السيدة طوعة
سارة المهدي
منذ 16 سنةامرأة وقفت وقفة الأبطال في ظروف تقاعس فيها الرجال
ان التاريخ الاسلامي يطالعنا في صفحاته المشرقة عن المواقف النورانية ، والصور الرائعة في التضحية والايثار والشجاعة والحمية ، ففي احلك الظروف برزت هنالك نماذج رسالية تركت بصماتها مخلدة في جبين التاريخ والانسانية وقد جسدت امرأة في التاريخ بمواقفها الجهادية نوعاً من النماذج عندما وقفت وقفة الابطال في ظروف تقاعس فيها الرجال .. تلك المرأة هي طوعة مولاة الاشعث بن قيس الكندي ، اعتقها الاسيد الحضرمي، ثم تزوجها فولدت له بلالاً وهي من المؤمنات المجاهدات. وكانت مصداقاً لقوله تعالى : ((والذين آمنوا وهاجرواوجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا اولئك هم المؤمنون حقاً لهم مغفرة ورزق كريم)) (الانفال : 74).
فقد آوت مسلم بن عقيل سفير الامام الحسين بن علي عليهم السلام في بيتها بالكوفة ، بينما كانت تطارده السلطة وتريد القاء القبض عليه ، وكانت تعلم ان اي تعاطف مع مسلم بن عقيل ، لايعني سوى اللعب بالنار وتعريض نفسها للسجن و الاعدام ، وكانت تعلم ـ أيضاً ـ ان كل الابواب في الكوفة قد اغلقت في وجه انصار الحسين عليه السلام ومبعوثه الخاص ، ولكنها رغم ذلك آوت مسلم بن عقيل ووفرت له الحماية والأمن بعيداً عن اعين السلطات ، بعد ان كان حائراً متردداً في ازقة الكوفة .. لا يدري الى اين مأواه وملجأه احاطت به تيارات من الهموم واستبان له انه ليس في المصر رجل شريف يقوم بضيافته وحمايته ... انتهى به المطاف الى بيتها.. كانت واقفة عند باب دارها في انتظار قدوم ابنها .. فبادرها بالسلام .. فردت عليه السلام ، استقاها فسقته ، فجلس على الباب لا تطاوعه نفسه ان يبتدئها بطلب الاذن في الدخول للدار فالتفتت اليه قائلة : ألم تشرب ؟ فسكت عنها اذلم يكن له اهل ولايعرف من يؤويه ، ولكنها لم تقتنع بذلك لأنها امرأة مصونة متأففة من وقوف الأجنبي على بيتها فقالت له : " اني لااحل لك الجلوس هنا ولايصلح لك " فعندها رق وتلاين وقال : " أمة الله مالي في هذا المصر منزل ، ولا عشيرة فهل لك الى أجر ومعروف ولعلي مكافئك به بعد هذا اليوم" استفزتها هذه الكلمات الغالية لأن الأجر من اعمال الصالحين والمعروف لايكافئ عليه الا اهله فقالت مستفهمة :
وما ذاك؟ قال : انا مسلم بن عقيل كذبني هؤلاء القوم وغروني فلما سمعت باسمه شعرت بسعادة لايتوفق لها الا من اودع الله تعالى فيه نور الايمان ، فأعادت عليه السؤال عن اسمه متأكدة في الحصول على الغاية الثمينة وقالت له : أأنت مسلم ؟ قال : نعم ، فرحبت به و امتلأ قلبها سروراً بالحظوة بضيافة داعية ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وادخلت السيدة ضيفها العظيم في بيت غير البيت الذي كانت تأوي اليه وجاءته بالضياء والطعام ولما قربت الجيوش من دار طوعة علم مسلم انها قد اتت لحربه ، فسارع الى فرسه فأسرجها والجمها ، وصب عليه درعه ، وتقلد سيفه ، والتفت الى السيدة الكريمة طوعة فشكرها على حسن ضيافتها ، ولم تتركه طوعة عند هذا الحد بل كانت تشجعه وتقوي من عزيمته حتى انه كان من قوته يأخذ الرجل من محزمه ويرمي به فوق البيبت .. هذه هي طوعة وقد طاوعتها نفسها على متابعة العقل و اقتصاص اثر الدين وأداء الرسالة بإيواء ابن عم سيدالشهداء.
التعلیقات