عيد الأضحى فرصة للزيارات العائلية
الشيخ مهدي المجاهد
منذ يومكيف نجعل هذا العيد فرصة لتجديد المحبة؟
يُعَدّ عيد الأضحى من أعظم الأعياد الإسلامية التي تتجلى فيها معاني الإيمان والتضحية والتراحم. في هذا العيد، يُحيي المسلمون سنة النبي إبراهيم عليه السلام في الاستعداد لتقديم أعظم ما يملكون طاعةً لله، مما يفتح الباب لتجديد معاني القرب من الله، كما يتيح أيضًا فرصة ذهبية لتعزيز القرب بين أفراد العائلة. تتجاوز أبعاد هذا العيد مظاهر الذبح والطعام، لتصبح مناسبة لبناء أسرة متماسكة تُشكّل نواة المجتمع الصالح.
المناسبات فرصة لتعزيز الروابط الأسرية
تشكل المناسبات الدينية، ومنها عيد الأضحى، نافذة مفتوحة على صيانة العلاقات العائلية. فالزيارات العائلية، اللقاءات، وتبادل التهاني تفتح أبواب التواصل التي ربما أُغلقت بسبب زحمة الحياة. وقد أكدت الروايات الشريفة في مدرسة أهل البيت عليهم السلام على أهمية صلة الرحم، ومنها ما ورد عن أبي حمزة قال : قال أبو جعفر عليه السلام : « صِلَةُ اَلْأَرْحَامِ تُزَكِّي اَلْأَعْمَالَ (1) وَ تُنْمِي اَلْأَمْوَالَ وَ تَدْفَعُ اَلْبَلْوَى وَ تُيَسِّرُ اَلْحِسَابَ وَ تُنْسِئُ فِي اَلْأَجَلِ (2) » (3).
عيد الأضحى بما يحتويه من أجواء إيمانية وروحية يخلق بيئة مثالية لإزالة الجفاء وتجديد العلاقات. فعوضًا عن الاكتفاء بالتهاني التقليدية، يمكن اتخاذ المبادرة لحل خلاف قديم، أو زيارة قريب منسي، أو حتى جمع شمل العائلة على مائدة العيد. فورد عن أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ : « قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : أُوصِي اَلشَّاهِدَ مِنْ أُمَّتِي وَ اَلْغَائِبَ مِنْهُمْ وَ مَنْ فِي أَصْلاَبِ اَلرِّجَالِ وَ أَرْحَامِ اَلنِّسَاءِ إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ أَنْ يَصِلَ اَلرَّحِمَ وَ إِنْ كَانَتْ مِنْهُ عَلَى مَسِيرَةِ سَنَةٍ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنَ اَلدِّينِ » (4).
آداب عيد الأضحى في بيوت المسلمين: من الأضحية إلى توزيع النذور
الأجواء التي تملأ البيوت في عيد الأضحى ليست فقط مظهرًا من مظاهر الفرح، بل هي أيضًا طقس ديني واجتماعي عميق الأثر. في بيوت الشيعية، يتم الاهتمام بآداب الأضحية من حيث النية، الاختيار، وتقسيم اللحم كما ورد عن أبي الصباح الكناني قال: « سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن لحوم الأضاحي، فقال: كان عليُّ بن الحسين وأبو جعفر عليهما السلام يتصدَّقان بثلثٍ على جيرانِهم ، وثلثٍ على السؤَّال ، وثلثٍ يُمسكونه لأهل البيت » (5).
توزيع الأضحية أو النذورات ليس مجرد عمل اجتماعي، بل يعبر عن التكافل، وهو امتداد لمعاني التضحية والعطاء. ويُستحَبّ أن تُقدَّم النذورات بنية الشكر، أو لدفع بلاء عن الأسرة، أو تيمّنًا بسلامة الأحبة على الخصوص المولى صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، مما يضفي بُعدًا روحانيًا يُشعِر الجميع بالطمأنينة.
الزيارات المتبادلة في هذا العيد، والمشاركة في طهو الطعام أو توزيع الهدايا والنذورات، تخلق حالة من العمل الجماعي داخل البيت الواحد، وتعزز من دور كل فرد في إنجاح أجواء العيد.
