد التميمي) / المجلد: 1 / الصفحة: 407 / الناشر: دار الكتاب الإسلامي – قم / الطبعة: 2.
7) تهذيب الأحكام (للشيخ الطوسي) / المجلد: 7 / الصفحة: 369 / الناشر: دار الكتب العليمة – طهران / الطبعة: 4.
التعلیقات