ومن المناسب هنا أن نذكر أحكام الأضحية عند سماحة المرجع الديني السيد علي السيستاني حفظه الله حيث افاد في جواب سؤال عن هذه المسألة.
السؤال: ما هي أحكام الأضحية؟
الجواب: (١) تستحب الأضحية استحباباً مؤكداً لمن تمكن منها، ويستحب لمن تمكن من ثمنها ولم يجدها أن يتصدّق بقيمتها، ومع اختلاف القيَم يكفي التصدّق بقيمة الأدنى.
(٢) يجوز أن يضحّي الشخص عن نفسه وأهل بيته بحيوان واحد، كما يجوز الاشتراك في الأضحية ولا سيّما إذا عزّت الأضاحي وارتفع ثمنها.
(٣) أفضل أوقات الأضحية بعد طلوع الشمس من يوم النحر ومضيّ قدر صلاة العيد، ويمتدّ وقتها في منى أربعة أيّام وفي غيرها ثلاثة أيّام وإن كان الأحوط الأفضل الإتيان بها في منى في الأيّام الثلاثة الأولى وفي سائر البلدان يوم النحر.
(٤) يعتبر في الأضحية أن تكون من الأنعام الثلاثة الإبل والبقر والغنم، ولا يجزي على الأحوط من الإبل إلّا ما أكمل السنة الخامسة ومن البقر والمعز إلّا ما أكمل الثانية ومن الضأن إلّا ما أكمل الشهر السابع.
(٥) لا يشترط في الأضحية من الأوصاف ما يشترط في الهدي الواجب، فيجوز أن يضحّي بالأعور والأعرج والمقطوع أذنه والمكسور قرنه والخصي والمهزول، وإن كان الأحوط الأفضل أن يكون تامّ الأعضاء وسميناً، ويكره أن يكون ممّا ربّاه.
(٦) يجوز لمن يضحّي أن يخصّص ثلثه لنفسه أو إطعام أهله به، كما يجوز له أن يُهدي ثلثاً منه لمن يحبّ من المسلمين، والأحوط الأفضل أن يتصدّق بالثلث الآخر على فقراء المسلمين.
(٧) يستحب التصدّق بجلد الأضحية ويكره إعطاؤه أجرةً للجزّار، ويجوز جعلها مصلّى وأن يشترى به متاع البيت.
(٨) تجزئ الأضحية عن العقيقة، فمن ضُحّي عنه أجزأته عن العقيقة.
تقديم الهدايا في العيد: تقليد مؤثر يعزز المحبة
رغم بساطة الفكرة، إلا أن تبادل الهدايا في عيد الأضحى يحمل أثرًا نفسيًا واجتماعيًا كبيرًا، خصوصًا بين أفراد العائلة. فالهدية ليست بثمنها، بل بمعناها، وهي وسيلة لتعزيز المحبة وكسر الحواجز.
وقد أكدت النصوص الشرعية في مدرسة أهل البيت عليهم السلام على أثر الهدية، كما في قول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله : « الهدية تورث المودة وتجدر الاخوة ، وتذهب الضغينة. تهادوا تحابوا » (6)، من هذا المنطلق، يمكن للعائلات أن تعيد إحياء هذه السنة الجميلة، خصوصًا بين الأزواج، وبين الآباء والأبناء.
تقديم الهدايا لا يحتاج إلى ميزانية ضخمة، بل إلى نية خالصة وحب صادق. حتى لو كانت هدية رمزية مثل رسالة مكتوبة بخط اليد أو دعاء خاص، فهي كفيلة بإعادة الروابط إلى دفئها الأول.
خلق حوار صادق مع أفراد العائلة في ظل عيد الأضحى
في خضم الانشغالات اليومية والبعد الرقمي، يصبح الحوار العائلي أحد أكبر التحديات. عيد الأضحى فرصة لإعادة فتح قنوات الحديث، ليس فقط حول أمور الحياة، بل أيضًا حول المبادئ والقيم التي تجمع أفراد العائلة.
يمكن تنظيم جلسة حوارية عائلية بعد وجبة العيد، يتحدث فيها كل فرد عن أمر يسعده أو يقلقه. وقد يكون ذلك مدخلًا لتصفية النفوس، وفهم التغيرات التي طرأت على شخصية الأبناء أو الأهل. لا يحتاج الأمر إلى مراسم، بل إلى نية للاستماع والاحتواء.
الحوار العائلي بين الآباء والأبناء هو حجر الأساس لبناء علاقة إنسانية صحية داخل الأسرة. فعندما يكون التواصل صادقًا ومفتوحًا، ينشأ التآلف والتعاطف بين الطرفين، ويشعر كل فرد بقرب الآخر منه واهتمامه الحقيقي بمشكلاته وهمومه. هذا النوع من الحوار يُنتج بيئة من التكاشف والثقة، ويحول العلاقة التقليدية الجامدة بين الوالدين وأبنائهم إلى علاقة صداقة قائمة على الاحترام والتفهّم، حيث تزول الحواجز القديمة التي كانت تمنع الأبناء من التعبير بحرية عمّا يدور في أذهانهم.
في ظل هذا الحوار، يتعلم الطفل أن يصارح والديه بأفكاره ومشاعره دون خوف أو تردد. ومن المهم ألا يقتصر الحوار على الجوانب الدراسية فحسب، كما هو شائع، لأن ذلك يجعل الحديث روتينيًا وجافًا. بل ينبغي أن يمتد الحوار ليشمل مشاعر الأبناء، تطلعاتهم، وأفكارهم الشخصية، ليشعروا بأنهم مفهومون ومُحترمون، لا مُراقبون فقط.
الأطفال وشعور الانتماء إلى العائلة في أيام العيد
يشكل العيد محطة أساسية في بناء شعور الانتماء العائلي لدى الأطفال. فحين يرى الطفل أن والده ووالدته يجهزان البيت، ويشاركانه الضحك والتجهيز والاهتمام، يتولد لديه شعور بالأمان والحب.
تجربة مشاركة الطفل في إعداد الطعام، أو في توزيع اللحم، أو حتى في كتابة بطاقة تهنئة، كلها ممارسات بسيطة لكنها راسخة الأثر. كذلك ينبغي الحرص على إشراك الأطفال في صلاة العيد وزيارات الأقارب، حتى يشعروا بأنهم جزء فاعل في هذا الحدث المبارك.
من المهم أن يدرك الأهل أن بناء الأسرة المتماسكة يبدأ من هذه اللحظات الصغيرة، التي قد لا نوليها اهتمامًا، لكنها تترسخ في وجدان الطفل وتشكل هويته العاطفية والاجتماعية والدينية.
الختام: من العيد تبدأ الرحلة
يُعلّمنا عيد الأضحى أن العطاء ليس بالذبح فقط، بل بالحب، بالمبادرة، وبالتواصل. وأن الأسرة، رغم كل اختلافاتها، تظل الحضن الأول والأخير.
من هنا، فإننا مدعوون، خصوصًا في هذا العيد، أن نعيد ترتيب أولوياتنا العاطفية. أن نُقدّم الوقت لمن نحب، أن نُصغي لمن يعيشون معنا، وأن نعيد ترميم جسور قطعتها مشاغل الحياة.
فليكن عيد الأضحى هذا العام بداية جديدة؛ نغرس فيه المحبة، ونروي فيه شجرة العائلة، ونُعيد فيه بناء بيتٍ يسوده الإيمان والرحمة.
1ـ أي تنميها في الثواب أو تطهرها من النقائص أو تصيرها مقبولة كأنها تمدحها وتصفها بالكمال (آت).
2ـ أي تؤخر الاجل، النساء بالفتح: التأخير.
3ـ الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد : ٢ / الصفحة : ١٥٠.
4ـ الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد : ٢ / الصفحة : ١٥1.
5ـ الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد : 4 / الصفحة : 499.
6ـ بحار الأنوار / العلامة المجلسي / المجلّد : 74 / الصفحة : 166.
التعلیقات